هل يمكن إيقاف اضطهاد المسلمين الإيغور بهجمات إلكترونية؟

مصدر: Could Cyberattacks Stop the Cultural Genocide in Xinjiang?
2020-10-18

عفاف محمد

التعذيب، والعمل بالسخرة، والتعقيم الإجباري، والاعتداءات الجنسية، وانتهاكات أخرى تمارسها السلطات الصينية ضد الأقلية المسلمة في معسكرات «شينجيانج» وفقًا للتقارير، ومن أجل اتخاذ إجراءات أكثر فعالية في هذا الصدد تطرح مستشارة السياسات والباحثة، ليمور سيمهوني، في مقالها المنشور ضمن مجلة «فورين بوليسي» حلَّ اللجوء للهجمات السيبرانية لتعطيل الإبادة الجماعية الثقافية الجارية هناك.

معسكرات اعتقال حديثة

تأكدت عضوية الصين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم 14  أكتوبر (تشرين الأول)، بالرغم من أن الصين حصلت على 139 صوتًا، وهو عدد منخفض مقارنةً مع آخر مرة ترشحت فيها في عام 2016 عندما حصلت على 180 صوتًا. عملت الصين في المجلس لمدة 12 عامًا من الأربعة عشر عامًا الماضية، حتى مع سجلها المروع لانتهاكات حقوق الإنسان، وتعني فترة السنوات الثلاثة الجديدة التي حازتها الآن إمكانية استمرارها بالتأثير في متابعة انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية.

على مدى العامين الماضيين، احتجزت السلطات الصينية أكثر من مليون شخص في حوالي 400 معسكر اعتقال في مختلف أنحاء إقليم شينجيانج. معظم السجناء مسلمون، وخاصة من الإيغور والكازاخ، لكنهم يضطرون للتخلي عن دينهم في تلك المعسكرات وفقًا للمقال، واعتناق أيديولوجيا الحزب الشيوعي الصيني، وتعلم التحدث بلغة الماندارين الصينية.

أنكرت الصين وجود المعسكرات كليًّا في البداية، لكنها تقرُّ بوجودها الآن على أنها معسكرات «إعادة تأهيل» موضوعة لغاية مكافحة الإرهاب. تحاول الحكومة الصينية التغطية على حقيقة الأمر، لكن الأمر جليٌّ للعالم الخارجي: المعسكرات في شينجيانج هي معسكرات اعتقال ومواقع لإبادة جماعية ثقافية.

زادت الديمقراطيات الغربية من ضغوطها على الصين – بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا – لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانج، لكن العقوبات الاقتصادية والانتقادات العلنية لم تأتِ بأيِّ نتيجةٍ حتى الآن. الصين قوية وكبيرة جدًّا وتعتمد على نفسها بدرجةٍ لا يمكن معها تقييدها من قبل الدول الأخرى على هذه الشاكلة الفردية، وترى الكاتبة أن الوقت قد حان لكي تتبنى هذه الديمقراطيات استراتيجية لها تأثير فوري، وذلك عبر تفعيل الهجمات السيبرانية السرية لجمع معلومات استخباراتية موثوقة، وتعطيل سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على المعسكرات.

معتقلٌ افتراضي كبير

تستخدم الصين نظام مراقبة الجموع عالية التقنية والذي حوَّل شينجيانج إلى قفصٍ افتراضي كبير، تتكمن السلطات بهذه التكنولوجيا من رؤية جميع التفاصيل الشخصية وجمعها وتحليلها، وتحديد من تعدهم ضارين بالدولة. صحيحٌ أن إنشاء المنطقة الذكية – كما تُسمى – يجعل الاضطهاد الحكومي أكثر فعالية عبر إحكام السيطرة التكنولوجية بالكامل، ولكنه يعرِّض الأنظمة أيضًا للهجمات السيبرانية ما يوفِّر فرصةً للبلدان ذات القدرات الهجومية المتقدمة لتعطيل عمل المعسكرات أو عرقلتها.

تنوِّه الكاتبة إلى أن الدول التي تمتلك تلك القدرات تستخدمها بالفعل وعلى نطاقٍ واسع، فالولايات المتحدة الأمريكية مثلًا وجهت هجمات سيبرانية ضد أهداف إيرانية وروسية، بما في ذلك أنظمة الصواريخ والمحطات النووية ووحدات الاستخبارات. استهدفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية، وحاولت إيران اختراق البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة وإسرائيل.

تعد روسيًا لاعبًا فاعلًا أيضًا في مجال الهجمات السيبرانية، وتذكر الكاتبة في هذا السياق الهجوم الذي استهدف البنتاجون عام 2008، والذي كان السبب وراء إنشاء الولايات المتحدة القيادة السيبرانية للولايات المتحدة، وهي واحدة من عشر قيادات عسكرية تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، وتعد من ضمن وحدات العمليات الأكثر تقدمًا في الفضاء السيبراني.

تستخدم الدول المتمكِّنة الهجمات السيبرانية سلاحًا ضد دولٍ أخرى بالفعل، ويمكن حاليًا اعتماد الهجمات السرية المنسقة سبيلًا أكثر فعالية بكثير لتعطيل الإبادة الصينية من العقوبات والنقد العلني.

يمكن تطبيق مبادئ الحرب السيبرانية لمهاجمة الأهداف المستخدمة لارتكاب جرائم ضد الإنسانية في شينجيانج، ويمكن للهجمات السيبرانية السرية والموجهة ضد تكنولوجيا معسكرات الاعتقال التمتع بمزايا عديدة. تطرح الكاتبة مثالًا الهجمات الهادفة للوصول إلى الكاميرات والبيانات والتي يمكن أن توفِّر معلومات استخباراتية موثوقة حول انتهاكات حقوق الإنسان التي تجرب في المعسكرات ذات الطبيعة السريَّة، وبعدها يمكن استخدام الأدلَّة من هذا النوع ضد مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني، بما في ذلك رفع قضية إلى محكمة العدل الدولية.

سيكشف جمع المعلومات السرية أيضًا أيَّ معلومات ممكنة حول نقاط الضعف في المعسكرات، لتمهيد الطريق لتحقيق أقصى قدرٍ من التأثير في الهجمات السيبرانية المستقبلية. يمكن للاختراقات الناجحة تعطيل أيٍّ من الجوانب التقنية المعتمد عليها في المعسكرات، فتعطيل الكاميرات المستخدمة للتجسس على السجناء مثلًا، كفيلٌ بتقليل الكفاءة التي تدار بها المعسكرات لحدٍّ كبير، وقد يخفِّف مؤقتًا من الضغط النفسي على السجناء، نظرًا إلى وقوعهم تحت المراقبة المستمرة.

قد يفيد تعطيل أجهزة الاتصال المستخدمة ما بين موظفي المعسكرات داخل المعسكرات وما بينهم والسلطات خارجها، إلى عرقلة عملياتهم عبر تعطيل تدفق المعلومات والأوامر، فضلًا عن إعاقة قدرة الحراس على منع السجناء من الهروب، وفقًا لما تورده الكاتبة. تتيح الاختراقات أيضًا إمكانية تشفير البيانات أو حذفها كليًّا دون إبقاء أي خيار لاستعادتها – ويحدث ذلك عبر تعطيل نظام النسخ الاحتياطي مسبقًا دون علم السلطات – وتستبعد الكاتبة وجود نسخ ورقيَّة لحفظ المعلومات تلك كلها، وذلك نظرًا إلى حجم البيانات الهائل في المعسكرات.

في حال حصلت هجمات سيبرانية منسقة من دول مختلفةٍ من العالم سيُعطي ذلك رسالة واضحة إلى الصين مفادها رفض المجتمع الدولي للتطهير العرقي في شينجيانج أو أيٍّ من المناطق الأخرى، مثل التبت. قد يردع ذلك أيضًا مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني من ارتكاب انتهاكات أخرى للقانون الدولي، عبر توضيح استعدادية الغرب للجوء إلى الحرب السيبرانية عند فشل الإجراءات الأخرى – وفقًا للكاتبة – ويمكن تصعيد الهجمات السيبرانية في حال إثبات فعاليتها من الناحية الاستراتيجية، وذلك عبر استهداف التكنولوجيا التي تعتمد عليها معسكرات شينجيانج المخصصة للإيقاع بالمدنيين واضطهادهم.

تحصينات الصين المتقدمة

لن يكون اختراق الأنظمة الصينية في شينجيانج أمرًا يسيرًا بالطبع، فلدى السلطات الصينية تدابير متقدمة في مجال الأمن السيبراني وتوظف خبراء وموظفين مدربين تدريبًا عاليًا لحراسة الشبكات، وإن كانت لهذه الإجراءات نقاط ضعفها الخاصة. تذكر الكاتبة مثالًا أولًا على هذه التدابير يتمثل بالتجزئة الدقيقة، وهو نظام ينبِّه المشغلين بأيِّ نشاط غير مصرح به ويمنعه. يعمل هذا النظام على نموذج عدم الثقة، وذلك عبر فصل البيانات إلى مناطق آمنة قابلة للتأمين بصورةٍ فردية؛ ما يسرِّع عملية اكتشاف الخروقات واحتوائها.

يُبطِّئ نظام التجزئة الدقيقة من أيِّ هجوم عبر تحديد الهاكر لمضيفٍ محدد أو قسم محدد يهاجمه، لكنه مكلف وغير قابل للتطوير. النظام عُرضة للخطأ البشري أيضًا، ما يجعله قابلًا للاستهداف والاختراق كذلك. تؤكد الكاتبة أنه باستخدام الموارد المناسبة، يمكن اختراق هذا النظام عن بعد، عبر تنصيب التهديدات في الجوانب الأضعف من الخدمات أو تحديثات البرامج الخبيثة.

يعتمد «جدار الحماية العظيم» الصيني على ما يُسمى بالتفتيش العميق للحزم (deep packet inspection)، والذي يمنع عمليات الاختراق من خلال تقييم البيانات المرسلة عبر نقاط تفتيش توقف الفيروسات وبروتوكولات عدم الامتثال وأيٍّ من التهديدات المحتملة الأخرى. تتطلب سياسات النظام تحديثات مستمرة التي لولاها تغدو الشبكة عرضةً للقرصنة.

يواجه نظام التفتيش صعوبة في قراءة وحظر الحزم المشفرة، التي تمكن المتسللين من الوصول إلى النظام. توضح الكاتبة إمكانية اختراق نظام التفتيش العميق للحزم عن بعد، حاله حال التجزئة الدقيقة. تتطلب تدابير الأمن السيبراني الأخرى – مثل إجراء الفجوة الهوائية الذي يعزل الحواسيب عن الشبكة – الاعتماد على موظفين للوصول المادي، إما من خلال التوظيف المباشر، وإما استغلالهم دون علمٍ منهم.

تمتلك الولايات المتحدة بعض أفضل قوى الهجوم السيبراني تقدمًا في العالم، والموارد اللازمة لتوسيعها وتحسينها، ولذا ترى الكاتبة وجوب قيادتها لجهدٍ دولي بهذا الاتجاه جنبًا إلى جنب مع الوكالات السيبرانية الغربية الأخرى، في دول مثل المملكة المتحدة وفرنسا، وكذلك ألمانيا وكندا وأستراليا مثلًا. تضيف الكاتبة أن تجميع الموارد والخبرات معًا من شأنه توفير ميزة كبيرة في مواجهة موارد الصين وقواها العاملة، التي تجعلها على الأرجح أكثر استعدادية للحرب السيبرانية من استعدادية الولايات المتحدة الآن.

تدرك بكين أهمية الفضاء السيبراني وأثره في مجال الأمن القومي، ولذلك تستثمر موارد كبيرة في تعزيز قدراتها. لا يروج قمع السلطات الصينية في شينجيانج لثقافة صين الهان وهويتهم فقط، بل تتمثل حساسية المنطقة الحيوية جدًّا ضمن سياق مبادرة الحزام والطريق الحكومية. توضح الكاتبة أن توكيد سيطرة الحكومة الكاملة على شينجيانج أمر مهم بالنسبة للرئيس شي جين بينغ، ما يعني أنَّ أي هجمات سيبرانية على المعسكرات قد تؤدي على الأرجح لردٍّ انتقامي غير عنيف من الصين.

ماذا عن ما بعد الهجمات؟

تؤكد الكاتبة أهمية إبقاء المهمات المنسقة تحت حالة السرية حتى بعد الانتهاء؛ وذلك لتجنب تصعيد الصراع من قبل الصين، ويكمن مفتاح تنفيذ ذلك عبر التعاون بين الديمقراطيات ذات القدرات السيبرانية المتقدمة. ومن ناحية التعامل السياسي، ينبغي لهذه الدول عدم تأكيد أو نفي مشاركتها في أيٍّ من تلك الهجمات. قد تشك السلطات الصينية في هوية المهاجم، لكنها لن تتمكن من إثبات ذلك. وبالتالي، من غير المرجح أن تلجأ الصين لردٍّ حربي من دون وجود عدوٍّ مثبت. تتمتع عمليات الاختراق السرية بميزة القدرة على الإنكار أيضًا؛ ما يسمح للحزب الشيوعي الصيني بتجنب الإذلال العلني الذي قد يتسبب بتصعيدٍ أكثر.

تستبعد الكاتبة لجوء الحزب الشيوعي الصيني إلى الهجمات السيبرانية الوقائية؛ لأن فعل ذلك يتطلب موارد كبيرة، ويمكن أن ينتج منه استجابة سريعة وحازمة. ومع ذلك، من الضروري تحسين كلٍّ من الدول المعنية لدفاعاتها السيبرانية قبل الانخراط في أيٍّ من الهجمات السيبرانية ضد الأنظمة الصينية في شينجيانج، والاستثمار في التقنيات المتقدمة والطواقم ومنهجيات الاستجابة المحدثة. ينبغي للدول رفع استعداديتها للدفاع عن البنية التحتية الحيوية، والأمن القومي، ووكالات الاستخبارات. ومهما يكن الأمر، يعدُّ تعزيز هذه القدرات أمرًا مصيريًّا في العموم؛ فالتقدم التكنولوجي في المجال السيبراني سيحدد جزئيًّا مستقبل الحرب، وفقًا للكاتبة.

لا سبيل إلى إنكار الأدلة على انتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانج: التعذيب، والعمل بالسخرة، والتعقيم الإجباري، والاعتداء الجنسي، وفصل الأطفال عن والديهم ليست سوى أمثلة قليلة. تذكِّر الكاتبة بمعسكرات الموت النازية، إذ استغرق الأمر خمس سنوات وملايين القتلى قبل أن تغلقها قوات الحلفاء وتحرر ما تبقى منها بالقدرات التكتيكية المحدودة المتوفرة آنذاك. تتمتع الديمقراطيات الآن بالقدرة على إحداث أثرٍ ضد معسكرات الاعتقال الصينية في شينجيانج بوسائل غير عنيفة ومن مسافة بعيدة، وهي ميزة كبيرة قد تثبت فعاليتها الكبيرة ضد الإبادة الجماعية الثقافية أكثر وأسرع بكثير من العقوبات والنقد العلني.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي