هل نحن مقبلون على تغيير؟
2021-06-17
 محمد الرميحي
محمد الرميحي

اذا كان هناك ثمة دروس للتاريخ وإن لم تتماثل يمكن الاستنتاج منها بمؤشرات معقولة، على الرغم من أن التاريخ الإنساني ليس بالضرورة أن يتكرر، إلا أن واقع تاريخ الإنسان يشير الى أنه يمكن أن يكرر الخطأ نفسه أكثر من مرة، وإن كان في ظروف وتحت مسميات أخرى!

لعل ما أسطّره هنا يقود الى شرح مثل هذه المقدمة. الادبيات التي نشرت في الإمبراطورية الروسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والسنوات الأولى من القرن العشرين اتسمت كما يجمع المؤرخون بنقد لاذع وعميق ومؤلم لواقع المجتمعات تحت الجناح الإمبراطوري مع خوار في مؤسسات الحكم بالغة الضعف وتفشي الفساد مصاحب بعنف الدولة القمعية وغياب القانون. هذه الصورة القاتمة جعلت من الكتاب الروس المستنيرين ينتقدون تلك المرحلة الى حد "ازدراء" مجتمعاتهم. تلك الصورة إن نظرنا الى أدبيات العرب اليوم في جلها تقوم بالمهمة نفسها، مع تغير في ميكانيزمات الأسباب التي يكشف مسارها أن العرب يتفرقون في "دول" وليس كما الروس الذين كانوا في دولة واحدة.

التفرّق في دول انشأ المحاور والتحزبات التي تؤثر في المشهد النقدي في شكل أعمق... فهناك معسكر ينصرف الى مناصرة تيار الإسلام السياسي بالمعنى العام للمفهوم وبالتالي يتيح فرصاً في إعلامه المقروء والمُشاهَد وأيضاً في فضائه السيبراني كشف عورة الآخر، وإخراج كل الغث الذي يغوص فيه ذلك الشطر المعادي مع شيطنته، وفي المقابل معسكر ينصرف الى مساوئ المعسكر الآخر ويكشف "عورته" واصفاً كل ما يمارسه على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية على أنه مخرِّب ويحمل أجندة مبطنة، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب وهو انقلابي! النتيجة العامة لهذا المشهد وبسبب وجود وسائل تواصل عابرة للحدود، فإن المتابع العربي تتكشف له عورات الساحة في الجانبين بأكثر ما يكون من الوضوح، ويتكوّن لديه رأي عام بأن الوضع برمته بالغ السوء ما يهيئ الى رفض الواقع.

في بعض البلدان العربية القليلة والتي ما زال يتزامن فيها مدرستان أو معسكران يتصارع الأضداد على الساحة نفسها، كل مسلح بما يراه من قدرات "إقناعية" بعضها بالكلام وبعضها بالصورة وأخرى بالمال ورابعة حتى بالسلاح من أجل اقناع تابعي المدرسة الأخرى بخواء منهجهم وصواب منهجه! حتى اذا استدعى الأمر توظيف (كاتم الصوت)، إلا أن النتيجة واحدة، وهي انكشاف المعسكرين امام الجمهور. هل كل هذا النقد والانكشاف يقود كما قاد في روسيا الى إرهاصات تشير إلى أن تغييراً ما قادم؟ في الوضع العربي القائم مشروعات التغيير المطروحة على الشارع العربي لا تخرج عن مدرستين كبيريتين، الأولى هي "ولاية الفقيه" وهي انحراف سياسي للمدرسة الشيعية الاثني عشرية، والأخرى "الحاكمية" وهي انحراف سياسي للتقاليد المذهبية السنّية، وكلا المدرستين متشبثتين بماضٍ لن يعود وخاسرتين لمستقبل لا يمكن لهما رؤيته.

"التوظيف" الديني لا يبدو أنه يمكن أن يستدعى من التاريخ الإسلامي الى الحاضر... قامت دول على ذلك التحزب وسقطت في الغابر التاريخي، وجرت محاولات حديثه لم توفق وسقطت وبعضها يعاني أزمات داخلية خانقة لا تشكل البديل الآمن او المثال المرجو حتى لمن تحمّس لها في البداية. اذاً نحن أمام المأزق الذي واجه الدولة الروسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين... الفرق أن ذلك المجتمع ظهر له بصيص من نور في آخر النفق في مشروع الدولة الاشتراكية وتم إقامة كيان مختلف تماماً عن كيان القيصرية السابقة، له ما له وعليه ما عليه بعد تجربة طويلة. ليس هنا صلب القضية، صلبها بالنسبة إلى الواقع العربي أنه لم يتبلور حتى الآن (البديل الثالث) على الرغم مما عرف قبل عشر سنوات بـ"ربيع العرب"، ومع التأزم الخانق الذي يصيب اليوم التجربة العربية في بعض بلادنا تشكلت شبه ديموقراطية شوهاء تضر أكثر مما تنفع، إلا أن خياراً آخرَ لم يتبلور حتى الآن، لا نظرياً ولا حتى على الأرض، فلكل مقتنع بأن القائم باقٍ وهي قناعة لا يبدو أن العقل وتجربة التاريخ تؤيد مسارها.

ما العمل اذاً؟ في تقديري أن الأمر لن يخرج عن مسارين، إما نحن ذاهبون الى الفوضى وربما الحروب الأهلية والبينية، وذلك خيار ممكن في ضوء التفقير والتحقير الجاري في بعض مجتمعاتنا مع الشحن والشيطنة، أو التدخل الأجنبي النشط كما يحدث أيضاً في بعض مجتمعاتنا، كما تفعل روسيا وإيران! أما المفهوم المخدر الذي يستخدمه بعضنا لوضع طلاء سطحي على تجاعيد السياسة العربية هو الاستعانة بـ"المجتمع العالمي" وهو الآن يتفكك وتسقط أوراقه!

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • الكويت في رجاء خير
  • أسوأ ما يمكن أن يحدث في عام 2024!
  • هنا لندن!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي