ما أسباب التصعيد العسكري التركي في العراق.. وما تأثيره على موازين القوة الإقليمية؟

2020-06-18

تواصل تركيا حملتها العسكرية في شمال العراق ضد متمرّدي حزب العمال الكردستاني، ولم يصدر حتى الساعة أي رد فعل من سلطات إقليم كردستان العراق، لكن بغداد نددت بـ"انتهاك السيادة"، واستدعت السفير التركي مرتين خلال يومين للاحتجاج رسميا على هذه العمليات.

وتنظر هذا الأطراف الثلاثة إلى حزب العمال الكردستاني بوصفه عدوا أو ضيفا غير مرحب به. فبالنسبة إلى أنقرة، يعد الحزب "تنظيما إرهابيا"، كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويمثل "تهديدا إستراتيجيا" كان كلّف أموالا وضحايا كثيرين منذ عام 1984، بحسب ما يقول المحلل السياسي العراقي عادل بكوان.

وبعد استفتاء الاستقلال في كردستان العراق عام 2017، وصفت بغداد تواجد مقاتلي الحزب في الإقليم والمناطق المتنازع عليها مع أربيل -التي استعيدت في العام نفسه- بـ"إعلان حرب".

أما في أربيل، فمنذ نيل الإقليم الحكم الذاتي في عهد الرئيس الراحل صدام حسين عام 1991، فرض حزب العمال الكردستاني حضوره فيها "بسبب قوته العسكرية" التي لديها ارتباطات قوية بالأحزاب الكردية العراقية الرئيسية، وفق بكوان.

وهذا الحزب -الذي يقدم نفسه على أنه حامل القضية الكردية في الشرق الأوسط- هو في الواقع منافس لإقليم كردستان العراق، الكيان الكردي الوحيد الذي حصل على حكم ذاتي لسكانه البالغ عددهم 5 ملايين نسمة، على عكس الأكراد في سوريا وتركيا وإيران.

يقول بكوان إن "قيادة حزب العمال الكردستاني لا تعترف بالحكم الذاتي لكردستان العراق"، مشيرا إلى أن هناك "حربا طويلة الأمد بين الأكراد. فمن جهة هناك الحزب الديمقراطي الكردستاني (وزعيمه مسعود بارزاني في أربيل) والاتحاد الوطني الكردستاني (الذي أسسه الرئيس الراحل جلال طالباني) مدعومين من تركيا، وحزب العمال الكردستاني من جهة أخرى"؛ ونتيجة لذلك "لا يمكن تصور دخول القوات التركية دون تعاون فعلي من سلطات كردستان العراق".

لماذا الآن؟

وتتواجد مقار حزب العمال الكردستاني في مناطق عدة على الشريط الحدودي العراقي التركي، بدءا من بلدة زاخو ومرورا بمنطقة الزاب في قضاء العمادية بشمال دهوك، وصولا إلى شمال أربيل في مناطق برادوست وخواكورك وسفح جبل قنديل الواقع بين محافظتي أربيل والسليمانية.

وهذه ليست المرة الأولى التي تشنّ فيها تركيا هجمات ضد حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، فقد نفذت هجوماً بريا عام 2007، وآخر قبل نحو عامين تمكنت خلاله من تثبيت نقاط دائمة لها داخل الأراضي العراقية بعمق 30 كيلومترا.

وتحتفظ تركيا بأكثر من 10 مواقع عسكرية منذ عام 1995 داخل الأراضي العراقية في محافظة دهوك.

لكن اليوم، وفي سياق سياسي متوتر بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم، يعتبر العراق أحد الأسس التي يعيد فيها تأكيد القوة التركية.

ويوضح بكوان أن أنقرة "ملتزمة بشدة في سوريا وليبيا، وترغب في أن تكون كذلك في اليمن. وخطتها هي تقديم نفسها كقوة أساسية في تسوية النزاعات في الشرق الأوسط، والعراق جزء من ذلك".

وأكثر من أي وقت مضى، تميل أربيل اليوم إلى قبول أي تسوية مع تركيا، منفذها الوحيد إلى البحر لتصدير براميلها من النفط، والممول السخي الذي أقرضها 5 مليارات دولار لدفع رواتب الموظفين عام 2014.

ولم تدفع سلطات إقليم كردستان العراق من أشهر عدة حتى اليوم رواتب موظفيها، تزامنا مع توقف مفاوضاتها مع بغداد.

ما الذي سيتغيّر؟

على الصعيد الدبلوماسي، لا شيء كبيرا قد يحدث، لكن بالتأكيد ستصبح موازين القوة الإقليمية محل تفاوض.

ويشير المحلل السياسي الكردي العراقي هوشيار مالو إلى أن "تركيا تخالف القانون الدولي في مقابل موقف خجول من الحكومة العراقية" إزاء الضربات الجوية الأولى، والذي لم يمنع عملية بريّة.

واستدعت بغداد الثلاثاء السفير التركي لديها وسلّمته رسالة احتجاج رسمية، كما استدعته مجددا، الخميس 18يونيو2020، وسلّمته مُذكّرة احتجاج شديدة اللهجة، لكن هذه المرة كان وكيل الوزارة الذي التقى السفير وليس وزير الخارجية نفسه كالمعتاد.

ورد السفير التركي فاتح يالدي عبر تويتر بالقول إنه أبلغ العراقيين أن أنقرة ستواصل تحركها ضد "الإرهاب" طالما أن بغداد لا تتدخل لطرد حزب العمال الكردستاني.

ولم يعلق وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين -وهو مقرب من مسعود البارزاني- على الموضوع حتى الآن.

وبحسب بكوان، فإن غضّ إقليم كردستان العراق النظر عن العملية التركية "يقدم نفسه شريكا على الساحة الإقليمية ويعزز وزنه"، لكنه في المقابل "يشوه سمعته كلاعب قومي وممثل سياسي للأكراد".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي