المدينة المنورة.. محطات تطور أول عاصمة في الإسلام

2020-07-27

إمام رمضان

تحفر المدينة المنورة لذاتها مكانة مقدسة داخل قلوب الملايين من المسلمين حول العالم، فبخلاف كونها أول عاصمة في تاريخ الإسلام، فهي ثاني أقدس الأماكن لدى المسلمين بعد مكة المكرمة، تحتضن المدينة أول مسجد بناه النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أن بها قبره الشريف، وتستحوذ المدينة على زخم السكان والمسافرين، نتعرف معا في جولتنا اليوم - ضمن حملة "لمتنا سعودية" التي أطلقتها مجلتا الرجل وسيدتي احتفالا باليوم الوطني ال90_ على تاريخ المدينة المنورة منذ البداية وكيف تأثرت على مر العصور، من خلال السطور الآتية:

المدينة المنورة .. تاريخ يثرب

تأسست مدينة «يثرب» -هكذا عُرفت المدينة المنورة قديمًا-، قبل 1600 سنة قبل الهجرة النبوية، وبعد تأسيسها اجتذبت العديد من السكان، حيث سكنها في البداية العماليق، ومن ثم قبائل المعينيين الذين ينحدرون إلى اليمن، فيما سكنها أيضًا اليهود الذين تمكنوا من الوصول إليها في القرن الثاني الميلادي، وبعد انهيار سد مأرب انتقلت إليها عدة قبائل عربية أبرزها: قبيلتا الأوس والخرزج.

استقرت تلك القبائل مع اليهود فترة، وتحالف الطرفان، واتفقوا على التعاون من أجل حماية مدينة يثرب وقتها من الغزو الخارجي، وكان لديهم قدر من الالتزام مدة من الزمن مع بعضهما، مما مكن الأوس والخزرج من التنامي في العدد والثروات المحققة، لكنهما سرعان ما انقلبا على بعضهما البعض بعد سنوات من استقرارهم في يثرب، وكان ذلك بسبب الإيقاع بينهم من قِبل اليهود؛ للتخوف من تنامي سلطاتهما ونفوذهما في المدينة، وذلك بحسب مؤرخين لتاريخ المدينة.

ظهر الإسلام في مكة المكرمة بالقرن السابع الميلادي، وغضب قادة قريش وقتها بسبب دعوة النبي العامة للدخول في الدين الجديد، وكانت تلك القبيلة تقطن في مكة، حيث تفننوا في إعداد الأساليب كافة التي من شأنها إحباط عمله ودعوته للدين الجديد، مما اضطره  - صلى الله عليه وسلم- للهجرة إلى مدينة يثرب عقب اتفاقه مع وفد من الأوس والخزرج، الذي التقاه في موسم الحج وآمن بالنبي وبالإسلام.

عقب هجرة النبي محمد إلى مدينة يثرب، كانت انطلاقته لجميع الغزوات التى قام بها صلى الله عليه وسلم  من هناك،  ووقتها تعرضت يثرب للحصار في غزوة الخندق الشهيرة، وكان يحرص النبي على إرسال رسله وكتبه من يثرب للممالك والأمصار، علاوة على استقباله الوفود فيها، وظلت المدينة لديها نفس المكانة في عهد سيدنا أبي بكر ومن بعده أيضًا، ووُصفت المدينة المنورة بعاصمة دولة الخلافة الراشدة، وذلك حتى أسس معاوية بن أبي سفيان الدولة الأموية واتخذ من دمشق عاصمة لها.

المدينة المنورة .. نقطة تحول

ظلت العناية والتحديثات التى تشهدها المدينة المنورة على مر العصور، بعد توالي الخلفاء الذين تسلموا مقاليد الأمور بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى العصر الحديث، فكانت ولا تزال للمدينة مكانة عظيمة لدى المسلمين، وبدأت تتغير أساليب البناء القديمة وإحلالها بأساليب جديدة تُضاهي العمران الذي يحدث في باقي أنحاء المملكة، فكانت نقطة تحول في المدينة للحداثة بجانب الحفاظ على طابعها الديني.

ومنيت المدينة بالعديد من التحديثات، وأبرزها التوسعات المتتالية التى تمت في المسجد النبوي الشريف، مرورًا بإنشاء العديد من الحدائق العامة وأماكن الترفيه للمواطنين وأبرزها حديقة الملك فهد المركزية، وحديقة الشهداء، وحديقة الزهور وحديقة الأمير محمد بن عبدالعزيز، والعديد من دور الملاهي للأطفال والكبار، هذا وصولًا إلى العديد من الأسواق التى ما زالت راسخة مثل أسواق سلطانة وقباء وقربان، بخلاف المولات الحديثة التي تم استحداثها مثل مول الراشد، والحسن مول ومجمع النور أيضًا.

تحتضن الآن المدينة المنورة العديد من المقاهي وأبرزها مقاهي المناخة، هذا بخلاف العديد من الفنادق، وأبرزها فندق المدينة شيراتون ودار التقوى إنتركونتيننتال، ودار الهجرة والعديد من الفنادق العالمية، ويمكن لزوارها المزج بين تأدية العبادات في المساجد التى تشتهر بها المدينة، وأيضًا التنزه في العديد من الأماكن الترفيهية التي تكفلها المدينة.

المدينة المنورة.. تطور تعليمي وترفيهي

المطارات الحديثة باتت سمة المدينة المنورة، وفي العام 1971 تم افتتاح مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي، ليكون بذلك المطار الرئيس الذي يخدم المدينة المنورة، ويعد أحد المنافذ الرئيسة لوصول ومغادرة الحجاج والمعتمرين من خارج البلاد، وظل منذ إنشائه مطارًا داخليًّا حيث اقتصرت به الرحلات الدولية في موسم الحج فقط، ولكن في العام 2006 تحول إلى مطار دولي بسبب الزيادة الكبيرة التي شهدتها الرحلات في مواسم الحج والعمرة.

الطرق السريعة كان لها حيز كبير من العمران الحديث الذي شهدته المدينة المنورة، حيث تمتلك الآن المدينة شبكة من الطرق السريعة التي تربطها بمدن ومناطق المملكة، وأبرزها طريق المدينة المنورة مكة السريع، وباقي الطرق التي تربط المدينة المنورة بمناطق القصيم، تبوك، وينبع أيضًا، فيما كان للقطارات السريعة نصيب أيضًا من التطوير في المدينة.

وفي القديم تحديدًا في العام 1900 بدأ العمل في خط سكك حديدية ببلاد الشام، وتم افتتاحه في العام 1908، وهو خط كان يربط المدينة المنورة بخطوط سكك حديدية في منطقة بلاد الشام، وذلك عن طريق خط سكة حديد الحجاز، وكان هذا الخط يربط ما بين مدينة دمشق والمدينة المنورة، ولكنه تعرض للتخريب في الحرب العالمية الأولى.

قطار الحرمين السريع هو ما يقوم بربط المدينة المنورة بمكة المكرمة حديثًا، وهو عبارة عن مشروع خط سكة حديدية كهربائي سريع يربط بين منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويمر بمحافظتي جدة ورابغ، ويبلغ طوله 450 كيلومترًا، وهناك محطتان للقطار في مكة، ومحطتان في جدة بمطار الملك عبدالعزيز الدولي ووسط المدينة، والمحطة الخامسة في المدينة المنورة.

تشهد المدينة المنورة تنظيم العديد من المهرجانات والأحداث الترفيهية والثقافية والرياضية أيضًا، وأبرزها مهرجان صيف طيبة، والذي تنظمة مؤسسة دار التنظيم لتنظيم المعارض والمهرجانات السعودية، وتعقده بشكل سنوي بكل صيف، ويشتمل المهرجان على العديد من الفعاليات والسباقات والبرامج المختلفة مثل صيد الأسماك وقرية للألعاب المائية وأخرى للهوائية ومسابقات رالي للأطفال، هذا بخلاف النوادي الثقافية التي تحتضن المزيد من الفعاليات الشعبية والتراثية والثقافية، ومسابقات الإبل والخيول.

كان للتعليم نصيب كبير من التطوير والنقلة النوعية التي شهدتها المدينة المنورة، حيث كان الطلاب قديمًا يتلقون التعليم في الزوايا والكتاتيب المنتشرة في أنحاء المدينة، ولكن مع مرور الوقت اندثرت تلك الطرق لتعليم الطلاب، وحلت مكانها المدارس والجامعات والمراكز التعليمية المطورة، حيث باتت المدينة تضم أكثر من 300 مدرسة بتنوع مراحلها الدراسية.

المدينة المنورة.. منصة استثمارية

وبحسب البيانات الحديثة، فإن المدينة المنورة تقترب من أن تكون المنصة الأكثر جذبًا للأموال الاستثمارية في السنوات المقبلة، وذلك في حين تسعى المنطقة لإعادة بلورة البيئة الاستثمارية وجعلها تندفع نحو الأمام بطريقة مختلفة، ويظهر ذلك في الرؤية الحديثة للأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة من أجل تنفيذها واقعيًّا.

منصة بالغة الأهمية على أرض الاستثمار في السعودية، هذا ما وصفت به المدينة المنورة مؤخرًا، لتظهر بذلك قيمتها الاقتصادية حديثًا، حيث تحولت المدينة إلى مكان يجمع بين عوامل تقدم بيئة استثمارية للجميع، وذلك بالتعاون مع الغرف التجارية والوزارات والجهات المعنية في هذا الشأن، ويأتي ذلك تكليلًا للجهود التي تتم في المدينة.

واتخذت إمارة منطقة المدينة المنورة العديد من الخطوات والجهود الحثيثة من أجل تحسين بيئتها الاستثماررية عند الوزارات والغرف التجارية في البلاد، ونجحت في التوسع نحو خطوات أكبر بعد أن قدمت المنطقة دعوة للبنك الدولي لزيارتها ودراسة مناخ الاستثمار بها، وذلك في خطوة تمثل نقلة نوعية لم تكن متوقعة من المدينة، مما يدلل على النقلة في بيئة الاستثمار بالمدينة.

المدينة المنورة .. معالم تاريخية

المسجد النبوي: يعتبر المعلم الرئيس والتاريخي للمدينة، حيث يقع في مركزها بالتحديد، بناه النبي صلى الله عليه وسلم، ويضم العديد من المعالم الرئيسة وأبرزها الروضة والقبة الخضراء، ويحرص الملايين من الذين يزورون مكة المكرمة لأداء الحج والعمرة على زيارة مسجد النبي في المدينة المنورة، فهو أحد 3 مساجد تشد إليها الرحال، ويُعد ثاني أقدس الأماكن بعد المسجد الحرام.

مسجد قباء: يعتبر مسجد قباء واحدًا من أبرز مساجد المدينة بعد المسجد النبوي، فهو أول مسجد بني في الإسلام، بمنطقة جنوب غرب المدينة المنورة، حيث يبعد تحديدًا عن المسجد النبوي قرابة الـ 5 كيلومترات.

مسجد القبلتين: يعد واحدًا من أهم المعالم الدينية والتاريخية للمدينة، حيث سمي بهذا الاسم لكونه المسجد الوحيد الذي صلى فيه المسلمون صلاة واحدة إلى قبلتين مختلفنتين «المسجد الأقصى والكعبة».

مسجد الفتح: يعتبر أكبر المساجد في المدينة المنورة، حيث بُني فوق رابية في منطقة السفح الغربي لجبل سلع، وتم إطلاق تلك التسمية عليه بسبب كونه خلال غزوة الأحزاب كان مصلى للنبي وصحابته.

مسجد علي بن أبي طالب: واحد من المساجد السبعة الشهيرة في المدينة المنورة، وفي غزوة الأحزاب تمكن سيدنا علي بن أبي طالب من قتل عمرو بن ود، قائد فرسان قريش الذي تمكن من اجتياز الخندق، وقتله في نفس المكان الذي بُني فيه المسجد.

مقبرة البقيع: تُعد تلك المقبرة التي ظلت رئيسة منذ العهد النبوي، حيث إنها واحدة من أقرب الأماكن التاريخية للمسجد النبوي، بمساحة بالغة أكثر من 180 ألف متر مربع، وتحتضن تلك المقبرة رفات الآلاف من أهل المدينة، ومن توفي فيها من المجاورين وأيضًا كان للزائرين نصيب منها، ولعل المكانة التي اكتسبتها تلك المقابر هي بسبب وجود رفات للصحابة، فدفن بها أكثر من عشرة آلاف صحابي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي