جميعنا المرضى رقم صفر.. فيروس الخوف و"تأله الإنسان" في كتاب إيطالي جديد

2020-05-04

صدر هذا الأسبوع أول كتاب في إيطاليا حول فيروس كورونا تحت عنوان "كوفيد-19.. فيروس الخوف" ووزع على أكشاك بيع الصحف في البلاد.

وقالت مجلة "بابيلون" الإيطالية إن الكتاب الجديد هو الأول من نوعه الذي يتطرق لتبعات تفشي الجائحة، ويعطي صورة دقيقة عما حدث في العالم خلال الأشهر القليلة الماضية.

وبيّن هذا الكتاب كيف استحوذ موضوع الجائحة على كل شيء، انطلاقا من "المريض رقم صفر" ومدينة ووهان التي تمثل مركز الوباء، مرورا بشهادات العاملين في القطاع الصحي الإيطاليين، وصولا إلى الآمال في إيجاد لقاح.

وتطرق المؤلفان -اختصاصي الأمراض المعدية ماسيمو أندريوني والمعالج النفسي جورجيو ناردوني- إلى تاريخ الفيروسات والأوبئة السابقة مثل إيبولا والسارس، وتحدثا عن الخفافيش والأخبار الزائفة، وحتى الجغرافيا السياسية وآمال المستقبل.

وحسب هذا الكتاب، نحن جميعا نمثل "المرضى رقم صفر" في هذه القصة، وذلك في إشارة إلى الأشخاص الذين ساهموا دون علم في نشر جنون الارتياب الخطير في القارات الخمس، وذلك بسبب السلوك غير المسؤول للقلة مقابل شجاعة الكثيرين، وأولهم الأطباء.

ويعتبر الكتاب أن الجيل الذي يخوض التجربة يعاني من فقدان القدرة على التحكم بحياته اليومية بسبب شر غير مرئي، معتبرا أن هذا الجيل يجازف أيضا بالتسبب في تقهقر العلوم إلى دور هامشي بشكل لا يمكن تفسيره، وبسبب العادات السيئة يقود الإنسان نفسه إلى التهلكة.

وهذا الأمر يهدد عن غير قصد بوضع "العام رقم صفر" من الناحية الثقافية بحسب وصف الكتاب الذي ينتقد ممارسات أتت على حساب صحة الفرد وصحة الكوكب، ويناقش الكتاب ما اعتبره الغطرسة والعجرفة لما يمكن وصفه بالإنسان "المتأله" أو "الإنسان الإله" الذي يعتقد أنه خالق الكون المادي، بيد أنه ليس سوى كائن بالغ التأثر بما يجري، بحسب تعبير المجلة الإيطالية.

عاصفة من الفوضى

ذكرت المجلة أن الكتاب يركز بشكل خاص على مدن بريشيا، وبيرغامو، وكريمونا، ولودي وميلانو وجميع المقاطعات الإيطالية المتأثرة بالفيروس، ولكنه يمثل تكريما لجميع سكان إيطاليا بشكل عام. صدر الكتاب في وقت يبدو فيه أن حالة الطوارئ بسبب فيروس كورونا آخذة في الانحسار، لكن الذعر الذي أثاره الإنذار الصحي العالمي لا يزال قائمًا، نظرا لأن عواقبه كانت وخيمة على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والصحي.

فعلى الصعيد الاجتماعي، ولّدت الهستيريا الجماعية تحيزات جديدة غير منطقية وزادت من كراهية الأجانب.

وسياسيا، تسبب الوباء في زعزعة قيادة العملاق الشيوعي (الصين) والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة والعديد من البلدان الأخرى، ناهيك عن الجدل المحتدم داخل الحكومة الإيطالية.

ونظرًا لكونه فيروسا عالميا فقد أثر أيضا على الاقتصاد، حيث ظهرت آثاره السلبية في كل قطاع، مع تداعي الأسس الهيكلية للنظام التجاري والمالي الحديث. كما تشير مختلف المعطيات إلى أن المستقبل القريب لا يبدو ورديا.

مع ذلك، لدينا بعض الأمل والتفاؤل، مثل حقيقة أن خطر الوباء قابل للاحتواء. واليوم، بفضل التضحيات التي قدمتها الدول الأكثر تضررا، مثل الصين وإيطاليا وإيران وكوريا الجنوبية، فإن حكومات جميع البلدان لديها الأدوات اللازمة لدراسة المرض واحتوائه، والتأكد من عدم انتشار مرة أخرى أو على الأقل التخفيف من حدته.

وأشارت المجلة إلى أن الكتاب سلط الضوء على المراحل والحلقات التي أدت إلى اندلاع "فوضى دولية غير متوقعة" أثرت بشدة على حياة مليارات الأشخاص حول العالم من خلال المجازفة بالهروب من هيمنة نمط حياة المجتمعات المعاصرة، التي على الرغم من أنها تعيش في العصر الأكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية، فإنها ترددت في مواجهة ما كان في نهاية المطاف عاصفة أو تأثيرا عنيفا قوّض عادات سكان العالم.

تجدر الإشارة إلى أن غلاف الكتاب هو لوحة بعنوان "الممرضة ذات القرط اللؤلؤي"، رسمتها الفنانة ليدي بي، وتبرعت بعائداتها للصليب الأحمر.

جدل إيطالي

وبالتوازي مع اندلاع الجائحة في إيطاليا التي تحولت لمركزها الأوروبي، استمر الجدل الفلسفي والفكري المحتدم في أوساط المثقفين الإيطاليين.

ويرى الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين أن الجائحة -التي تشكل أكبر تهديد للأمن البشري منذ الإنفلونزا الإسبانية قبل قرن من الزمان- تجعل إنسانيتنا المشتركة تشكل تهديدا أمنيا محتملا، فالعدو داخلنا هذه المرة وليس تهديدا خارجيا، إذ ينظر الناس لبعضهم بعضا على أنهم حاملون متوقعون للفيروس.

وكتب أغامبين مقالا بعنوان "اختراع وباء" أدان فيه "حالة الطوارئ الجنونية واللاعقلانية واليائسة بالكامل في الاستجابة لوباء فيروس كورونا المزعوم". كما ألقى باللوم على السلطات في نشر حالة من الفزع والرعب "وإعلان حالة طوارئ استثنائية تضمنت قيودًا صارمة على الحق في التنقل وتعليق سير الظروف الطبيعية للحياة والعمل".

ويرى المؤلف وأستاذ الفلسفة السياسية الإيطالي ماسيمو دي كاروليس أن إجراءات الحظر والتباعد الاجتماعي مثيرة للقلق، "فهي تحل الرابطة الاجتماعية وتفرض نظاما من العزلة وسيطرة الشرطة على جميع السكان، وهو تذكير بالتجارب الأكثر ظلمة لماضينا السياسي الحديث".

ويتابع دي كاروليس أن النقطة الحاسمة هي تبيين ما إذا كانت الإجراءات مؤقتة أم أننا نشهد بدلاً من ذلك اختبارًا عامًا لما يمكن أن يصبح حال الحياة العادية في مجتمعات المستقبل القريب.

ويبرر الأكاديمي الإيطالي شكوكه "بحقيقة أن تدمير الروابط الاجتماعية والسيطرة باسم "الصحة العامة" لم يأتيا بالتأكيد مع الفيروس المستجد، فلقرن على الأقل، تميل الآليات الاجتماعية الحديثة إلى إنشاء مجتمع قائم على العزلة، حيث يُنظر إلى عفوية الحياة الاجتماعية على أنها عقبة أو حتى تهديد لاستقرار النظام".

وعلق الفيلسوف والكاتب الإيطالي سيرجيو بنفينوتو بأن الذعر الذي أصاب بلاده كان في الأساس خيارا سياسيا، لأنه في عصر تنتج فيه الديمقراطيات العظيمة "قيادات بشعة"، فإن المنظمات الدولية -مثل منظمة الصحة العالمية- تتخذ قرارات من شأنها تصحيح نزوات الفاشية الجديدة في ديمقراطيات اليوم، بحسب مقاله المترجم من الإيطالية للمجلة الأوروبية للتحليل النفسي.

ويلاحظ الفيلسوف الإيطالي أنه في جائحة الإنفلونزا الإسبانية 1918، تصرفت السلطة السياسية بطريقة معاكسة تماما، فقد أخفت الوباء، لأنه في معظم الحالات كانت الدول المعنية في حالة حرب، وسُميت الإنفلونزا "الإسبانية" ببساطة لأنه في ذلك الوقت، وفقط في إسبانيا -التي لم تكن في حالة حرب- تحدثت وسائل الإعلام عن المرض، الذي يبدو أنه نشأ في الولايات المتحدة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي