أعمال حفظ السلام مهددة.. هكذا يبدو الوضع الأمني في مالي بعد الانقلاب

مصدر: The military has ousted Mali’s president. That raises questions about the country’s ongoing security challenges.
2020-08-29

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرًا لمجموعة من الباحثين، حول التداعيات الأمنية في مالي عقب الإطاحة بالرئيس وتأثيرها على عمل قوات بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وفي مستهل المقال ذكر الباحثون أنه في 18 أغسطس (آب) الجاري أجبرت مجموعة من ضباط الجيش الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا على الاستقالة. ومن بين عدَّة مخاوف أخرى، أعرب الضباط عن استيائهم من طريقة تعامل الحكومة مع العنف العرقي السائد في البلاد.

وأوضح الباحثون أنه في الوقت الذي يستعرض فيه ضباط الانقلاب والقادة الإقليميون كيفية عودة مالي إلى الحكم المدني، تشير أبحاثهم إلى مآلات غير مقصودة لهذا الانقلاب منها على سبيل المثال: هل ستكون عمليات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي (مينوسما) قادرة على مواصلة جهودها لمنع المزيد من التدهور في الوضع الأمني في البلاد؟

ما المهام التي تضطلع بها الأمم المتحدة إذًا في مالي؟

جدير بالذكر أن بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة الموفدة إلى مالي عام 2013 كانت جزءًا من الجهود الدولية لاستعادة النظام في المناطق التي عصف بها الصراع في البلاد. وكانت الأهداف الرئيسة لهذه البعثة هي دعم اتفاق السلام الذي جرى التفاوض بشأنه عام 2015، وحماية المدنيين من عمليات العنف التي تقودها الجماعات المسلحة. كما كانت حكومة مالي في عهد كيتا شريكًا مهمًا للأمم المتحدة في جهود تحقيق الاستقرار في البلاد.

وأضاف الباحثون أنه بخلاف عمليات حفظ السلام السابقة في مناطق أخرى، أصبحت قوات حفظ السلام في مالي أكثر انخراطًا في المجتمعات المحلية. ويأمل المسؤولون أن تُزِيد تلك الجهود من ثقة السكان المحليين في البعثة وأفرادها ـ ومن ثَم عدم التشجيع على التعاون مع الجماعات المسلحة.

على سبيل المثال أطلقت (مينوسما) مشاريع سريعة الأثر في جميع أنحاء مالي لتوفير السلع الغذائية والخدمات الأساسية التي لا تستطيع الحكومة أو مقدمو الإغاثة الدولية تقديمها باستمرار بسبب مخاوف تتعلق بالأوضاع الأمنية. وبسبب تفاقم العنف في البلاد، رافقت المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة دوريات القوات للوصول إلى السكان المُعرَّضين للخطر في البيئات غير الآمنة.

هل يؤثر الانقلاب على جهود حفظ السلام في مالي؟

ولفت الباحثون إلى أن بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي، شأنها في ذلك شأن جميع عمليات حفظ السلام، موجودة في البلاد بناءً على طلبٍ من الحكومة المعترف بها رسميًّا. وتكمن قوة بعثات حفظ السلام في قدرتها على عدم التحيز ـ مما يعني أن استياء الشعب المتزايد تجاه كيتا كان يُمثِّل تحديًا للدعم العام لبعثة قوات حفظ السلام.

واحتشد عشرات الآلاف من المحتجين في الشوارع هذا الصيف احتجاجًا على إخفاق الرئيس كيتا في التصدي لفيروس كورونا المستجد والادعاءات المتعلقة بالفساد، فضلًا عن تزايد أعمال العنف التي يقوم بها المتمردون في شمال البلاد ووسطها. ومن ناحية أخرى، قد يتيح الانقلاب للأمم المتحدة فرصة العمل مع حكومة أكثر شعبية؛ إذ يبدو أن الشعب في مالي يؤيد الانقلاب وعزل كيتا بشدة، بحسب ما ذكره الباحثون.

وعلى صعيد آخر يبدو أن التحدي المباشر الذي تواجهه مالي وجهود حفظ السلام يتمثل في أن الأمم المتحدة وغيرها في المجتمع الدولي تدين الانقلاب وقادته. وطالبت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وهو تحالف إقليمي قوي، بإعادة الرئيس كيتا إلى منصبه على الفور. وبالنظر إلى هذا الاعتراض، لن يتضح كيف ستتعامل حكومة مالي الجديدة مع بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

عمليات حفظ السلام في مالي مهمة خطيرة

أشار الباحثون إلى أن نظام كيتا فشل في احتواء انتشار العنف ضد المدنيين؛ حيث اقتربت الجماعات المسلحة من المراكز السكانية الكبيرة في وسط مالي وجنوبها. وفي عام 2019، وقعت اشتباكات طائفية بين مجتمعات الفولاني ودوغون، وأعمال عنف تورطت فيها الجماعات المسلحة المتطرفة مثل تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، و«تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» في صحراء المغرب الكبرى، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين؛ مما أودى بحياة ما لا يقل عن 500 مدني.

وأفاد الباحثون أن البحث الذي قدَّموه يحلل جهود دوريات حفظ السلام للعمل مع الجيش المالي للحد من العنف ضد المدنيين. وأشار باحثون آخرون إلى حقيقة أن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تأتي من عديد من البلدان، بما في ذلك دول في غرب أفريقيا؛ مما سمح لقوات حفظ السلام بالعمل على نحو وثيق مع المدنيين. ونتيجةً لذلك حققت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بعض النجاح في احتواء الاشتباكات بين الطوائف.

بيد أن بعثة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تمتلك موارد محدودة لمواجهة هذا العنف، وخاصة مع تزايد عدد القتلى في صفوف قوات حفظ السلام. وذلك بالإضافة إلى قلة عدد الدول المستعدة للمساهمة بقواتٍ من قواتها بسبب المخاطر السياسية لوقوع ضحايا في عمليات حفظ السلام.

ومع ذلك، فإن الجيش المالي أبعد من أن يكون شريكًا مثاليًّا لقوات حفظ السلام، وكثيرًا ما يرتكب الجنود انتهاكات حقوق الإنسان وينهبون القرى ويلحقون الضرر بالمدنيين. ويضم الجيش ما يقرب من 12 ألف جندي عامل وليس هناك جنود احتياط، كما أن هناك حالات شائعة للهروب من الخدمة. ويغادر الجنود أحيانًا معسكرات بأكملها بسبب نقص الأسلحة والذخيرة إذا سمعوا أن هناك تهديدًا بوقوع هجمات وشيكة.

إن ممارسات الأمم المتحدة نفسها تشير إلى نتيجة أخرى للانقلاب، ومن غير المُرجَّح أن تعمل الأمم المتحدة على نحو وثيق مع المجلس العسكري ـ وتاريخيًّا، لا تشترك الأمم المتحدة في أي عمل مع الجيوش التي لا تحترم حقوق الإنسان.

ماذا بعد؟

وتساءل الباحثون: ما نوع التعاون الذي تسعى الحكومة الانتقالية الجديدة لتحقيقه مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة؟ ربما لا تستطيع الحكومة الجديدة حماية سكان مالي في حالة عدم وجود قوات حفظ السلام، وقد تتعرض لخطر الإطاحة بها من قِبل الجماعات المسلحة. ومع ذلك تحتاج الحكومة في مالي إلى علاقات جيدة مع المجتمع الدوليّ لإقناع مجلس الأمن بتمديد فترة انتشار بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام لتحقيق الاستقرار في مالي إلى ما بعد عام 2021.

وخلُص الباحثون في نهاية المقال إلى ضرورة استمرار عمليات حفظ السلام في مالي كالمعتاد في الوقت الراهن، لافتين إلى تزايد انتشار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مناطق النزاع القائم. وقد عزا البحث إخفاقات عمليات حفظ السلام الأفريقية الأخيرة إلى نقص الدعم الحكومي المحلي، وأنه دون التعاون مع أيّ شخص يصل إلى سدة الحكم في مالي بعد ذلك، فقد تتضرر جهود حفظ السلام وحماية المدنيين.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي