دعوات للتبكير بدفع الزكوات.. ماذا ينتظر إندونيسيا في رمضان والعيد؟

2020-04-09

في ظل القلق والتحذيرات من احتمال استمرار صعود وتيرة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في إندونيسيا، أكبر بلد مسلم في العالم من حيث عدد السكان، تتجه الحكومة إلى فرض إجراءات مختلفة في شهر رمضان الكريم.

وأصدرت وزارة الشؤون الدينية توجيهات أو إرشادات خاصة بعبادات قبل أسبوعين من بدء الشهر الفضيل لعام 1441 هجرية. وبسبب تساؤل كثيرين عن تلك التوجيهات، سجل وزير الشؤون الدينية الجنرال المتقاعد فخر الرازي باتوبارا كلمة بثها على منصات التواصل الاجتماعي تأكيدا لذلك.

أول تلك التوجيهات، لا إقامة لصلاة التراويح في المساجد، ولا إفطارات جماعية من قبل الأفراد أو أي جهة أهلية أو حكومية، ويرتبط بذلك منع جميع أشكال الإفطارات الجماعية المتنقلة وكذلك أي نشاطات في المساجد.

ومن ذلك المحاضرات والتلاوات الجماعية للقرآن الكريم، أو المناسبات والبرامج الرمضانية الأخرى مثل مجالس العلم الخاصة برمضان، كل ذلك تفضل وزارة الشؤون الدينية ألا يعقد في المساجد وغير المساجد بشكل جماعي وتكون التراويح والتدارس للقرآن الكريم وغير ذلك من أعمال البر بشكل فردي في المنازل.

كما نبه وزير الشؤون الدينية إلى أهمية التبكير بدفع الزكوات والصدقات خلال هذه الفترة التي يحتاج فيها الكثيرون إلى دعم مالي وسط توقف نشاطات اقتصادية عديدة، منبها إلى ضرورة الالتفات لإجراءات التوزيع حتى لا يتزاحم الناس في ظل ظروف انتشار الفيروس وإمكانية انتشار العدوى.

وحسب الوزير، إذا ما استمر انتشار الفيروس، فإنه لن تكون هناك صلاة للعيد هذا العام، ولا برامج الولائم التي اعتاد الناس إقامتها خلال أيام عيد الفطر المبارك.

وكان قد سبق هذا الأمر فرض إجراءات مشددة بخصوص الزواج، حيث اقتصر الأمر على حضور عشرة أشخاص لعقد النكاح الشرعي وتسجيله رسميا دون ولائم تقام، وتمنع الشرطة والبلديات أي ولائم زواج أو غيره حاليا.

ولا يقف الأمر عند شهر رمضان، بل يتوقع ألا ينظم الحج هذا العام، فمن جانبها تستعد إندونيسيا لإمكانية ألا يحج الإندونيسيون وربما المسلمون حول العالم، تأثرا باستمرار انتشار الفيروس سواء في السعودية أو إندونيسيا ودول أخرى، وحتى لو بدأ الانحسار قبل ذلك، وهذا ما يأمله كثيرون، فإن ترتيب الاستعدادات للحج سيكون صعبا خلال وقت قصير كما تحدث بذلك الوزير الإندونيسي.

فقه النوازل والفتوى

واستدعت عاصفة كورونا نقاشات فقهية لجهات كثيرة حول العالم وفتاوى للتعامل مع إشكالات الوباء الذي لم تعايش مثله أجيال عدة حول العالم.

وفي إندونيسيا لا يقف الأمر عند المؤسسة الرسمية للفتيا، فالجهة الأعلى في هذا الشأن مجلس علماء إندونيسيا شبه الرسمي والذي تمثل فيه مؤسسات وجمعيات وشخصيات إسلامية عدة، ورئيسه الحالي هو نائب الرئيس الإندونيسي معروف أمين، وتعود خلفيته الفقهية والمؤسساتية لجمعية نهضة العلماء وهي حاليا جزء من التحالف الحاكم للرئيس جوكوي ديدودو.

ولمؤسسات أخرى مجالسها ولجانها الفقهية، ومنها الجمعية المحمدية التي تميزت منذ تأسيسها قبل أكثر من قرن (1912م) بما يعرف لديها بمجلس الترجيح والتجديد الذي يعد من أوائل مجالس الاجتهاد الجماعي تأسيسا في القرن العشرين في الأرخبيل الإندونيسي، والذي لا يلتزم مذهبا فقهيا معينا.

ويتوسع المجلس ليستلهم مختلف الآراء الفقهية وقبل ذلك التأصيل لفتياه من الكتاب والسُّنة، وهو بذلك جزء من المنظومة المؤسساتية الواسعة للجمعية المحمدية. وقد أصدر المجلس منذ بداية ظهور كورونا نحو عشرين فتوى بخصوص التعامل مع انعكاساتها وآثارها، كانت لها أهمية وسط جدل الناس وتساؤلهم عما يجب أن يفعلوه.

لا تعودوا إلى قراكم..

ومن بين تلك الفتاوى ترجيح الرأي القائل بعدم أداء صلاة التراويح في المساجد وما يرتبط بذلك من برامج وحلقات درس وقراءة للقرآن الكريم وغيره وتوجيه المسلمين للصلاة في منازلهم، وكذا الأمر بالنسبة لصلاة العيد وما يلحق بذلك من نشاطات وزيارات للأهل وولائم العيد.

وكان رئيس الجمعية المحمدية حيدر ناصر دعا سكان المدن إلى عدم العودة إلى قراهم هذا العيد كما اعتادوا السنوات الماضية رحمة بسكان القرى وحتى لا ينتشر الوباء وعملا بما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع الطاعون، منتقدا موقف الحكومة غير الحازم في هذا الشأن.

وتمتد فتاوى مجلس ترجيح المحمدية إلى صلاة الظهر في المساجد بدلا من الجمعة، وهذا الأسبوع تمر الجمعة الرابعة في بعض المساجد دون صلاة جمعة، عملا بالقاعدة الفقهية بأنه "إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل" في حال المشقة.

وللأطباء وفرق التمريض التي تقوم على علاج المصابين، أفتى مجلس الترجيح بجواز الجمع للصلوات دون القصر بسبب الوضع الصعب وظروف العمل وضغوطه في المستشفيات ومع ارتدائهم للملابس الواقية، مستدلا بعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء "في غير خوف ولا مطر".

وعملا بحديثين في صحيحي البخاري ومسلم، وجّه المجلس هيئات إدارة المساجد ومؤذنيها إلى إضافة عبارة "صلوا في رحالكم" أو "صلوا في بيوتكم" والتي لم يسمعها كثير من الناس خلال حياتهم، فكانت مستغربة بالنسبة للبعض.

لكن الدعوة بدأت تنتشر فعلا في مساجد إندونيسيا، وذلك عملا بقاعدة التباعد الاجتماعي في التعامل مع هذا الوباء، التي لها في السنة النبوية ما يؤكد أهمية تنفيذها ومن ذلك ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لا يورَدُ مُمرِضٌ على مُصِحّ"، وحديث عبد الرحمن بن عوف الشهير الذي رواه عبد الله بن عامر عندما خرج عمر بن الخطاب إلى الشام وقد وقع الوباء فيها، وقصة الرجل المجذوم في وفد ثقيف الذي أرسل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- "إنا قد بايعناك فارجع".

"جهاد" علاج المصابين

وفي لفتة إنسانية أخرى لا تقل أهمية عما سبق، اعتبر مجلس ترجيح المحمدية جهود مكافحة وباء كورونا عبادةً و"جهادا" والتورط في نشره عمدا "ظلما" عملا بقوله تعالى "من قتل نفسا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" (سورة المائدة: من الآية 32).

وقد اعتبر مجلس الترجيح الأطباء والممرضين والممرضات وكل عامل في مجال مكافحة الوباء وعلاج المصابين به، مناضلين ومجاهدين ومن يتوفى منهم خلال عمله فله أجر الشهيد.

وقد توفي حتى الآن في إندونيسيا 25 طبيبا وممرضا بسبب كورونا الذي انتقل إليهم من مرضى كانوا يعالجونهم، ولم ينسَ أعضاء مجلس الترجيح تذكير الناس ببشرى النبي -صلى الله عليه وسلم- باحتساب أجر الشهيد للمطعون.

وفي فتوى أخرى لمجلس ترجيح المحمدية، أكد أعضاؤه لزوم وجوب بذل كل الجهد الممكن لعلاج المصابين وأن الحكومة ملزمة بتوفير ما يحتاجه الناس من أدوية وكل ما يلزم، مشددين على أن "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة".

إضافة إلى ذلك كله، أصدر مجلس العلماء الإندونيسي توجيهات مفصلة بخصوص التعامل مع المتوفين من المصابين، وذلك للفرق الطبية وغيرها ممن حملوا مسؤولية تجهيز ودفن المتوفين بالفيروس دفعا لانتشار العدوى، مع دعوة أهالي وأصحاب المتوفى إلى تأدية صلاة الغائب مع تعذر المشاركة في الصلاة عليهم ودفنهم باستثناء بضعة أشخاص ينقلون الجثث من المستشفيات إلى المقابر.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي