أسوار في كل مكان
2021-10-26
وحيد عبد المجيد
وحيد عبد المجيد

هل عالمنا الراهن هو ذلك الذى بُشر به منذ القرن الثانى عشر فى عصر التنوير، وحتى القرن العشرين فى مطلع ما قيل إنه عصر العولمة؟ وهل أصبح حقًا قريةً كونيةً صغيرةً على نحو ما تخيله مارشال ماكلوهان؟

من الطبيعى أن تتعدد الإجابات، تبعًا لاختلاف الاتجاهات والخلفيات وطرق النظر فى الأمور، ووفقًا للزاوية التى يُنظر منها إلى حال عالمنا؟ ولكن قبل أن نُجيب، علينا تأمل ظاهرة الأسوار العازلة التى يزداد انتشارها فى عالم أصبح مُسيَّجًا أكثر من أى وقت مضى منذ نهاية العصور الوسطى.

 أسوار يزداد عددها كل يوم فى أنحاء عالم كثيرًا ما يوصف بأنه واحد أو متواصل أو مُعولم، أو غير ذلك من صفات تعنى إزالة الجدران وليس بناء مزيد منها.

أسوار جديدة تُقام الآن تحديدًا فى بعض بلدان شرق أوروبا لمنع المهاجرين من دخول القارة التى يحلمون بها، وتتسارع عمليات بنائها منذ استيلاء حركة طالبان على السلطة فى أفغانستان.

وتشتد حُمى بناء هذه الأسوار أو تعزيزها على حدود دول عدة، بالتوازى مع مزيد من القسوة فى معاملة أى لاجئ يستطيع التسلل بطريقة ما. ويُترك لاجئون بلا طعام أو ماء لأيام لإرغامهم على العودة من حيث جاءوا.

وعندما أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكمها الذى يقضى بتوفير الطعام والرعاية الطبية للاجئين العالقين على الحدود أو بالقرب منها، ضُرب به عرض الحائط، ومُنع صحفيون وعاملون فى مجال الإغاثة الإنسانية من الاقتراب لمسافات تتراوح بين ثلاثة وخمسة كيلومترات من الحدود.

ليس جديدًا هذا المشهد سوى فى تسارع عملية التسوير، وازدياد القسوة. تابعنا مثله عندما تدفقت أعداد كبيرة من اللاجئين إلى أبواب أوروبا عام 2015، وأُغلقت الأبواب فى وجوههم فيما عدا باب ألمانيا التى بات وصولهم إليها الآن أصعب مما كان. وقرأ بعضنا ما كتبه عالم الاجتماع البولندى زيجمونت باومان فى كتابه الوداعى الصادر عشية رحيله عام 2017 (غرباء على بابنا)، ناعيًا الإنسانية فى عالم يُترك فيه بشر يحتضرون على حدود ما تصوروا أنها جنة مفتوحة، فوجدوا الجحيم على أبوابها المغلقة.

 

  • مدير مركز الأهرام للدراسات السياسيّة والاستراتيجيّة

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس

 



مقالات أخرى للكاتب

  • هل يتحسن الاقتصاد العالمي في 2023؟
  • الحقائق أيضًا ترحل
  • ما تعنيه نوبل للاقتصاد





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي