ديفينس: الاستخبارات الأميركية وراء تصفية سليماني

2020-01-08

قال موقع إسرائيل "ديفينس" العسكري إن العملية الأميركية المعقدة للقضاء على أحد رموز نظام طهران، الجنرال قاسم سليماني، تحتاج إلى امتلاك قدرات استخباراتية عالية، من إمكانيات السايبر إلى عملاء داخل قوة القدس وهذا يعني أن البنية التحتية الاستخباراتية وراء القضاء على سليماني.

وصلت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران إلى مستوى قياسي في 17 ديسمبر/كانون الأول 2019 بعد هجوم صاروخي شنته ميليشيات شيعية على قاعدة أميركية (المعروفة باسم كي وان) بالقرب من مدينة كركوك في العراق، حيث قُتل مدني أميركي وجُرح العديد من الجنود. وفي ردٍ مباشر على هذا الهجوم، قام سلاح الجو الأميركي بقصف مواقع الميليشيات التي قامت بإطلاق الصواريخ.

ورداً على الهجوم الأميركي، نُظّمت احتجاجات ضد السفارة الأميركية في بغداد، ويعتقد مسؤولو المخابرات الأميركية أن الاحتجاجات جرت تحت رعاية وتشجيع من قوة فيلق القدس الإيرانية، وفي هذا الأمر قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في رسالة واضحة، إن الولايات المتحدة لن تسمح أن يتعرض مواطنوها لأذى.

وأشار ترمب، وهي ليست المرة الأولى، إلى أن إيران تشغّل وتدعم وتمول وتدرب منظمات الميليشيات العراقية، وهي مسؤولة مباشرة عن إلحاق الضرر بالمدنيين والجنود والأصول الأميركية.

بعد ثلاثة أيام، ذهب الجنرال سليماني في رحلة جوية من سوريا إلى مطار بغداد. وكان برفقته وفد مؤلف من خمسة أشخاص، من ضمنهم نائب قائد أكبر الميليشيات الموالية لإيران "الحشد الشعبي" وكبار نشطاء حزب الله، بما في ذلك صهر عماد مغنية (قائد الذراع العسكري السابق لحزب الله والذي اُغتيل من قبل الجيش الإسرائيلي في فبراير 2008).

نزل الوفد من الطائرة وصعد إلى سيارتين في انتظارهم في المطار. وفي الطريق، تمت مهاجمة السيارتين بأربعة صواريخ أطلقتهم طائرتان بدون طيار وتم تدمير المركبتين ومن بداخلهما، بمن فيهم القائد الأسطوري لقوة القدس، سليماني.

كان سليماني، الذي كان مقربًا من المرشد الأعلى علي خامنئي، رجل متعدد المهام ويملك التفكير الإبداعي والتلاعب في تنفيذ عمليات مخابراتية وسرية إيرانية. كما أطلق علي خامنئي عليه في عام 2010 اسم "اليد الحية" لأعماله الأمنية لإيران والحرس الثوري.

إن إيران مدينة بشكل كبير لسليماني وأعماله، وهناك من توقعوا بأن له مستقبل سياسي مشرق، بما في ذلك منصب رئيس الدولة. في حين نفى سليماني هذا الأمر في المقابلات الإعلامية التي أجريت معه. لكن الولايات المتحدة قضت عليه. ووفقًا لوسائل الإعلام الأميركية والمقربين من البيت الأبيض، فقد تمت عملية الاغتيال في وقت حرج، حيث خطط سليماني لسلسلة من الهجمات ضد أهداف أميركية ردًا على الهجمات في العراق.

قدرات التتبع اللحظيّة

القضاء على سليماني ليس أمراً هيّناً. فقد اعتاد أن يتصرف بسرية تامة بعيداً عن الأنظار المفتوحة لأجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية والإسرائيلية، فقد أدرك سليماني تهديد المخابرات الموجّه له. وتشير قدرة الولايات المتحدة في القضاء عليه أثناء تنقّله إلى قدرات استخباراتية عالية، تضمنت تحديد وتتبع تحركاته بشكلٍ لحظي.

إن المعلومات الاستخباراتية اللازمة لتنفيذ مثل هذه العملية تتطلب تعقّبا دقيقا لسليماني أو أي شخص آخر من مجموعته، والتعرف على مكان تواجده ومسار تحرّكه وخططه. تتطلّب وهذه القدرات الاستخباراتية من الناحية الأولى بنية تحتية تسمح لمخابرات الولايات المتحدة بتتبع ومطاردة ودراسة تحركاته على مر السنين (بما في ذلك معرفة العلامات التي تشير إلى هوية سليماني مثل نبرة صوته). ومن الناحية الأخرى، هناك حاجة إلى قدرات استخباراتية لتحديد موقعه والتعرف عليه فوراً وتحديد نواياه (مثل وجهته وشركائه وطريقة تنقله بين الوجهات).

تم جمع هذه المعلومات على مدى فترة طويلة من الزمن وباستخدام مجموعة متنوعة من الوسائل، والوسيلة الرئيسية لجمع هذه البيانات هي أنظمة Sigint (استخبارات الإشارات الإلكترونية)، والتي تمكن من تحديد وتتبع مواقع الهواتف المحمولة (من أي مكان وفي كل مكان في العالم)، مع التمكّن من ربط الأرقام بأصحابها. ويسمح هذا النظام أيضًا بالتجسس على المكالمات.

الإجراءات الأخرى التي من المحتمل أن المخابرات الأميركية استخدمتها هي أدوات الهجوم والجمع السيبرانية، التي تم نشرها ضد أنظمة الحوسبة والمعلومات للحرس الثوري، والتي جرى من خلالها جمع معلومات عن الحرس الثوري بشكل عام، وسليماني على وجه الخصوص.

مجرد صدفة أو تخطيط منذ زمن؟

قد يكون البعد الآخر لجمع المعلومات من قبل أميركا هو وجود عملاء يعملون منذ وقت طويل بواسطة الولايات المتحدة داخل قوّة القدس أو الميليشيات الشيعية أو في سوريا، والذين علموا بشأن وصول سليماني المتوقع إلى بغداد مسبقًا، وأبلغوا رؤسائهم الأميركيين.

من المحتمل أن المعلومات المتعلقة بنوايا سليماني ومكان تواجده قد وصلت إلى المخابرات الأميركية في الوقت نفسه، واستغلوا فرصة مجيئه إلى بغداد لمهاجمته. ومع ذلك، إذا ربطنا بين الوضع العسكري في بغداد وتهديدات ترمب، يمكن افتراض أن الهجوم الأميركي واغتيال سليماني يشير إلى معلومات استخباراتية تم الحصول عليها بشكل فوري.

وربما أدى الضغط السياسي في الداخل والخارج بسبب عدم رد ترمب على الأعمال الأمنية في الخليج والعراق وسوريا خلال العام الماضي، وأخيرا الهجوم على السفارة الأميركية في بغداد، والذي كان بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير"، إلى قرار الرئيس الأميركي بالقضاء على سليماني. وهذه إشارة تحذير للنظام الإيراني وإظهار للقدرات الاستخباراتية والعسكرية التي تملكها الولايات المتحدة، ودليل على أن تهديدات الرئيس ترمب لها وزن وأهمية.

لذلك كان وجود المعلومات الاستخباراتية والقرار الرئاسي بشأن الاغتيال هو المحرك لبدء عملية جوية، والتي انتهزت الفرصة الأولى مع وصول سليماني إلى الأرض، حيث يمكن لسلاح الجو الأميركي العمل بسهولة نسبية ودون تهديد أنظمة الدفاع الجوي (كالتي في سوريا ولبنان).

خيارات إيران

سيكون من الصعب أن نفترض أن اغتيال بطل النظام الجنرال سليماني، سيمر بهدوء. في الوقت الذي تتم فيه كتابة هذه المقالة، وبعد انتهاء مراسم جنازة سليماني المصوّرة بشكل مكثّف جداً في إيران، تزداد الأخبار حول رفع حالة التأهب في إيران وسوريا ولبنان والعراق، وتزايد قوات الميليشيات الشيعية في هذه المناطق مع النية بتنفيذ هجوم صاروخي (بما في ذلك باتجاه إسرائيل).

سيكون من الصعب التكهّن كيف سيكون الرد الإيراني في لعبة الشطرنج – لكن يمكننا حساب عدد طرق الرد – خاصةً عندما تكون القضية المركزية المجهولة هي مدى رغبة إيران في خلق تصعيد عسكري مع الولايات المتحدة بعد التهديد الرادع الذي أطلقه الرئيس ترامب بأنه سيضرب إيران في حال كان هناك رد إيراني.

قد تعمل إيران بشكل خفي، من خلال الهجمات السيبرانية على المواقع والبنى التحتية الأميركية والإسرائيلية، مثل البنية التحتية للكهرباء والطاقة والنقل والمياه. إن مثل هذا الإجراء لن يفضح الإيرانيين وسيجعل من الصعب على الولايات المتحدة أن تثبت أن طهران تقف وراء هذا الهجوم، وبالتالي سيكون الرد الأميركي محدودًا.

هناك طريقة إيرانية أخرى "لمعاقبة" الأميركيين وتجنب المواجهة المباشرة معهم وهي مهاجمة أهداف في إسرائيل أو غيرها من الدول الصديقة للولايات المتحدة، حيث إنهم لن يردوا أو سيردون بشكل محدود على إيران حتى لا يحدث تصعيد عسكري. مثل هذه الهجمات لن تنفذها إيران مباشرة، ولكن من خلال المنظمات التي تعمل بالوكالة لإيران، مثل حزب الله أو الحوثيين في اليمن أو حماس أو الميليشيات الأخرى التي تديرها قوة القدس.

كل طرق العمل التي ستختارها إيران ستؤدي إلى مواجهة مع الولايات المتحدة، مما قد يؤدّي إلى حملة عسكرية واسعة النطاق.

ومع فهم اختلافات القوة بين إيران والولايات المتحدة، فمن المتوقع أن تكون أساليب العمل الإيرانية الهجومية كالتالي:

- الأعمال الإرهابية مثل الاعتداء والإضرار بالممتلكات والبنى التحتية خارج الأراضي الأميركية مثل عُمان وأميركا الجنوبية وآسيا وأجزاء أخرى من العالم التي تنشط فيها بنى تحتية سرية لقوّة القدس.

- مهاجمة أهداف عسكرية أو مدنية أميركية في العراق (أو في دول الخليج) بإطلاق صواريخ باليستية أو صواريخ كروز هاون من طراز "مشكاة".

- اعتداء "صاخب" على سفن عسكرية أو مدنية في مضيق هرمز أو الخليج بواسطة سفن مسلحة أو صواريخ يتم إطلاقها من الشاطئ أو مركبات بحرية متفجّرة.

- اعتداء "سري" على سفن عسكرية أو مدنية في الخليج أو المحيط العربي أو البحر الأحمر أو البحر المتوسط عن طريق الغواصات القزمية (التي يتم إنزالها من السفن التجارية "البريئة") أو عن طريق عمليات الكوماندوز.

وهناك خيار استراتيجي آخر في الرد الإيراني وهو التعاون الدفاعي الذي ستستفيد منه إيران من شركائها – روسيا والصين.

في الأسبوع الأخير من ديسمبر/كانون الأول 2019، أقيمت مناورات بحرية استراتيجية مدتها أربعة أيام شاركت فيها إيران وروسيا والصين، حيث تم تنفيذ سيناريوهات القتال المتبادل والدفاع.

ويمكن أن يكون للوعود الروسية والصينية بالدفاع المشترك عن إيران ضد الهجوم الأميركي تأثير كبير على رد إيران حول اغتيال سليماني. ومع ذلك، ومن منظور متفائل، قد تدرك إيران أن أي إجراء ستتخذه سيجرها والعالم إلى حملة عسكرية لن تخرج منها إلّا بأضرار كبيرة، وتختار عدم الرد عسكريًا على اغتيال سليماني.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي