راغبة أو مضطرة.. حماس تتجاوب مع مصر
2021-06-06
محمد أبو الفضل
محمد أبو الفضل

يستشعر من يشاهد الانخراط المصري في تفاصيل التطورات الداخلية في غزة، أمنيا وسياسيا واقتصاديا، أن حركة حماس المهيمنة على القطاع استسلمت لرؤية القاهرة الرامية إلى إعادة ضبط مفاصل القضية الفلسطينية على أساس وطني وليس عقائديا.

قد يرى آخرون في الثقة الظاهرة التي تبديها الحركة حيال مصر تعبيرا عن تفاهمات تكتيكية حول الخطوط العريضة لإدارة المرحلة المقبلة، لأن حماس لن تغير استراتيجيتها التاريخية وهي يتملكها شعور جارف بالانتصار على إسرائيل ظهرت تجلياته في كثير من تصريحات قادتها وخطاباتهم.

سواء أكانت حماس راغبة أو مضطرة، فالتعاطي الإيجابي الآن بات خيارا رئيسيا لها، حيث تقبض القاهرة على العديد من المفاتيح المحورية وتحظى بدعم جهات مختلفة في مقدمتها الإدارة الأميركية التي فوضتها في ضبط ملف غزة بالطريقة التي تؤدي إلى تحقيق قدر من الأمن والاستقرار وتعزيز النجاح الإقليمي.

كما أن هناك تراجعا في توظيف التناقضات الإقليمية يمكن أن يلعب دورا في كبح تصورات حماس التي تريد استمرار إدارة غزة بالطريقة التي تناسبها، وثمة سقف أصبح موضوعا للتدخلات القطرية نتيجة ضغوط دولية تجبر الدوحة على التخلي عن سياسة المناكفات مع مصر ووقف تسليم أيّ مساعدات مادية وإنسانية للحركة مباشرة.

أثبتت حرب الأحد عشر يوما بين إسرائيل وحماس أن تركيا خارج النطاق المركزي للقضية الفلسطينية وقدرتها على التأثير في تطورات غزة محدودة أو غير موجودة، وهي إشارة دالة على خفض مستوى رهانات الحركة على أنقرة لاحقا التي تواجه تحديات إقليمية متباينة تمنعها من التمادي بالمتاجرة مع حماس.

وأخذت التحركات الاستعراضية التي اعتادت تركيا على القيام بها للإيحاء بقوة حضورها ومتانة علاقتها مع حماس في التلاشي تقريبا، ولن يسمح لها بالالتفاف على ما يجري من ترتيبات للقضية الفلسطينية تحت ذريعة عاطفية أو سياسية.

علاوة على أن إيران التي تمثل قاعدة مهمة في دعم الحركة ماديا وعسكريا لن يتم غض الطرف عنها، حيث اعترفت قيادات حماس بفضلها في دعم التطور الذي شهدته الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل مؤخرا.

وبصرف النظر عن عشوائيتها وعدم دقتها في الوصول إلى أهدافها، فهي دقت جرس إنذار لما سوف يفضي إليه التعاون بين الجانبين مستقبلا، فلا أحد من القوى الإقليمية الفاعلة يريد إعادة إنتاج تجربة حزب الله اللبناني في غزة.

يؤدي سد المنافذ الثلاثة، قطر وتركيا وإيران، أو حتى تضييق هامش الحركة أمام حماس، إلى تقييد مساحة الحرية التي كانت تتمتع بها وتمنحها هواء يساعدها على التنفس في مواجهة الحصار الإسرائيلي، ولن يبقى أمامها سوى مصر كرئة وحيدة لاستنشاق الهواء النقي، وهو ما يجبرها على الانفتاح عليها الآن بدرجة كبيرة، أو على الأقل لا ترفض ما تقوم به من تحركات، لأنها في النهاية لن تتآمر عليها.

تريد مصر إعادة هندسة الأوضاع في قطاع غزة على أساس تلاحم أراضيه مع الضفة الغربية ومنع حديث الانفصال الضمني بينهما، بما لا يحوله إلى مقدمة لإقامة دويلة إسلامية ونقطة ضعف في خاصرة مصر الشمالية، حيث ظلت الحركة مؤمنة بأن إقامة دويلة في غزة هدف مرحلي تتشبث به، ومن مصلحتها التخلي عن الصدام مع مصر التي تستطيع خنق المشروع بسهولة بحكم مقتضيات الجغرافيا السياسية.

خنقت القاهرة المشروع مبكرا عمليا من خلال احتواء حماس وتنحية فكرة التمادي في الصدام معها التي راجت قبل خمس سنوات، وتغليب زيادة وتيرة الحوار والتفاهم معها، على الرغم من يقينها بأنها تتعاون مع قوى إقليمية تناصب مصر العداء

وتصرفت الدولة المصرية بما يحافظ على الحد الأدنى من الروابط بين القوى الفلسطينية، وكانت حوارات الطرشان المتعددة بين الفصائل في القاهرة نوعا من تثبيت الروابط الوطنية بينهم وقطع الطريق على التحلل منها.

قاد هذا التوجه إلى وجود مساحة مشتركة يمكن البناء عليها حاليا، فبعد ظهور مؤشرات دولية لتغيير آلية التعاطي مع القضية الفلسطينية وتوارد حديث جاد عن حل الدولتين من قبل الإدارة الأميركية بدأت المعادلة تعود تدريجيا إلى صيغة ما قبل استقواء حماس وانفرادها بالهيمنة على غزة بعيدا عن السلطة الوطنية في رام الله.

تدور خلافات محتدمة داخل حماس بشأن طبيعة التحركات المصرية وما سيتمخض عنها، ففريق يرى أهمية في التجاوب معها فمن الممكن أن تكون مدخلا سلسا لتعظيم مكاسب الحركة سياسيا، حيث تعمل القاهرة وفقا لخطة بعيدة المدى ترمي إلى تخفيف الأعباء عن قطاع غزة الذي يئن من شدة الحصار الإسرائيلي وسوف تزداد معاناته مع تجفيف منابع التمويل الخارجي الذي تتلقاه حماس من جانب إيران وقطر.

قبل أن ينقلب الشارع على الحركة التي يحمّلها قطاع كبير فيه مسؤولية المأساة الإنسانية التي يعيشها، عليها عدم التململ من الخطة المصرية، لأنها تخفف فعليا الضغوط الشعبية الواقعة عليها، وتظهرها في شكل يمكن أن يسهم في تقديمها للعالم بصورة معتدلة، فالتدهور الذي تمر به حركة فتح يصب في صالح حماس.

ويعتقد فريق آخر أن التناغم مع الخطة المصرية يجبر حماس على التخلي عن جزء معتبر من ثوابتها، فالقاهرة تبدو كمن يستغل الجانب البراغماتي بالحركة لتغيير هويتها ما ينتج عنه التخلي عن طابعها الأيديولوجي الذي عرفت به منذ تأسيسها، فالتعديلات التي أدخلتها حماس على برنامجها الأساسي لم تقطع صلتها بالتيار الإسلامي.

تسعى مصر إلى تفريغ الحركة تدريجيا من مضمونها العقائدي والوصول بها إلى حركة تحرر وطني مدنية، فخطة التحديث العمراني في قطاع غزة تتضمن داخلها خططا فرعية لتطوير الخطاب السياسي، لن تتعمده حماس، غير أن الأمر الواقع يمكن أن يقودها إلى تداعيات من هذا النوع.

تخشى القيادات الرافضة للانخراط في التحركات المصرية من هذه النتيجة، وتفضل بقاء جزء كبير من غزة تحت الركام بدلا من تحويلها إلى مدينة تضاهي دبي في جاذبيتها الاقتصادية، ففي هذه الحالة لن تستطيع حماس فرض كلمتها على المنتمين إليها، فما بالك بمن عرف أنها تسيطر عليهم بالإغراءات أو التهديدات، وربما بالحديد والنار.

لا يزال الوقت مبكرا لاستكشاف نجاح الخطة المصرية أو فشلها، فالجزء الغاطس من أفكار حماس ربما يحمل الكثير من المحددات التي تسير في اتجاه عكسي، لذلك فاستعجال القاهرة في إرسال الجرافات والبدء في عملية إعادة الإعمار رسالة لقوى عديدة بأن القطاع قابل للتغير والهدوء بدلا من التوتر والصراع.

 

  • كاتب مصري

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • المؤامرة على مصر مرة أخرى
  • التنمية قبل السياسة في مصر
  • إخفاقات تقاسم السلطة العربية.. عرض مستمر





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي