للباحثة البحرينية بتول السيد مصطفى : قراءة في كتاب (الإعلام في زمن كورونا)

2021-03-22

المنامة - الأمة برس - (الإعلام في زمن كورونا) كتابٌ جديد للباحثة الإعلامية البحرينية الدكتورة بتول السيد مصطفى، صدر حديثاً عن دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع في عمّان، الأردن. وقد تضمن الكتاب في فصله الأول مدخلًا نظريًّا مُوسعاً يتكون من شقّين: الأول يُعطي نبذة تعريفية عن جائحة "كورونا" بدءاً من ظهور الفيروس ومن ثم انتشاره على مستوى العالم، وكيفية إدارتها كأزمة عبر استعراض أهم التدابير والإجراءات المُتخذة لمواجهتها أو محاولة احتوائها، وأبرز التداعيات والتأثيرات المترتبة عليها في شتى الصُعد السياسية، الأمنية، الاقتصادية، البيئية، الاجتماعية والنفسية، والإعلامية، وغيرها.
والشق الثاني يستعرض التناول الإعلامي للجائحة، انطلاقًا من الإعلام الصحي تحديدًا، إذ أعادته الأزمة إلى الواجهة بعد زمن من انحساره، وقد تم استعراض أبرز الوظائف والمسؤوليات التي يُفترض اضطلاعه بها، وكذلك انطلاقًا من إعلام الأزمات من حيث الأدوار والمراحل والأداء، فضلاً عن مبحث خاص بالإعلام التقليدي والجديد، وطبيعة المعالجة الإعلامية للأزمة (مثيرة، ناقصة، ومتكاملة)، وماهية الخطاب الإعلامي المُستخدم في ذلك (عاطفي، وعقلاني)، مع تصنيف التعاطي الإعلامي مع الجائحة استنادًا إلى ماهية الأنظمة السياسية التي تعمل وسائل الإعلام في ظلها، سواء كانت سلطوية أو ديمقراطية، وكذلك تصنيف الجمهور المتعرض إليها (عنيد، حساس، ولا مبالي).
ويُشار في الكتاب إلى أن الأزمة أو الجائحة فرضت واقعًا إعلاميًّا جديدًا بكل المقاييس، ومثَّلت اختبارًا حقيقيًا لوسائل الإعلام على صعيد مهني وإنساني، وذلك أخذًا في الاعتبار التدفق الغزير للمعلومات عنها، ما يتطلب إعلامًا قويًّا قادرًا على مواجهتها، وجمهورًا نشطًا قادرًا على غربلتها. كما شهد الإعلام تغيرًا جذريًّا في وظائفه وأجنداته ورسائله، إذ تقدمت المسؤولية على حساب الفوضى والعشوائية، وتضاعف الاهتمام بالمضامين الجدية في قبالة المعالجات الترفيهية، وبرزت العقلانية في مواجهة العاطفة، وإن كان ذلك مرتبطًا بمتغيرات عدة، كالاستقلالية وتنوع مصادر المعلومات، وأنماط الممارسات أو المعالجات الإعلامية، فضلًا عن عناصر الجاذبية والمصداقية والنفوذ.
إلى ذلك، فقد تضمن الكتاب في فصله الثاني إطارًا تطبيقيًّا، يضمّ ثلاث دراسات مسحية: الأولى حول استخدامات الجمهور البحريني لمصادر المعلومات عن "كورونا" وتأثيراتها، والثانية حول تأثيرات الإعلام المحلي على الجمهور اليمني في أزمة "كورونا"، والثالثة حول اتجاهات النُخب العربية نحو الخطاب الإعلامي لمنظمة الصحة العالمية خلال جائحة "كورونا". وقد خلصت تلك الدراسات مجتمعة إلى تأكيد أهمية الإعلام الصحي في إدارة الأزمات الصحية، مُمثَّلة في أزمة "كورونا"، وضرورة التقييم المستمر للسياسات والخطط الاستراتيجية الإعلامية؛ وذلك بغرض الحد من أضرارها قدر الإمكان، وتجنب أيّ إرباك قد تتسبب في حدوثه على شتى الصُعد. كما أن مسوحات الجمهور أظهرت في الغالب نتائج تميل إلى الإيجابية، لاسيما على مستوى التأثيرات المعرفية والعاطفية والنفسية والسلوكية، وهو أمر لافت في التعاطي القائم بين مصادر المعلومات والجمهور في الواقع، بخلاف الانطباع الشائع والصورة المطروحة إعلاميًّا، ولعل ذلك يرجع في أحد جوانبه إلى الوعي الجمعي والمعلوماتي الذي تعزز مع طول مدة انتشار الوباء، واستمرار الأزمة، ما يُحتّم ضرورة التعايش معها، وسط تدابير وقائية، بعيدًا عن التهويل والتهوين.
وفي استعراض تفصيلي لملخص الدراسات الثلاث، نشير إلى أن الأولى هدفت إلى تحديد أبرز مصادر المعلومات التي يستخدمها الجمهور البحريني خلال الجائحة، ومعرفة أبرز دوافع الاستخدام، والمضمون والشكل والطرف الفاعل الأبرز للمعلومات التي تتم متابعتها، فضلًا عن تقييمها. كما هدفت إلى رصد أبرز التأثيرات المعرفية والعاطفية والنفسية والسلوكية المترتبة على الاستخدام ومتابعة المعلومات. وارتكزت الدراسة على نظريتي الاستخدامات والإشباعات، والاعتماد على وسائل الإعلام، واستندت إلى المنهج المسحي، إذ شمل المسح عينة مُتاحة، وتم استخدام أداة الاستبانة لجمع المعلومات من 520 مفردة، مُمثلة للجمهور البحريني في مختلف محافظات المملكة.
وقد خلصت الدراسة إلى أن غالبية أفراد العينة يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي كأبرز مصدر للحصول على المعلومات عن "كورونا" بنسبة 64.2 بالمائة، وأن الدافع الأبرز للاستخدام يتمثل في الوقاية وتجنب الإصابة بنسبة 59.4 بالمائة. وتمثَّل المضمون الأبرز للمعلومات المُتابعة في الإرشادات الصحية بنسبة 31.2 بالمائة، بينما تمثل الشكل الأبرز لمضمونها في الأخبار والتقارير بنسبة 41.5 بالمائة. كما بينت النتائج أن الغالبية يتابعون المعلومات التي تنقلها المنظمات الصحية عن "كورونا" بنسبة 36.7 بالمائة، وقَيَّم 32 بالمائة منهم المعلومات بأنها غامضة ومتناقضة، في مقابل 21.5 بالمائة اعتبروها واضحة ومُتكاملة. وتمثَّل التأثير المعرفي الأبرز للمعلومات التي يتابعها الغالبية في زيادة الفهم والوعي الصحي بنسبة 66.3 بالمائة، بينما تمثل التأثير العاطفي الأبرز في الدعم المعنوي بنسبة 24.6 بالمائة. وتمثل التأثير النفسي الأبرز للمعلومات في الارتياح والتفاؤل بنسبة 29.2 بالمائة، والتأثير السلوكي الأبرز في الالتزام بالتعليمات بنسبة 63.2 بالمائة.
و أوصت الدراسة بالارتقاء بدور الإعلام الصحي، بما تقتضيه الأزمات الصحية وظروف انتشار الأمراض والأوبئة من تكثيف الوعي وتعزيز الفهم والمعرفة بسُبل الوقاية، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية في طرح الموضوعات المُتعلقة بالأوبئة الخطيرة، عبر مراعاة تأثيراتها المختلفة على الجمهور من النواحي كافة. كما شددت على ضرورة استقاء المعلومات من مصادر ذات مصداقية، لاسيما خلال الأزمات الصحية ذات التأثير المباشر على الحياة، وإعداد دراسات مستقبلية تُعنى بتحليل مضمون مصادر المعلومات حول وباء "كورونا" على اختلاف أنواعها، وذلك بهدف تعزيز نتائج المسح.
أما الدراسة الثانية فقد هدفت بشكل رئيس إلى معرفة مدى تعرض واعتماد الجمهور اليمني على الإعلام المحلي كمصدر للمعلومات خلال أزمة "كورونا"، ورصد مستوى التأثيرات المعرفية والعاطفية والسلوكية المترتبة على ذلك. وارتكزت على نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام، واستندت إلى المنهج المسحي، فقد شمل المسح عينة مُتاحة، وتم استخدام أداة الاستبانة لجمع المعلومات من 247 مفردة، مُمثلة للجمهور اليمني في مختلف محافظات الجمهورية.


وخلصت الدراسة المسحية إلى أن غالبية أفراد العينة يعتمدون على الإعلام المحلي كمصدر للمعلومات بدرجة متوسطة خلال أزمة "كورونا"، وذلك بنسبة 35.6 بالمائة، ويثقون به بدرجة متوسطة أيضًا بنسبة 36.5 بالمائة، ويتعرضون إليه أحيانًا بمتوسط أقل من ساعة يوميًا. كما أن غالبية الأفراد لم يتأثر مستوى تعرضهم إلى الإعلام المحلي بعد أزمة "كورونا"، وهم يتابعون وسائل الإعلام التقليدي والجديد معًا بنسبة 53.8 بالمائة.
وفيما يتعلق بالتأثيرات المعرفية المترتبة على التعرض إلى الإعلام المحلي، فإن غالبية الأفراد يوافقون على أنه يرفع الوعي الصحي لديهم، ويُزوّدهم بمعلومات كافية ومتكاملة عن جائحة "كورونا"، وأنه لا يُثير لديهم لغطًا وغموضًا، ويُسهم في ترتيب أولوياتهم واهتماماتهم. أما التأثيرات العاطفية، فوافق فيها الغالبية على أن الإعلام المحلي يرفع الروح المعنوية والشعور الجمعي لديهم خلال أزمة "كورونا"، ويُسهم في تعزيز شعورهم بالرضا تجاه إدارة الدولة للأزمة، بينما لم يوافقوا على أن الإعلام المحلي يُعزز شعورهم بالاغتراب والعزلة، أو يُثير شعور الخوف والقلق لديهم. وبشأن التأثيرات السلوكية، فقد وافق غالبية الأفراد على أن الإعلام المحلي يُحفّزهم على اتخاذ إجراءات احترازية للوقاية من وباء "كورونا"، ويُنشّطهم للمشاركة في جهود الدولة الرسمية لمكافحته، ويُشجعهم على الانخراط في العمل الأهلي التطوعي، كما يدفعهم إلى اتباع التعليمات الصحية الرسمية.
وقد أوصت الدراسة بأهمية وضع خطط واستراتيجيات إعلامية للتعاطي مع الأزمات الصحية وإدارتها، والتقييم المستمر للسياسات الإعلامية القائمة، مع تحديد الأولويات في مجال الإعلام الصحي والتوعوي، وتعزيز دور وسائل الإعلام في العمل على زيادة الوعي المجتمعي والصحي خلال الأزمات، والانطلاق من نتائج هذه الدراسة لإجراء دراسات تحليلية لمضمون وسائل الإعلام خلال جائحة أو أزمة "كورونا".

وقد تناولت الدراسة الثالثة الخطاب الإعلامي لمنظمة الصحة العالمية خلال جائحة "كورونا"، وهدفت إلى رصد اتجاهات نُخب عربية نحو الاستمالات المُستخدمة في الخطاب، وذلك على اختلاف أنواعها (العاطفية، العقلانية، والتخويف). كما هدفت إلى تحديد الوسيط الإعلامي الأبرز لمتابعة الخطاب من قِبل النُخب، فضلًا عن معرفة مدى التعرض إليه. وارتكزت الدراسة على نظرية تحليل الخطاب الإعلامي من ناحية النص والسياق الظاهريين فحسب، إذ استندت إلى المنهج المسحي. وقد شمل المسح عينة عمدية، وتم استخدام أداة الاستبانة لجمع البيانات من 725 مفردة، مُمثلة بنُخب أكاديمية وإعلامية في دول عربية متفرقة.
وخلصت الدراسة المسحية إلى أن غالبية أفراد عينة النُخب العربية يتعرضون إلى الخطاب الإعلامي لمنظمة الصحة العالمية خلال جائحة "كورونا" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بنسبة 54.8 بالمائة، يليها التلفزيون بنسبة 28.7 بالمائة. وبينت النتائج موافقة 39.9 بالمائة من العينة على أن الخطاب مشحونٌ بمؤثرات عاطفية، في مقابل 18.3 بالمائة ممن يعارضون ذلك، أما المحايدون فمثلوا الغالبية بنسبة 41.8 بالمائة. كما أكدت النتائج موافقة غالبية عظمى من أفراد العينة على أن الخطاب يُثير الحيرة والقلق بنسبة 80 بالمائة، وأنه يُبالغ في التحذير وإثارة الخوف بنسبة 64.3 بالمائة.
وبحسب النتائج، وافق غالبية أفراد العينة على أن الخطاب يُثير الغضب والكراهية تجاه المنظمة بنسبة 43.3 بالمائة، وأنه يستخدم صيغًا تفضيليّة لترجيح أفكار معينة، بنسبة 59.2 بالمائة، ورؤوا أنه يعرض الآراء على أنها حقائق بنسبة 61.5 بالمائة، وأنه يرتكز على غريزة القطيع بنسبة 42.2 بالمائة. وبينما وافق الغالبية على أنه يستشهد بمعلومات وأحداث واقعية بنسبة 41.2 بالمائة، وأنه يبني النتائج على مقدمات بنسبة 41.8 بالمائة، اعترض 38.3 بالمائة منهم على أنه يُقدّم أرقامًا وإحصاءات دقيقة.
وعليه، أوصت الدراسة بأهمية تعرض الجمهور إلى الخطابات الإعلامية، بما يتوافق مع احتياجاته واهتماماته وأولوياته، لاسيما في أوقات الأزمات. وشدَّدت على ضرورة استقاء المعلومات والبيانات من مصادرها الرسمية، والابتعاد عن مصادر الشائعات والأخبار الزائفة والمضللة. كما اقترحت إعداد دراسات تحليلية ترتكز على تحليل مضمون الخطاب الإعلامي لمنظمة الصحة العالمية خلال جائحة "كورونا"، لتعزيز نتائج المسح.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي