فورين أفيرز: عصر الهيمنة الأمريكية انتهى.. والعالم أصبح بلا قيادة موحدة

جيمس جولدجير و بروسي جنتلسون | فورين أفيرز
2020-09-29

 

غالبا ما يتم اعتبار قيادة الولايات المتحدة للعالم أمرا مفروغا منه، على الأقل في واشنطن، حيث لعبت الدولة هذا الدور لأكثر من 7 عقود بعد الحرب العالمية الثانية، ولا يريد معظم الأمريكيين أن تتولى الصين ذلك الدور.

لذلك سيكون من السهل الاعتقاد أنه إذا صوت الشعب الأمريكي للإطاحة بـ"دونالد ترامب" خارج منصبه وجلب "جو بايدن" الملتزم بالنظام الدولي، يمكن للولايات المتحدة أن تعود إلى "رأس الطاولة"، كما زعم مقال "بايدن" الأخير حول الشؤون الخارجية، لكن في الحقيقة القيادة العالمية ليست استحقاقا أمريكيا خالصا.

موضوع يهمك : اجتماعات إسطنبول.. هل تكون تفاهمات حماس وفتح مختلفة هذه المرة؟

وفي حين أن معظم حلفاء واشنطن (مع استثناءات بسيطة مثل إسرائيل والسعودية) يميلون إلى وجود أي شخص بخلاف "ترامب"، فإن استعادة الدور الأمريكي في العالم سيتطلب أكثر بكثير من مجرد إعلان عودة الولايات المتحدة إلى كتاب قواعد اللعبة الذي يسبق "ترامب".

ويجب أن تتعامل البلاد مع التحولات الأساسية في موقعها العالمي. ومن منظور تاريخي، انتقلت البلاد من كونها وحدها على القمة، لتصبح الآن مجرد دولة وسط العالم، ويتطلب الانتقال بعض التعديلات.

نموذج سيئ

وكانت الدولة التي نصبت نفسها "أعظم ديمقراطية في العالم" سيئة السلوك منذ أواخر التسعينات، وقد دخلت حربا مثيرة للجدل في العراق، وتسببت في أزمة مالية أحدثت موجات من الصدمة حول العالم.

وفي عام 2008، انتخبت البلاد "سيناتور أسود" يتمتع بشعبية عالمية، ثم ذهبت إلى اتجاه مختلف تماما بعد 8 أعوام عبر انتخاب شخص عنصري يلوم حلفاء أمريكا على العلل التي تعاني منها البلاد.

وإذا فكرنا في السياسة كما نفعل مع العملات النقدية، بحيث نقيس الاستقرار من خلال التقلبات داخل منطقة التوازن، فما الذي يضمن لحلفاء الولايات المتحدة إن تظل السياسة الأمريكية ضمن منطقة التوازن السياسي حتى لو خسر "ترامب" انتخابات 2020؟

بدلا من ذلك، سيتعين على الحلفاء المقربين التحوط في رهاناتهم، في حال تحول الولايات المتحدة مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية التالية أو حتى بعد منتصف المدة عام 2022.

ولم تقدم السياسة المحلية في الولايات المتحدة نموذجا يحتذى به في الحكم الفعال. وتحتل البلاد المرتبة 27 من بين 31 دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من حيث العدالة الاجتماعية، ما يعكس السياسات التي تعود إلى ما هو أبعد من "ترامب".

وظلت المساواة الاقتصادية تتراجع منذ أكثر من 40 عاما. وتشوه العنصرية المنهجية صورة البلاد في الخارج خاصة فيما يتعلق بالديمقراطية والعدالة وسيادة القانون.

ولم تكن أي دولة مثالية فيما يتعلق بـ"كوفيد-19"، ولكن لا يوجد مكان آخر تتقاتل فيه الحكومة داخليا، وحيث يتباهى المتظاهرون بإغلاق المجالس التشريعية بالأسلحة النارية.

أما مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في البلاد، التي كانت تعتبر في وقت من الأوقات المعيار الذهبي لاكتشاف الأمراض ومكافحتها على الصعيد العالمي، فقد تم إهمالها وإضعافها.

وبحلول منتصف يوليو/تموز، مات عدد من الأمريكيين بسبب جائحة "كورونا" أكثر من الذين ماتوا في حروب فيتنام والخليج وأفغانستان والعراق مجتمعة.

وبحلول أواخر سبتمبر/أيلول، زادت وفيات "كوفيد-19" في الولايات المتحدة بنسبة 43%، وبالرغم من الانكماش الاقتصادي المستمر، لا تزال البلاد تكافح لتجاوز المؤامرات السياسية.

فلماذا قد يعتقد أي شخص في العالم أن الولايات المتحدة يمكن أن توفر قيادة عالمية جادة؟

 موضوع يهمك : معاناة الفلسطينيين في القدس بين الاحتلال وأوامر الإخلاء

ولنفكر في الأمر، إذا كان 17% فقط من الأمريكيين يثقون بالحكومة، فلماذا يثق الآخرون بالولايات المتحدة؟ 

ليست منعزلة ولا على القمة ولكن في الوسط

وخلال معظم القرن ونصف القرن الأولى من عمرها، استغلت الولايات المتحدة المسافة الجغرافية التي تفصلها عن أوروبا وآسيا للبقاء بشكل عام بعيدة عن العالم.

 

ولم تعزل الدولة نفسها بشكل صارم، لكنها اختارت بشكل انتقائي متى وأين تنخرط. وبعد عام 1945، جلست الولايات المتحدة على قمة العالم، باعتبارها القوة المهيمنة من الناحية العسكرية والاقتصادية والأيديولوجية والدبلوماسية، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.

واليوم تجد الولايات المتحدة نفسها ليست منفصلة عن العالم أو على القمة، بل وسط العالم، تتغير وتتشكل من خلال الأحداث العالمية.

ولم يعد عالم اليوم عالما يمكن فيه لأي دولة، سواء كانت الولايات المتحدة أو الصين، أن تجلس فوق الآخرين. وجعلت التحولات في العلاقات بين الدول مثل هذه الهيمنة أقل احتمالا.

ويمكن للقوى العظمى أن تهيمن بسهولة أكبر عندما يوحد تهديد أمني واحد مجموعة من الدول، ويحل محل المصالح الأخرى التي قد تكون متباينة.

خذ على سبيل المثال، أوائل القرن الـ19، عندما ظهر تحالف أوروبا بعد الخراب الذي خلفته الحقبة النابليونية، أو الحرب الباردة، عندما كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ينظران إلى بعضهما البعض على أنهما تهديدات وجودية، وسعت الدول إلى حماية نفسها من واحدة من القوى العظمى.

ولم يشكل القرن الـ21 بعد تهديدا أمنيا مشتركا شاملا. ولم تنجح إدارة الرئيس "جورج دبليو بوش" في خلق هذا التهديد مع "الحرب العالمية على الإرهاب" بعد 11 سبتمبر/أيلول.

وأصبحت الصين أكثر عدوانية، ومن المرجح أن تظل المنافس الرئيسي للولايات المتحدة لعقود من الزمن، لكن الجهود الأمريكية لإثارة الرعب من "الصين الجديدة" كانت محدودة في جذب الدول التي ترغب في الحفاظ على العلاقات مع كلا البلدين.

وفي عالم اليوم المليء بالتهديدات والمصالح المنتشرة نسبيا، لا تشعر الكثير من الدول أن أفضل ما يخدمها علاقة حصرية إلى حد كبير مع قوة رئيسية واحدة فقط.

 

وخلال الحرب الباردة، كان حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا يخشون بصدق أن يغزوهم الاتحاد السوفييتي أو يحاول تقويض أنظمتهم السياسية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي