انتخابات 2020.. أين يذهب الصوت العربي الأميركي؟
2020-09-04
مرح البقاعي
مرح البقاعي

أستهل مقالي اليوم ببعض الأرقام الإحصائية التي يحتاجها متن المقال من أجل تمكين معطياته بمفردات الواقع المعاش التي تعتمد على الحقائق الموثّقة لا على التأويل.

بلغ عدد العرب الأميركيين في الولايات المتحدة حسب الإحصاءات الأخيرة التي اعتمدها استفتاء مؤسسة “زغبي أنترناشيونال” المتخصّصة بهذا الشأن، ما يقارب 3.5 مليون مواطن يتوزعون على الولايات الخمسين كافة؛ الحضور الأعلى كثافة للعرب الأميركيين نجده في ولاية كاليفورنيا على الساحل الغربي الأميركي وفي ولاية ميشيغان، بينما تعتبر ولاية فيرجينيا على الساحل الشرقي هي الأقل تعدادا من أبناء الجالية.

تعتبر الجالية العربية الأميركية في الولايات المتحدة الأسرع تزايدا بين الدياسبورا العربية في العالم، فقد ارتفع عددها بين إحصاءين في الأعوام 2000 و2010 بمعدّل 72 في المئة؛ وهذا رقم قياسي على أي حال مقارنة بتزايد القوميات المهاجرة الأخرى، سواء كانت عربية، أو من الأعراق المتعددة التي جعلت من الولايات المتحدة وطنا مختارا لها وقبلة لتحقيق الحلم الوردي الذي تمثّله أميركا من حياة مستقرّة وآمنة تحمل معها كل الفرص.

تشير إحصاءات المعهد العربي الأميركي في واشنطن للعام 2018 إلى أن كبرى الجاليات العربية هي الجالية اللبنانية التي تقدّر نسبتها بـ25 في المئة من مجموع الجالية العربية الأميركية، تليها المصرية بنسبة 12 في المئة، ثم السورية بما يقارب 8 في المئة، وتأتي بعدها الجاليات من أصول عربية أخرى بنسب ضئيلة مختلفة.

مما تقدّم نستطيع أن نقدّر نسبة العرب الأميركيين بنحو 1 في المئة من مجمل تعداد الأميركيين الذي يقارب 350 مليون نسمة. فلمن سيصوّت العرب الأميركيون في الانتخابات الرئاسية للعام الجاري 2020، وهل هم منخرطون بكثافة في الحياة السياسية أم أنهم بعيدون عن حراكها؟ وإذا أردنا أن نحصر الناشطين السياسيين بينهم والمنتسبين لأحزاب سياسية فاعلة فأين نجد الصوت العربي الأميركي، في اليمين الجمهوري أم اليسار الديمقراطي؟

في انتخابات العام 2016 أيّد غالبية العرب الأميركيين المرشحة هيلاري كلينتون للرئاسة، وقد وصلت نسبة من صوتوا لها إلى 67 في المئة حسب استطلاعات مؤسسة “زغبي أنترناشيونال”.

أما السوريون الأميركيون، وكانت قضيتهم على صفيح ساخن في ذلك العام، فقد وضعوا جل بيضهم في السلة الديمقراطية، أفرادا ومؤسسات، بالرغم من نصائح السوريين الأميركيين المنتمين إلى الحزب الجمهوري وتذكيرهم بما ألحقته إدارة أوباما الديمقراطية من تشويش ومغالطات في فهم طبيعة الملف السوري وكيفية التعامل معه بل وتقاذفه بين وزارة الخارجية الأميركية والبيت الأبيض اللذين كانا على موقفين نقيضين من نظام بشار الأسد، على الأقل خلف الكواليس وليس في العلن.

اصطفاف العرب الأميركيين خلف المرشحة الديمقراطية كلينتون لا يعني أن الجمهوريين منهم لم يصوتوا لدونالد ترامب في حينها، فهناك العديد من العرب الأميركيين ينتسبون إلى الحزب الجمهوري إما لأسباب اجتماعية كون هذا الحزب يحمل القيم العائلية والمجتمعية المحافظة التي هي أقرب لثقافتهم من الفكر الليبرالي اليساري، وإما لكونهم من أصحاب الدخول العالية من المؤيدين لخفض التكليف الضريبي على الدخل.

الشعار الذي أطلقه دونالد ترامب "أميركا أولا" هو أحد أهم محفزات النظام العالمي الجديد الذي يعزز الشعور القومي والحس بالانتماء الراسخ إلى ثقافة الشعب وهويته وليس لسياسات الأحزاب وعقيدتها

كما لا يمكننا أن ننسى أن العرب الأميركيين موزعون في انتمائهم الديني بين مسيحيين ومسلمين. وقد رأينا ميل الجاليات المسلمة بعامة، ومنها الجالية العربية الأميركية، للتصويت لهيلاري كلينتون في انتخابات 2016 بسبب التصريحات التي أدلى بها منافسها في ذلك الوقت، دونالد ترامب، والتي حرّض فيها على منع المسلمين القادمين من دول ترعى الإرهاب من الدخول إلى الولايات المتحدة وعدم منحهم تأشيرات الفيزا.

إلا أن هذا لم يمنع أن من صوّت لترامب في حينها من العرب الأميركيين بلغت نسبتهم 12 في المئة. وقد قال الشريك المؤسس ورئيس المعهد العربي الأميركي، جيمس زغبي، الذي أجرى الاستطلاع “هناك أشخاص جمهوريون ‘ثقافيا’ وهم بكل بساطة لا يمكنهم المكابرة على أنفسهم والتصويت لصالح مرشّح ديمقراطي”.

نجح ترامب في العام 2016 مخالفا لكل استطلاعات الرأي والتوقعات، وأدار أربع سنوات من الحكم ضمن سلسلة ألغام سياسية زرعها له الديمقراطيون لتعطيل عمله وإخراجه قانونيا من البيت وصلت إلى حد ملاحقته بقضية “العزل” بدعوى عدم الكفاءة، والتي سقطت في مجلس الشيوخ، فاستمر في الحكم، ونال ترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات العام 2020 لفترة رئاسية ثانية مقابل منافسه الديمقراطي جو بايدن.

مازال العرب الأميركيون، حسب استطلاعات للرأي متفرقة، يميلون إلى التصويت للمرشح الرئاسي الديمقراطي، والأغرب في الأمر أن السوريين الأميركيين يحشدون مجددا وراء جو بايدن مرتكبين الخطأ عينه الذي ارتكبوه في العام 2016 حين تبرعوا بأموال طائلة لكلينتون التي انتهت وحزبها خارج البيت الأبيض.

من نافلة القول أن الرئيس الأميركي يُنتخب ويفوز عادة على برنامج سياسته الداخلية التي تمس حياة المواطن الأميركي بشكل مباشر. لكن في العام 2020 سيكون الأمر مختلفاً وستحضر السياسات الخارجية بقوة مع دخول العالم بأسره في منظومة إعادة ترتيب نظام عالمي جديد، عالم ما بعد العولمة التي لم تؤت ثماراً طيبة كما كان ينتظر منها بعد سقوط الحواجز والجدران الفاصلة بين الشعوب سقوطاًجغرافياً كما جدار برلين، وافتراضياً عبر شبكات المعلومات والتواصل الاجتماعي التي كانت من أهم منجزات العولمة.

يبدو العالم مقبلا اليوم على إحداثيات جديدة قد تغيب فيها دول وتولد أخرى، وينتفي نفوذ قوى سائدة بينما يرتفع نجم بعض منها لم يكن ليحسب لها حسابا في حلبة الأقوياء؛ تلك الإحداثيات سترسم خارطة جديدة ضمن برنامج صارم لن تكون الولايات المتحدة ولا ثقافتها هي الطرف الأكثر تأثيرا فيه، بل إن القوى الصاعدة في العالم ستشكل مراكز جديدة للتوازن العالمي وصناعة القرار الدولي بأقطاب متعددة.

إن الشعار الذي أطلقه دونالد ترامب “أميركا أولا” هو أحد أهم محفزات النظام العالمي الجديد الذي يعزّز الشعور القومي والحس بالانتماء الراسخ إلى ثقافة الشعب وهويته وليس لسياسات الأحزاب وعقيدتها، ويؤسس لتعددية قطبية وتوازن في توزيع مراكز القوى بحيث لا تميل الكفة إلى حضارة واحدة أو سياسة منفردة أو زعيم بعينه، بل تقف في مستوى الاعتدال المطلوب لإعادة الاتزان إلى سلسلة العلاقات بين الدول الكبرى من جهة، وتأثيرها في سياسات دول أقل شأنا مازالت في طور التنمية من جهة أخرى.

حظوظ فوز الرئيس ترامب أكبر من منافسه الديمقراطي حين نتحدّث عن السياسات الخارجية وموقف إدارة ترامب من الإرهاب في العالم والملف النووي الإيراني والغول الاقتصادي الصيني. أما على مستوى الداخل فالأميركيون يريدون أن يتحسسوا باستمرار محفظة مكتنزة وفرتها لهم إدارة ترامب حيث بلغ الدخل الفردي الأميركي أعلى مراتبه حتى جاءت جائحة كورونا لتحبط هذا الإنجاز الاقتصادي غير المسبوق منذ عشرينات القرن الماضي.

فصل المقال أن انتخابات 2020 حُبلى بالمفاجآت كما سابقتها في العام 2016، وتتراوح فيها حظوظ المرشحين لجهة برنامج السياسات الخارجية والداخلية لكل منهما بشكل غير مسبوق. أما العرب الأميركيون الذين تصل نسبتهم إلى 1 في المئة فقط من مجموع المواطنين الأميركيين، فهم معنيون بتحديد من سيمارس سياسة خارجية أفضل في بلد مسقط الرأس ليمنحوه صوتهم، إلى جانب كونهم منخرطين في الحياة الأميركية في بلدهم الثاني المختار ويرنون إلى اقتصاد الوفرة الآن وفي المستقبل.



مقالات أخرى للكاتب

  • العالم يحبس أنفاسه في انتظار دخان البيت الأبيض





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي