"دنيا" التشكيلي المصري فتحي عفيفي: لمحات من رومانتيكية الستينيات

2020-03-20

التشكيلي المصري فتحي عفيفي من مواليد حي السيدة زينب العريق عام 1950، حصل على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية عام 1968، وفي العام نفسه التحق بالعمل في المصانع الحربية، حتى بلوغه سن التقاعد. لم يدرس عفيفي دراسة أكاديمية منتظمة، فقط التحق بقسم الدراسات الحرة في كلية الفنون الجميلة في القاهرة. هذه المقدمة القصيرة تكشف العالم الذي دارت فيه مخيلة الفنان، وحاولت تجسيده عبر سنوات من العمل والعديد من اللوحات. فما بين الحارة الشعبية والمصانع وعالمها تدور هذه الأعمال، ورغم أن هذه البيئات ومفرداتها قد تحولت تماماً الآن، بل اختفت في أغلب مظاهرها، إلا أن عفيفي لم يزل مصرّاً على الاحتفاء بالحياة وتفاصيلها في ظل ستينيات القرن الفائت، وكأنها مرحلة رومانتيكية تحاول ذاكرة الفنان استحضارها إلى الأبد، وكأنها لا تريد لوجودها بديلاً.

وفي معرضه الذي أقيم مؤخراً في غاليري خان المغربي، والمعنون بـ»دنيا»، يواصل عفيفي نهجه الذي لا يحيد عنه، قائلاً «حين تتداعى الأشياء لا يبقى أمام الفنان سوى تأمل نفسه من الداخل، لعله ساهم بقصد وبدون قصد ــ الحالتين سواء ــ في هذا التدهور أو هذا الذي يسود العالم الآن. ولم يبق أمامي سوى أن أتأمل نفسي وأرسم بدون تخطيط مسبق، لكن بألم مفعم، لعل رسومي تمس الآخرين».

في ظل نساء الحارات

تتشكل ذاكرة الفنان داخل الحي الشعبي، عبر استعراض نساء فاتنات، يتباهين بما وهبتهن الطبيعة من جمال. دائماً نرى نساء عفيفي في ملابس تنتمي لزمن بعيد مضى ـ زمن أفلام الأبيض والأسود ـ حيث الجلباب أو الفستان، وأكسسوارات تخص هذه الفئة كالقرط الدائري الكبير، أو الهلال الذهبي، الذي يتدلى من الجبهة، إضافة إلى الجسد الضخم إلى حدٍ كبير، والذي يتكرر رغم اختلاف صاحباته أو مواقفهن التي تجسدها اللوحة. فدائما هن المسيطرات على المشهد، سواء واجهت المرأة المتلقي أو تشاغلت عنه، محتلة مقدمة الكادر، بينهما يتوحد المتلقي مع الرجل الغارق في عمق الكادر/الخلفية، ضئيلاً مقارنة بالتي تقف تنظر إليه، أو بمعنى أدق تمنحه (نظرة) من نظرات العطف. مع ملاحظة أن هذا العاشق المُنتظر لا يتخلى عن وسيلة المواصلات التي تدل على هويته (الدراجة) وهي مفردة متكررة لدى عفيفي دلالة على فئة العمال.

في ظل الآلة

على الجانب الآخر أو العالم الآخر، الذي لم يزل يستنزف ذاكرة الفنان، نجد عالم المصنع والآلات الضخمة التي تتواتر متباينة في علاقتها والعامل الذي يقف أمامها، فقد تبدو كوحش خرافي، وأمامها العمال مجموعات ضئيلة مقارنة بحجم الآلة، كما تبدو حيناً آخر متساوية الحجم والعامل الذي يقف أمامها.

هنا يحتل كل منهما اللوحة بالعدل التام، وهو ما يؤكد سيطرة العامل على هذا الوحش الهائل في لوحة سابقة. السمة الأخرى في لوحات المصنع هو انتفاء الحِس الفردي، فالجميع في مجموعات، سواء أوقات العمل أو الراحة عند تناول وجبة الطعام في الاستراحة، كذلك تبدو تكوينات العمال كمجموعة من الأجساد، بدون ملامح فردية لوجه من الوجوه ـ اللهم إلا في بعض اللوحات ـ ففكرة المجموعة هذه مستوحاة من الزمن الذي بالكاد واكبه عفيفي ـ بدأ عمله عام 1968 ـ ليشهد بعدها الانهيار التام في هذه المنظومة وهذا الحلم، حيث كان العامل هو البطل الذي يتصدر المشهد دوماً، في ظل دولة صناعية تمجد هذه الفئة وعالمها، إلى أن جاءت عاصفة السبعينيات، وتغيّر وجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مصر، بعد انتهاج السادات لسياسة الانفتاح الاقتصادي. فترة التأسيس أو الحلم هذه التي لم تزل يعيشها فتحي عفيفي بدون أن يغادرها أو تغادره.

الملمح الآخر لهذه الأعمال أن الفنان لم يستسلم لإظهار العمال في وجوه بائسة، أو في حالة من الرثاء، بل رغم الجهد الذي يبذله العمال إلا أنهم دوماً يبدون في حالة من القوة والمهارة، التي تجعلهم يستطيعون ترويض هذه الآلات الضخمة.

ودائماً ما يرسم عفيفي عوالمه من خلال اللونين الأبيض والأسود ـ رغم اختلاف الخامات ـ كحالة قصوى لإظهار جماليات التباين في اللوحة، إضافة إلى خطوط قد تبدو بدائية للوهلة الأولى، مع بعض اختلافات في المنظور، بدون الالتزام بالنسب الأكاديمية، رغم أنه يدركها جيداً، إلا أن عدم التقيّد هذا أنقذه من رتابة وجمود التشكيل الأكاديمي، وهو ما يمنح هذه اللوحات حياتها وتفاعلها مع المتلقي، وقدرتها الدائمة على الإدهاش.

أقام عفيفي العديد من المعارض الفردية والجماعية في كل من مصر، النمسا، الأردن، المكسيك، رومانيا والعـــديد من الدول. كما نال جائزة بينالي القاهرة الدولي السابع عام 1998.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي