تأثير المعلومات في السياسة الخارجية لمصر
2021-06-20
محمد أبو الفضل
محمد أبو الفضل

من يشاهد المسلسل المصري “هجمة مرتدة” الذي أذيع لأول مرة في رمضان الماضي يستطيع فك شفرات الكثير من الألغاز التي تفسر نجاة الدولة المصرية من الوقوع في فخ ثورات الربيع العربي، فهو عمل درامي مهم ومتقن اعتنى بمعالجة تطورات سياسية وأمنية عديدة قبل اندلاع ثورة 25 يناير 2011 في مصر.

بعيدا عن المستوى الجيد الذي ظهر به العمل، فقد قدم وجبة دسمة لدور أجهزة جمع المعلومات في مواجهة الأزمات، وهو ما أسهم في الخصوصية المصرية في خضم الثورات والانتفاضات العربية، ولماذا كان التعامل حكيما بشكل حال دون تمكين الإخوان من الاستمرار في الحكم وعصم البلاد من الانزلاق إلى حرب أهلية.

لا أريد الخوض في تفاصيل العمل فنيا ودراميا فهناك الكثير من النقاد قاموا بذلك، لكن ما يهمني الإشارة إلى أن توافر المعلومات أحبط بعض المخططات والمؤامرات التي أرادت القفز على الثورة وتوجيهها بالطريقة التي تحقق أغراض أصحابها، ما جعل الدولة المصرية تستبق بخطوة أو أكثر في إدارة الأزمات التالية على الثورة.

يبدو أن هناك خفايا وأسرار لا نعرفها عن ثورة يناير، حيث كشف العمل كماً من المعلومات المجهولة تمت صياغتها فنيا بما يعزز مصداقيتها في الواقع، ولم يؤثر التغيير في أسماء الشخصيات والأماكن على المضامين التي تعبر عنها في الحقيقة، لأن الرموز والمعاني الضمنية تكفلت بتوضيح جوانب الغموض لدى البعض.

في الحالة المصرية الراهنة التي عاشتها البلاد عقب اندلاع ثورة 30 يونيو 2013 وحتى الآن، واجهت الدولة جملة من الأزمات في الداخل ونجحت في تجاوزها بصورة أثارت تساؤلات حول قدرتها على تصحيح الأوضاع، بدءا من تجفيف منابع الإرهاب والمتطرفين والتخلص من إزعاج الإخوان وحتى القيام بإصلاحات اقتصادية صعبة، وسد المنافذ التي يمكن التسلل منها لإحداث توترات تدفع الناس للخروج إلى الشارع.

من يملك المعلومات يمكنه تحقيق الكثير من الإنجازات، وقدمت الأجهزة المعنية بذلك توصياتها للجهات المسؤولة عن صناعة القرار لقطع الطريق على أي سيناريوهات يمكن أن تعيد شبح التدهور الذي لاح في الأفق بعد ثورتي يناير ويونيو، لذلك كان التركيز أولا على تمتين الجبهة الداخلية والتخلص من منغصاتها وإيجاد مؤسسات قوية قادرة على التعاطي مع المشكلات.

قد نختلف أو نتفق حول الطريقة التي جرت بها المعالجة، والرضا أو الرفض لما تم تحقيقه من تقدم على المستوى التنموي، والغضب من غياب الإصلاحات السياسية، كل ذلك يمكن مناقشته باستفاضة في موضع آخر، فالأمن والهدوء والاستقرار وتجاوز الكثير من المشكلات لا يعني عدم وجودها أو أن مصر بلغت مرحلة الرفاهية.

ربما يكون التباين أقل حدة مع المشكلات الخارجية التي تعاملت معها الدولة المصرية برشادة وصبر وتمكنت من تخطي جزء معتبر من تحدياتها الإقليمية، والسبب أن أجهزة جمع المعلومات حصلت على تفاصيل جعلتها قريبة من التطورات على الأرض، بما ساعد في وضع خيارات متنوعة للتعامل مع الأزمات، وفي النهاية صبت النتيجة في صالح القاهرة وأهدافها الاستراتيجية.

يمكن للمراقب اختبار الفرضية السابقة في الأزمة الليبية وحجم التحديات التي فرضتها، حيث تحصلت الأجهزة المختلفة على معلومات وفيرة بشأن ما يجري حولها والقوى الفاعلة فيها، وبدت الرؤية المصرية من أكثر الرؤى اتساقا مع الواقع، وهو ما أدى إلى حرص دول كبيرة على الاستماع إليها، وتكاد المحصلة الراهنة للتطورات تتسق في غالبية مقاطها مع رؤيتها التي أعلنت عنها في مواقف متباينة.

أضف إلى ذلك ما لعبته أجهزة جمع المعلومات في التفوق المصري في ملف غاز شرق البحر المتوسط، والحرص على اتخاذ مبادرات مع بعض القوى الإقليمية مبكرا، مثل اليونان وقبرص، وصولا إلى تشكيل منتدى المتوسط وتحويله إلى منظمة دولية.

جاءت كافة الخطوات في الاتجاه الذي رسمته مصر، حيث حصلت على معلومات حول مخزون الغاز في المنطقة والخرائط الدالة على ذلك، وحاولت بعض القوى احتكارها، غير أن المنهج الذي اتبعته حال دون تهميشها ووضعها في قلب مشروعات شرق المتوسط العملاقة.

ألقى هذا التفوق بظلاله على الأزمة المتشابكة مع تركيا، وكان من الأسباب الرئيسية التي دفعتها إلى التفكير في التقارب مع مصر، أملا في تصويب الأخطاء معها، والمعلومات أيضا التي تملكها القاهرة جعلتها تضع شروطا تبدو قاسية في نظر تركيا، وترفض إعادة العلاقات معها قبل تنفيذ مطالبها.

إذا تم مد الخيط على استقامته يمكن تطبيق فرضية المعلومات على العلاقة مع قطر والتحسن الظاهر فيها والتعرف على المدى الذي يمكن أن تذهب إليه، حيث خسرت الدوحة جانبا مهما من الأوراق التي كانت بحوزتها السنوات الماضية، وفقدت جزءا من الأدوات التي وضعتها في بؤرة الأحداث والتأثير في مجرياتها.

أسهمت التقديرات التي بنتها مصر وفقا لما توافر لها من معلومات في التعامل مع القوى الكبرى بمرونة، وتوسيع نطاق التعاون مع عدد كبير منها وخلق مصالح مشتركة معها، الأمر الذي أفضى إلى الحفاظ على وتيرة جيدة من العلاقات مع واشنطن في عهد إدارة دونالد ترامب الجمهوري وإدارة جو بايدن الديمقراطي.

ظهرت تجليات المعلومات في ضبط القاهرة آليات تعاطيها مع القضية الفلسطينية، حتى وصلت إلى مستوى مكنها من أن تكون لاعبا أساسيا فيها لا تستطيع أي من القوى الإقليمية والدولية التقليل من دورها وتأثيرها، بل وتقيم شبكة جيدة من العلاقات مع عديد من الأطراف المتناقضة.

يبقى السؤال المحوري، لماذا لم تستفد مصر من المعلومات في أزمة سد النهضة الإثيوبي، حيث دخلت في منعطف خطير بعد نحو عشر سنوات من المفاوضات بلا طائل، وبات السد أمرا واقعا ويتخذه البعض دليلا على القصور المعلوماتي الذي وضع القاهرة في مأزق مع ضيق الخيارات أمامها.

تكمن الإجابة على السؤال المحير في شقين، الأول أن الأزمة الحالية لا تعود إلى قصور في المعلومات لكن في الاستفادة منها والتعقيدات التي تحيط بها والتشابكات التي تتعلق بها إقليميا ودوليا والحسابات التي يجب مراعاتها عند اتخاذ أي قرار.

والشق الثاني يتعلق بكثافة المعلومات عن السد والجهات الفاعلة وأهدافها الحقيقية فرضت عدم التفريط في خيار التفاوض، والتلويح بالخشونة أحيانا جاء لحفز إثيوبيا وقوى دولية لإنهاء الأزمة بطريقة رضائية، ما يفسر اللجوء إلى توسيع دائرة الضغوط الخارجية، لأن قوى عدة لن تتحمل تداعيات أزمة كبيرة يمكن أن يوجدها سد النهضة في منطقة حيوية مثل القرن الأفريقي.

 

  • كاتب مصري

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • المؤامرة على مصر مرة أخرى
  • التنمية قبل السياسة في مصر
  • إخفاقات تقاسم السلطة العربية.. عرض مستمر





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي