العالم يحبس أنفاسه في انتظار دخان البيت الأبيض
2020-10-28
مرح البقاعي
مرح البقاعي

أعادت المناظرة الرئاسية الثالثة والأخيرة بين مرشحي الحزب الديمقراطي الأميركي، جو بايدن، ومرشح الحزب الجمهوري الرئيس الحالي، دونالد ترامب، الثقة إلى حملة ترامب ومناصريه بعد أن أبلى الأخير بلاء حسنا، متفوّقا على منافسه بايدن في العديد من النقاط برأي الإعلام النصير للديمقراطيين واليسار الأميركي، وليس بتقديرات الإعلام الذي يقع في الضفة الأخرى اليمينية وحسب.

وبينما فشل بايدن في الدفاع عن نفسه في سياق الاتهامات الموثقة التي ساقها ترامب خلال المناظرة، وكان أخطرها تهمة استغلاله المنصب حين كان نائبا للرئيس السابق باراك أوباما لدعم أعمال ابنه، هانتر بايدن، في صفقات تجارية ضخمة مع أوكرانيا وموسكو، إلى وعوده الانتخابية لجهة إصلاح نظام الدعم الصحي لمن لا يملكون تأمينا صحيا، التي لم يستطع أن يحقّق منها شيئا خلال وجوده في البيت الأبيض لمدة ثمانية أعوام قبل وصول ترامب إلى الحكم.

وذكّر ترامب بتصريح بايدن الجدلي بإنهاء عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط على الأراضي الأميركية، بما يهدّد مستقبل عائلات بأسرها تعيش على دخلها من العمل في قطاع التنقيب، عدا عن تهديد ذلك للاكتفاء الذاتي الذي حققته أميركا في مصادر الطاقة، والذي يعتبر أمرا يمسّ أمنها الاقتصادي، الذي لا يفترق عن أمنها القومي، وانتهاء بمشهد بايدن نائيا بنفسه عن النصير الوحيد الذي كان بإمكانه الاعتماد على شعبيته للفوز بمقعد الرئاسة، وهو الرئيس السابق أوباما، حين عزا إليه الفشل في إصلاح قانون الهجرة الذي واجهه به ترامب خلال المناظرة، وهو مشروع استراتيجي وحيوي يقع في صلب الحياة السياسية الأميركية.

في ظل هذه التطورات الأخيرة، بدأت وسائل الإعلام تشير إلى إمكانية فوز ترامب من خلال “المجمع الانتخابي” مع احتمال الخسارة لصالح بايدن بفارق ضئيل في التصويت الشعبي. وهو سيناريو يتّسق مع انتخابات 2016 حين خسرت هيلاري كلينتون أمام ترامب. وها هو ترامب، إثر المناظرة، يتنقل بطائرته الرئاسية بين الولايات المتأرجحة ليضمن أصوات المجمع الانتخابي لصالحه، بينما يختفي بايدن ولا يبدي أي حماس لمعاودة الزخم إلى حملته وكأنه مطمئن لحتمية الفوز وقد وضعه “في جيبه” كما نقول بلهجة أهل الشام.

لن نفشي سرّاً لو قلنا إن الانتخابات الأميركية تعتريها المفاجآت دائما، والاحتمالات قائمة باستمرار في الخسارة والربح مهما توفرت الأسباب اللازمة لحسم النتيجة. فهذه انتخابات ديمقراطية عالية الشفافية تمتاز بها أميركا منذ قيامها على يد الآباء المؤسسين الأوائل، وأي خلل يشوب نزاهة ومصداقية العملية الانتحابية إنما يضرب الديمقراطية الأميركية ضربة موجعة قد تصل ارتداداتها إلى مفاصل البيت السياسي الأميركي لتصيبه بأزمة حقيقية. لذا تحرص هيئة الانتخابات الأميركية المشرفة على المتابعة والتدقيق والرقابة من أجل صون وحماية هذه العملية الدستورية الأعلى أهمية في الحياة الأميركية.

إلا أنه لا بد لنا من ذكر ما يميّز ترامب ويجعله أوفر حظا للفوز بفترة رئاسية ثانية: على صعيد الداخل الأميركي، حقق الرئيس ترامب خلال أربع سنوات قفزة اقتصادية غير مسبوقة، عزّزها باستعادة شركات كبرى أميركية للعمل في الداخل الأميركي، وخلق فرص عمل للأميركيين كانت تذهب للعمالة الخارجية، وهذا ما أدى إلى انخفاض مستوى البطالة في الولايات المتحدة – قبيل وصول الجائحة العالمية – بمعدل لم تشهده البلاد منذ الكساد الكبير في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.

أما على صعيد الجيش والعمليات الحربية، فقد حقق ترامب وعوده لعائلات أفراد الجيش الأميركي بإعادتهم إلى بلادهم والانسحاب من الحروب والعسكرة في المناطق الساخنة في غير مكان من العالم يتعرض فيه المقاتل الأميركي للأخطار، بينما استعاض عن التواجد العسكري الميداني بسياسة الضغوط والعقوبات على الدول التي تشكّل تهديدا للأمن القومي الأميركي أو لحقوق الإنسان والاستقرار العالمي، وخير مثال على ذلك عقوبات “قانون قيصر” على النظام السوري، والعقوبات المتصاعدة على روسيا وإيران والصين.

وفي مجال استعادة السلام في المنطقة الأكثر سخونة في العالم، تمكّن ترامب بواسطة الدبلوماسية النشطة من إنجاز اختراق دبلوماسي غير مسبوق في إبرام معاهدات سلام بين إسرائيل وثلاث دول عربية آخرها كان السودان الذي كانت عاصمته الخرطوم قد أطلقت في العام 1967 لاءاتها الثلاث: لا للصلح، لا للتطبيع، لا للاعتراف بإسرائيل.

أما إنجازاته الحربية فقد ساهمت – دونما إراقة دماء جنوده – في إنهاء شرور قطبي الإرهاب في الشرق الأوسط والعالم، حين أمر بشن غارة نوعية قضت على مؤسس تنظيم داعش، أبوبكر البغدادي، مستهدفة معسكره في ريف إدلب السوري، تلته تصفية مهندس عمليات الميليشيات الإيرانية العابرة للحدود، قاسم سليماني، بقصف سيارته على طريق مطار بغداد عائدا من دمشق، بصاروخ ذكي تم توجيهه من قاعدة عسكرية تقع في صحراء نيفادا الأميركية.

وقد ترافقت تلك العمليات النوعية مع إنهاء تنظيم داعش تماما بالشراكة مع الأكراد السوريين في شرق الفرات، وبتشديد العقوبات على دولة الملالي في إيران، وعلى شخصيات فاعلة وصلت إلى عقوبات فُرضت أخيرا على سفيرها في العراق، بهدف الضغط على حكومة طهران لوقف دعمها للفوضى وإثارة الفتن في هذا البلد الذي يقع في القلب من نزعة التغوّل الإيراني على المنطقة وأهلها.

بقيت أيام على توجه الناخب الأميركي رسميا إلى صناديق الاقتراع في 3 نوفمبر القادم، علما وأن ما يزيد على 50 مليون أميركي قد أدلوا بصوتهم بشكل مبكّر، ومنهم الرئيس ترامب الذي أدلى بصوته في ولاية فلوريدا يوم الأحد 24 أكتوبر، أي قبل تسعة أيام من اليوم الانتخابي الرسمي. إلا أن نتائج الانتخابات لن تعلن في اليوم عينه نظرا للجوء الملايين – وأنا واحدة منهم – للتصويت عبر البريد بسبب ظروف الاحتراز القصوى والعزل الاختياري الذي يتخذه البعض اتقاء للإصابة بفايروس كورونا.

وإلى حين إعلان الفائز بالرئاسة الأميركية للأربع سنوات القادمة ستبقى أميركا تقف على قدم واحدة، ويقف العالم معها، بانتظار ظهور “الدخان الأبيض”، وقد بدت انتخابات 2020 وكأنها اقتراع على رئاسة العالم.


*كاتبة سورية أميركية
*المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع

 



مقالات أخرى للكاتب

  • انتخابات 2020.. أين يذهب الصوت العربي الأميركي؟





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي