هل تستطيع روبوتات الذكاء الاصطناعي قراءة أفكارنا؟

Can a robot guess what you're thinking?
2021-02-28

نشر موقع بيج ثينك مقالًا للكاتبين ماثيو جوينفرين توماس ودجوك فيلدويس حاولا فيه التعرف على إمكانية نجاح روبوتات الذكاء الاصطناعي في التعرف على ما يفكر فيه الإنسان، وفي إطار تحليل فرضيتهما، ساقا عدَّة أمثلة من مملكة الحيوان وبخاصة القردة العليا القريبة من سلوكيات الإنسان وتصرفاته للتدليل على نظريتهما المتعلقة بقدرات الذكاء الاصطناعي.

علم النفس الشعبي

يستهل الكاتبان مقالهما بهذا التساؤل: يا صديقي فيما تفكر بحق السماء؟ يعتقد الآخرون أنهم يعرفون فيما نفكر، ويمكن لكثيرين التخمين بصورة لائقة للغاية في أيِّ شيء نفكر، وذلك ببساطة من خلال مراقبة سلوكنا لمدة قصيرة.

ونقوم بذلك تلقائيًّا تقريبًا، متَّبعين مسارات معرفية معقدة بسهولة نسبية، مثلما نفهم أن «زوي» مقتنع بأن «إيفون» يعتقد أن «كزافييه» أكل آخر ثمرة أفوكادو في الثلاجة، رغم أنه لم يفعل ذلك. أو كيف تتظاهر «ويندي» بتجاهل «فيكتوريا» لأنها تعتقد أن «أورسولا» تنوي إخبار «تيري» عن علاقتهما.

إن التفكير فيما يفكر فيه الآخرون – المعروف أيضًا باسم «التفكير العقلي» أو «نظرية العقل» أو «علم النفس الشعبي» – يتيح لنا التنقل في عوالم اجتماعية معقدة وتصور مشاعر الآخرين ورغباتهم ومعتقداتهم ودوافعهم ومعارفهم.

إنه سلوك إنساني للغاية – يمكن القول إنه أحد الأساسيات التي تجعلنا من بني البشر. لكن هل يستطيع الإنسان الآلي (الروبوت) فِعل ذلك؟ هل يمكن لجهاز الروبوت «C-3PO» أو الروبوت «HAL» أو هاتفك الذكي مشاهدة تعبيراتك وإدراك أنك أكلت آخر ثمرة أفوكادو أو أنك في علاقة غرامية؟

الذكاء الاصطناعي.. على غرار الدماغ البشري؟

تزعم دراسة حديثة خاصة بالذكاء الاصطناعي أنها طوَّرت شبكة عصبية –عبارة عن برنامج كمبيوتر مصمم على غرار الدماغ البشري وخلاياه- يمكنها اتخاذ قرارات تستند ليس فقط إلى ما تراه ولكن إلى ما يمكن لوحدة أخرى داخل الكمبيوتر أن تراه أو لا تراه.

وبعبارة أخرى، خلقوا ذكاءً اصطناعيًّا يمكنه رؤية الأشياء من منظور شخص آخر. وقد استلهموا في اختراعهم أنواعًا أخرى ربما يكون لديها نظرية ذهنية: وهي حيوان الشمبانزي.

يعيش الشمبانزي في جماعات ذات تسلسل هرمي صارم فيما يخص السلطة، مما يمنح الذكر المهيمن (ويبدو دائمًا أنه ذكر) أفضل الطعام والزوجات. لكن ليس من السهل أن يصل كلب ما أو شمبانزي إلى قمة السلطة. إذ يجب على الذكر المهيمن أن يتصرف على نحو تكتيكي للحفاظ على مركزه من خلال التدافع والصياح، وتشكيل تحالفات، واستمالة الآخرين، ومشاركة أفضل شرائح لحم قرود الكولوبوس.

ينطوي كل هذا الأسلوب السياسي على قدر معين من تبني المنظور المعرفي، بل ربما ينطوي على شكل من أشكال التفكير العقلي. وربما تستخدم قردة الشمبانزي الخاضعة لسطوة الشمبانزي المهيمن هذه القدرة لصالحها. وفي عام 2000، حصل أخصائي القردة العليا بريان هير وزملاؤه على أدلة تجريبية تشير إلى أن قردة الشمبانزي التابعة تعرف متى لا ينظر الذكر المهيمن إلى مصدر غذائي ما، ومتى يمكنها التسلل للحصول على قضمة ممتعة من طعامه.

ويشير الكاتبان إلى أن علماء الكمبيوتر في جامعة تارتو في إستونيا وجامعة هومبولت في برلين يزعمون الآن أنهم طوَّروا برنامج كمبيوتر ذكيًّا يشبه الشمبانزي ويتصرف بطريقته نفسها.

مملكة الحيوان تعج بالتنوع في مستويات الذكاء

وتضمَّنت عملية إعداد الشمبانزي التابع الماكر ساحة تحتوي على موزة واحدة واثنين من الشمبانزي. ولم يقم الشمبانزي المهيمن بشئ يُذكر غير الجلوس، وكان لدى الشمبانزي التابع شبكة عصبية تحاول تعلم اتخاذ أفضل القرارات (تناول الطعام مع تجنب التعرض للضرب من جانب الشمبانزي المهيمن). وكان الشمبانزي التابع يعرف ثلاثة أشياء فقط: مكان الشمبانزي المهيمن، ومكان الطعام، وعلى أي شيء ينصب تركيز الشمبانزي المهيمن.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشمبانزي التابع أن يرى العالم من حوله بإحدى طريقتين: الاهتمام بنفسه (أنانية) أو الاهتمام بالآخرين (غيري التركيز). كان لدى قردة الشمبانزي الذين يهتمون بغيرهم نظرة شاملة للإجراءات، ورؤية لكل شيء من على البعد، بما في ذلك أنفسهم. من ناحية أخرى، رأت قردة الشمبانزي الأنانية أو المهتمة بذواتها العالم من حولها بصورة نسبية تبعًا لموقفها.

ويلفت الكاتبان إلى أنه في أبسط عالم تجريبي – حيث يظل الشمبانزي المهيمن والطعام دائمًا في نفس المكان – يتصرف الشمبانزي التابع على النحو الأمثل، بغض النظر عما إذا كان أنانيًّا أو مهتمًا بغيره. أي إنه يأكل الطعام خِلسة وفي غفلة من الشمبانزي المهيمن ويتجنب التعرض للضرب متى أمكنه ذلك.

وعندما أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا قليلًا وظهر الطعام و/أو الشمبانزي المهيمن في أماكن عشوائية، يميل الشمبانزي المهتم بغيره إلى التصرف على النحو الأمثل، بينما كان أداء الشمبانزي الأناني دائمًا دون المستوى الأمثل – فتجده يقبع بعيدًا أو يظل جائعًا أو مصابًا بكدمات (لأنه حاول أخذ الطعام فضربه الذكر المهيمن).

لكن الطريقة التي جرى من خلالها إعداد محاكاة الذكاء الاصطناعي تعني أن الشمبانزي الأناني كان عليه معالجة معلومات أكثر بنسبة 37 في المئة من تلك التي تتعلق بالشمبانزي المهتم بغيره، وفي الوقت نفسه، كان الشمبانزي الأناني متقيدًا بموقفه المتمركز حول الذات؛ ما يعني أنه لا يرى كثيرًا عن العالم من حوله. وربما يكون الدرس المستخلص من هذه الموازنات هو أن المعرفة تجعل الحياة أسهل.

روبوتات الذكاء الاصطناعي ونظرية العقل

ويعترف علماء الكمبيوتر بأن تجربتهم الحاسوبية عبارة عن «نسخة مبسَّطة للغاية من منظور التفكير». كيف لا يستطيع الشمبانزي (الكمبيوتر)، الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي ويعالج المعلومات من عالمه الرقمي المبسَّط، الاقتراب من تملُّك الطبيعة المعقدة للشمبانزي الحقيقي الذي يتطلع إلى الموز الحقيقي في العالم الحقيقي.

ومن غير المحتمل أيضًا أن تُعمَّم قدرات الشمبانزي بالذكاء الاصطناعي إلى ما هو أبعد من سرقة الطعام إلى مواقف أخرى تتطلب اتخاذ وجهة نظر، مثل بناء التحالفات أو معرفة متى يكون الوضع آمنًا للتسلل إلى الأدغال الافتراضية للمغامرات الرومانسية.

لذا، هل يمكن لأجهزة الكمبيوتر والروبوتات ذات الذكاء الاصطناعي أن تطور يومًا ما نظرية العقل؟ الدليل يكمن في المصطلح: سيحتاجون بالتأكيد إلى عقول خاصة بهم أولًا. ولكن بعد ذلك، أي نوع من العقل؟ في جميع أنحاء المملكة الحيوانية، تطورت مجموعة متنوعة من العقول لحل مجموعة من المشاكل الاجتماعية. فالشمبانزي ذكي بطريقة سياسية وتنافسية بقوة.

وتتمتع الغربان بذكاء في قدرتها على تصميم الغصون، وحضور الجنازات لمعرفة سبب مقتل غراب من بني جنسهم، وتكوين فريق للتنمر على القطط. وفي السياق نفسه، نجد الأخابيط ذكية في مهارتها في الهروب من الجرار المغلقة وتحصين أنفسها بالمحار. بينما الكلاب ذكية في موهبتها في فهم الإيماءات الاجتماعية البشرية مثل الإشارات والتصرف اللطيف المستعد لفعل أي شيء من أجلهم. أما البشر فأذكياء في الهبوط على القمر ولكن في بعض الأحيان ينتخبون الفاشيين.

وعندما يتعلق الأمر بنظرية العقل، تشير بعض الأدلة إلى أن الشمبانزي والبونوبو وإنسان الغاب يمكن أن يخمِّنوا فيما يفكر البشر، وأن الأفيال تشعر بالتعاطف، وأن الغربان يمكنها التنبؤ بالحالات العقلية للطيور الأخرى.

هل يشابه الذكاء الاصطناعي عقول البشر؟

يخلص الكاتبان إلى أن العقول التي تطورت على نحو منفصل جدًّا عن عقولنا، في أجسام مختلفة تمامًا، لديها كثير يمكن أن تعلمنا إياه عن طبيعة الذكاء. وربما نفتقد حيلة ما بافتراض أن الذكاء الاصطناعي مع نظرية العقل يجب أن يكون شبيهًا بالبشر (أو على الأقل يشبه الرئيسيات أو القردة العليا)، كما يبدو الأمر في كثير من الأعمال حتى الآن.

ومع ذلك، فإن المطورين يصممون بالتأكيد الذكاء الاصطناعي على نمط عقول البشر. ويثير هذا سؤالًا مقلقًا: إذا وجدت عقول مصطنعة ورقمية واجتماعية يومًا ما، هل سنكون قادرين على فهمها باعتبارها عقلًا بشريًّا وهل ستكون تلك الروبوتات قادرة على فهمنا؟

يمكن تجسيم البشر (إسباغ الصفات والمشاعر والنوايا البشرية على الكيانات غير البشرية) بسهولة، ويمكن عرض مشاعرنا ونوايانا على كائنات أخرى وحتى على الروبوتات. (فقط شاهد هذه الآلات الرديئة وانظر كيف تشعر). لذلك، ربما لن تكون هذه مشكلة كبيرة من جانبنا. لكن ليس هناك ما يضمن أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على الإحساس بالشعور نفسه.

وربما لا يكون هذا سيئًا للغاية. وربما تنتهي علاقتنا مع أنظمة الذكاء الاصطناعي على نحو يعكس علاقتنا مع مخلوق آخر مشهور بأنه كائن غير اجتماعي. إننا نصرخ على القطط في بيوتنا للتوقف عن خدش الأرائك أو الأثاث عندما نوفر لها خدَّاشة قطط برائحة النعناع البري الجيد في مكان قريب، فترد علينا هذه الوحوش المحيِّرة بالمواء بكل غرور. إننا نتعامل مع القطط ونحن صاغرون ولدينا أوهام حول هيمنتنا عليها، بينما تظل هذه المخلوقات وأفكارها موضع افتتان غامض بالنسبة لنا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي