العلماء يحذرون: نحن على أبواب موجة ثانية متسارعة من انقراض الثدييات

2020-09-09

انقراض الثدييات قبل 126 ألف عام كان له علاقة بالآثار السلبية للإنسانية أكثر من أي عوامل مناخ (أندرو ريجان-ويكيبيديا)

تشير دراسة جديدة إلى أن ظهور البشر في الأفق يمثل تهديدا وجوديا للحيوانات "البريئة" أكثر من الاضطرابات البيئية الهائلة الناجمة عن تغير المناخ السابق حتى الآن.

وفي الرابع من سبتمبر/أيلول الجاري، نشرت دورية "ساينس أدفانسز Science Advances" دراسة تفيد بأن انقراضات الثدييات التي تعود إلى ما قبل 126 ألف عام كان لها علاقة بالآثار السلبية للإنسانية أكثر من أي عوامل مناخية سابقة.

والأسوأ من ذلك، وفقا للتقرير الذي تناول الدراسة على موقع ساينس ألرت Science Alert، تشير الحسابات إلى أن هذا الناتج الثانوي القاتل للوجود البشري يتسارع بوتيرة لم يسبق لها مثيل في عصور ما قبل التاريخ، حيث إن نفوق أنواع الثدييات يصل إلى معدلات أسرع كلما اقتربنا من القرن 22.

محاكاة حاسوبية تتنبأ

ويوضح فريق البحث، بقيادة المؤلف الأول وعالم الأحياء الحاسوبي توبياس أندرمان من جامعة غوتنبرغ University of Gothenburg بالسويد، في ورقة بحثية جديدة أنه "استنادا إلى الاتجاهات الحالية، نتوقع في المستقبل القريب تصاعدا في المعدل بحجم غير مسبوق".

باستخدام نمذجة باييس Bayesian Modelling، وهي نوع من النمذجة الحاسوبية لقياس الاحتمالات، سعى الباحثون إلى إجراء تقييم إحصائي لما إذا كان انقراض أنواع الثدييات خلال الـ 126 ألف سنة الماضية -منذ بداية العصر الجليدي المتأخر- تُعزى على الأرجح إلى عوامل بشرية أو مناخية.

في هذا الإطار الزمني، انقرض ما لا يقل عن 351 نوعا من الثدييات، رغم أن حوالي 80 نوعا من هذه الأنواع قد انقرضت بالفعل في نصف آخر ألفية أو نحو ذلك، منذ عام 1500.

واستنادا إلى الحسابات الجديدة، يقول الفريق إن معدلات الانقراض الحالية اليوم أعلى بحوالي 1700 مرة مما كانت عليه بداية العصر الجليدي المتأخر.

وفي ظل المعدل الجديد الذي نراه اليوم، يقول الباحثون إنه يمكننا توقع رؤية الرقم المعروف المتمثل في 351 حالة انقراض منذ ذلك الحين تتكرر في 810 سنة فقط – بينما استغرق الأمر 126 ألف سنة في المرة الأولى.

معدلات الانقراض الحالية اليوم أعلى بحوالي 1700 مرة مما كانت عليه بداية العصر الجليدي المتأخر (فليكرز-ويكيبيديا)

البشر ولا غيرهم

وإذا نظرنا إلى الوراء طوال ذلك الوقت، فإن البيانات تشير إلى أن السبب الافتراضي الأكبر للانقراضات الماضية هو النوع البشري، حيث ترتبط الكثافة السكانية البشرية بأنماط انقراض الثدييات بدقة 96%، في حين يفسر شغل الأراضي البشرية بالانقراض بدقة تصل 97.1%.

وكتب المؤلفون "من ناحية أخرى، تؤدي تنبؤات المناخ إلى قيم دقة منخفضة للغاية، مثل درجة الحرارة العالمية بدقة 63.6%. ومعدل تغير درجة الحرارة بدقة 60.2%".

وفي الواقع -كما يقول المؤلفون- تعتبر أسباب الانقراض أكثر تعقيدا ولا يُتوقع أن تعتمد بشكل كامل على متغير واحد. ومع ذلك، "تظهر نتائجنا أن النمو السكاني والعمليات المرتبطة به كان لها تأثير قوي على انقراض الثدييات، في حين أن الأنماط المناخية العالمية لا تترك أي أثر يمكن اكتشافه إحصائيًا في سجل الانقراض".

ويقر الفريق بأن محاولة تكثيف الظواهر البيولوجية المعقدة، مثل الانقراضات وصولا إلى عامل واحد واضح، هي لون من التبسيط المفرط، إلا أنهم استنتجوا مع ذلك أن التأثير البشري له قوة تنبؤية كبيرة عند محاولة عزو السببية.

ويعتقد الباحثون أنه يمكن مشاركة عدد من العوامل البشرية، بما في ذلك ضغط الصيد المكثف، واستخدام الأراضي، وتعديلات النظام البيئي، وغيرها من "التأثيرات المتتالية للإنسان على العالم الطبيعي".

أسباب الانقراض أكثر تعقيدا ولا يُتوقع أن تعتمد بشكل كامل على متغير واحد (آرون لوجان-ويكيبيديا)

قلق يبدأ الآن

الأمر الأكثر إثارة للقلق عندما وضع الباحثون نموذجا لما قد يبدو عليه المستقبل: توقع انقراض ما يصل إلى 558 نوعا جديدا من الأنواع بحلول نهاية هذا القرن، وعند هذه النقطة يمكن أن يكون معدل الانقراض أسرع بما يصل إلى 30 ألف مرة مما كان عليه بداية العصر الجليدي المتأخر.

وكتب الباحثون "بحلول عام 2100، نتوقع أن تكون جميع مناطق العالم قد دخلت موجة ثانية من الانقراضات" مشيرين إلى أنه في بعض أجزاء العالم، أصبح الانتقال واضحا بالفعل.

وقالوا أيضا "وجدنا أن أستراليا ومنطقة البحر الكاريبي على وجه الخصوص قد دخلت بالفعل اليوم في موجة الانقراض الثانية بناء على حالات الانقراض التي حدثت خلال العقود الماضية".

وهذا يوضح -يقول الباحثون- أنه رغم أن معدلاتنا المتوقعة في المستقبل وما يرتبط بها من خسائر في التنوع البيولوجي مرتفعة بشكل صادم، فإنها تقع في نطاق واقعي "حيث يمكننا بالفعل رؤية هذه السيناريوهات المستقبلية تتجلى في أجزاء من العالم".

ونظرًا للطبيعة المجردة للغاية لهذه المحاكاة، لا يمكن توقع أن تتحقق كل هذه التنبؤات. هذه، بعد كل شيء، مجرد تقديرات تستند إلى حسابات رياضية.

معدل الانقراض المستقبلي أسرع 30 ألف مرة مما كان عليه بداية العصر الجليدي المتأخر (جي نيلسن-ويكيبيديا)

لكن مهما كان، فإن هذه الأرقام المروعة عبارة عن كرة بلورية، يجب ألا نتأخر في التصرف بناء على ما يمكننا رؤيته بداخلها -كما يقول الباحثون- لمنع هذا الواقع من الظهور بشكل أكبر.

يعود أندرمان فيقول "يمكننا إنقاذ مئات الأنواع من الانقراض من خلال إستراتيجيات حماية أكثر استهدافًا وفعالية. ولكن من أجل تحقيق ذلك، نحتاج إلى زيادة وعينا الجماعي بشأن التصعيد الذي يلوح في الأفق لأزمة التنوع البيولوجي، واتخاذ إجراءات لمكافحة هذه الحالة الطارئة العالمية. فالوقت ملح".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي