أكبر أغلبية منذ فوز تاتشر.. كيف فعلها بوريس جونسون؟

ساسة بوست
2019-12-14

«المهرج العنصري».. لم ينجح ببراعته السياسية بل بضعف خصومه«حتى في أكثر أحلام المحافظين جموحًا، لم يكن أحد يتوقع هذه النتيجة الساحقة؛ بأكبر أغلبيةٍ برلمانية منذ فوز مارجريت تاتشر في عام 1987، وأكبر حصة من أصوات البريطانيين منذ عام 1979»؛ بهذه المقدمة الملحميّة استهل دومينيك ساندبروك مقاله في صحيفة ديلي ميل، تعليقًا على تصويت الناخبين البريطانيين أمس الخميس في أحد أهم الانتخابات التي شهدتها المملكة المتحدة في تاريخها الحديث.

إذ أظهرت النتائج يوم الجمعة حصول رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون على أغلبية ساحقةٍ، ما يعني تمهيد الطريق أمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بأغلبيةٍ برلمانية ناهزت 78 مقعدًا في مجلس العموم، بينما ظهرت المعارضة، ممثلة في حزب العمال اليساري برئاسة جيريمي كوربين، في أسوأ حالاتها منذ حوالي 100 عام، حسبما أشار زاك بوشامب في موقع ڤوكس.

«المهرج العنصري».. لم ينجح ببراعته السياسية بل بضعف خصومه
لكن لا يبدو أن جونسون أحرز هذه النتيجة لأنه كان شخصية سياسية بارعة أو محبوبة. على النقيض من ذلك، كانت معدلات تأييده متدهورة بشدة، وفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة YouGov البحثية قبيل إجراء الانتخابات. وأسفر التعهُّد الرئيس الذي قطعته حملته الانتخابية، بإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عن تقسيم البلاد إلى نصفين. ناهيك عن اشتهاره بكونه مُهَرِّجًا غير جدير بالثقة، فضلا عن عنصريّته ليس فقط ضد المسلمات ولكن أيضًا ضد المهاجرين وحتى الأفارقة، على حد وصف زاك بوشامب.

ويخلص المقال الذي نشره موقع ڤوكس الأمريكي إلى أن السبب لا يعود إلى مواهب جونسون السياسية الفريدة، بل يعزوه إلى المشكلات التي يعاني منها خصمه كوربين الذي وجد نفسه في موقف أصعب حيال «بريكست»، وكان عليه استمالة كلا الفريقين المؤيد والمعارض، بينما كان بوسع جونسون التركيز على فريقٍ واحد فقط: المؤيدين لـ«بريكست». صحيحٌ أن بعض سياسات كوربين الاقتصادية اليسارية حظيت بقبول حسن في استطلاعات الرأي، إلا أنه شخصيًا لم يكن يُنظَر إليه باعتباره زعيمًا موثوقًٍا به، حتى في قضايا مثل: الرعاية الصحية، ناهيك عن تهمة «معاداة السامية» التي كانت تلاحقه، حتى وصمته منظمة العمل اليهودية بوصمةِ تحويل حزبه إلى «ملجأ خصب لمعاداة السامية».

الوزيرة الأولى في أسكتلندا نيكولا ستارجن
أما السياسات التي روَّج لها كوربين باعتبارها تحظى بشعبية في أوساط البريطانيين، فتقول عنها مجلة ناشيونال ريفيو إنها تحظى بالفعل بشعبية، لكن باعتبارها تُذَكِّر الشعب البريطاني بالأيام السوداء التي عاشتها بلادهم في سبعينيات القرن الفائت. إذ سبق لبريطانيا أن جربت أفكار كوربين من قبل، وكانت النتيجة أن أسفرت عن تضخم كارثيّ، وركود اقتصادي، وبطالة مرتفعة، وانقطاع روتيني في التيار الكهربائي، وصراع صناعيّ، وتراجع في المكانة الوطنية، وميل للتأميم الذي أدى إلى الندرة، وخدمة عملاء شديدة السوء، ونهاية افتراضية للابتكار.

لكن بينما ترى ناشيونال ريفيو أن «رفض البريطانيين للاشتراكية هذه المرة لم يكن ضعيفًا، بل كان مدويًا؛ إذ تكبد حزب العمل أسوأ خسارةٍ في تاريخه منذ عام 1935، وأحرز حزب المحافظين أكبر فوزٍ في تاريخه منذ عام 1987»، كان لافتتاحية صحيفة النيويورك تايمز رأي آخر، إذ ذهبت إلى أن «تواضع شعبية كوربين شخصيًا كانت عاملًا أكثر أهمية في هزيمته من برنامجه الاشتراكي».

ماذا ينتظر بريطانيا بعدما ينجلي الغبار وتضع «بريكست» أوزارها؟
أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هذه النتيجة المفاجئة بحسب مجلة ناشيونال ريفيو هو أن كثيرًا من الناخبين اعتبروا هذا الاقتراع بمثابة «الاستفتاء الثاني الحقيقي على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي»، ووجدوها فرصة ليقولوا: «هذا ما قصدناه حقًا في المرة الأولى».

تستدرك المجلة: لكن يجب ألا نبالغ في تقدير جاذبية بوريس جونسون، لأنه ليس كذلك. وبمجرد أن تضع معركة «بريكست» أوزارها، وينجلي الغبار، سيواجه حزب المحافظين تحديًا مفاده: كيف سيحكمون دولة باسم ناخبين اختاروهم لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ والإجابة عن هذا السؤال سيحدد السياسة البريطانية لجيلٍ قادم، وربما أكثر. لكن في هذه الأثناء، يحق لحزب المحافظين أن يستمتع بفوزه، ويحتفي بتأمين إنجاز «بريكست».

حقًا أعاد بوريس جونسون تشكيل المشهد السياسي في المملكة المتحدة، على حد وصف كاميلا كافنديش في صحيفة فاينانشال تايمز. وكان انتصار حزب المحافظين بمثابة «إعادة تنظيم عميق للسياسة البريطانية»، كما تقول مجلة الإيكونوميست؛ فبعد عقد من الحكومات التي تكافح بأغلبيتها الضعيفة أو الغائبة، أصبح لدى بريطانيا الآن رئيس وزراء يتمتع بسلطة شخصية هائلة، وسيطرة كاملة على البرلمان، وهو في ذلك يشبه مارجريت تاتشر وتوني بلير، اللذين تمتعا بأغلبية كبيرة، بحسب الأسبوعية البريطانية التي ترى أنه يتمتع بفرصة لوضع بريطانيا في مسار جديد، لكن فقط إذا تمكنت حكومته من التصدي لبعض المهام الشاقة حقًا.

تتابع الإيكونوميست: مما لا شك فيه أن الائتلاف الجديد القوي الذي ينتمي إليه حزب المحافظين سيتعرض للضغوط. وفي ظل مزيج من الياقات الزرقاء والسراويل الحمراء، فإن الحزب الجديد غير متماسك أيديولوجيًا. والتجارب المقبلة ستعري أي ضعف في صفوف ائتلاف المحافظين الجديد بلا رحمة.

وحتى بعد إنجاز «بريكست» رسميًا الشهر المقبل، ترى الإيكونوميست أن المهمة الأصعب التي تنتظر المملكة المتحدة هي التفاوض على العلاقة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي، فيما لم يبدأ النقاش الأصعب بعد حول الصيغة الاقتصادية الأنفع للبريطانيين مستقبلا. وتخلُص المجلة إلى أن نجاح جونسون في إعادة ترتيب الأوراق السياسية ليس ضمانة أبدية، والإنجاز الذي أحرزه المحافظون ليس حصينًا على الإطلاق.


هل يدخل جونسون التاريخ بفوزه الساحق أم تنفجر فقاعته سريعًا؟
يشير ساندبروك في الديلي ميل إلى أن الانتخابات لطالما حددت تاريخ بريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية؛ بدءًا من وصول حزب العمال إلى السلطة في عام 1945 بقيادة كليمنت، ما مهد الطريق لدولة الرفاه وتأسيس هيئة الخدمات الصحية الوطنية، ومرورًا بفوز مارجريت تاتشر في عام 1979، ما أدى إلى طي صفحة سنوات التدهور الاقتصادي وافتتاح عهد السوق الحرة الذي أيده توني بلير. فهل ينتمي بوريس جونسون إلى هذه الفئة؟

يجيب ساندبروك: يعتمد الأمر إلى حد ما على ما سيحدث في السنوات الخمس المقبلة. لكن الإجابة الحالية التي رجحها الكاتب هي: نعم، بالتأكيد. مستشهدًا بـ«اصطفاف الناخبين في الطوابير تحت المطر للتصويت، وهو المشهد الذي أثار شعورًا قويًا بأنها كانت نقطة تحول حقيقية، ومكاشفة حاسمة لمستقبل الأمة». بل يذهب المقال إلى ما هو أبعد من ذلك، متحديًا خصوم جونسون الذين «استخفوا به، كما استخفوا بـمارجريت تاتشر من قبل»، وتوقع ألا يكون هذا النصر مجرد فقاعةٍ سرعان ما تنفجر، بل يرى أن هناك فرصة قوية لاستمرار هذه الانتصارات في قابل الأيام.

لكن بينما يذهب روس كلارك أيضًا في صحيفة ذا صن إلى أن القاعدة الانتخابية العمالية التقليدية تحوَّلت إلى المحافظين؛ لأنهم شعروا بأن الحزب الذي كان يمثلهم خذلهم. إلا أنه، كمعظم المحللين الذين استوقفتهم النتائج المفاجئة، يخالف ما ذهب إليه دومينيك ساندبروك في صحيفة ديلي ميل، ويحذر من «الفخ الذي يجب على بوريس ووزرائه تجنبه، وهو: افتراض أن إنجازهم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو كل ما يتعين عليهم القيام به لإرضاء ناخبيهم الجدد».


بعدما وضعت الانتخابات أوزارها.. هل تبقى المملكة البريطانية «متحدة»؟
كان هذا عنوان افتتاحية صحيفة نيويورك تايمز، التي قالت: إن فوز بوريس جونسون المدهش يعني أن بريطانيا ستغادر الاتحاد الأوروبي بكل تأكيد، ولكن ماذا سيكون مصير أسكتلندا وأيرلندا الشمالية؟

صحيحٌ أن إنهاء المعارك المستمرة منذ فترة حول «بريكست» سيكون مصدر ارتياح كبير للبريطانيين، لكن هذا لا يعني أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيحدث بسرعة، بل تفتح هذه الانتخابات الباب فقط أمام المرحلة التالية الأكثر صعوبة، وهي: خروج المملكة المتحدة من العلاقات الاقتصادية الواسعة والمعقدة التي تشكل الروابط الجمركية والسوق الموحدة، وهي مهمة من المفترض إنجازها في غضون عام، لكنهما ربما تستغرق وقتًا أطول.

تضيف الافتتاحية: هذه ليست سوى معركة واحدة من المعارك العديدة التي لم يوضح جونسون كيف سيخوضها مسلحًا بالقوة السياسية الهائلة التي منحتها له الانتخابات على مدار السنوات الخمس المقبلة. والموجة الأولى من التعليقات التي صدرت في أعقاب ظهور نتائج الانتخابات كانت تتساءل بالفعل عن ماهية العالم الجديد الذي ستدخل بريطانيا إليه.

حتى استمرار وصف «متحدة» مقرونًا بالمملكة كان محل تشكك بعد الاستعراض القوي الذي نظمه الحزب القومي الأسكتلندي، ومطالبته بإجراء استفتاء جديد حول الاستقلال، وكذلك المصير غير المؤكد لأيرلندا الشمالية بموجب خطة «بريكست» التي يرعاها السيد جونسون. ثم هناك عدم اليقين الذي يخيم على وفاء السيد جونسون بتعهداته بالإنفاق الهائل على الخدمات الصحية الوطنية والمدارس والبيئة، وهي التعهدات التي ساعدته على انتزاع أصوات الطبقة العاملة من صناديق عن حزب العمال.


مصير مسلمي بريطانيا في المملكة المتحدة التي يحكمها المحافظون
يشعر مسلمو بريطانيا بالخوف بعد الفوز الساحق الذي أحرزه المحافظون، بقيادة بوريس جونسون، في الانتخابات العامة، وهو الشعور الذي أكده بيان رسمي صدر عن مجلس مسلمي بريطانيا (MCB)، وأوضحه هارون خان، أحد أعضاء المجلس الإسلامي، قائلا: أصبح السيد جونسون يحظى بأغلبية، لكن هناك خوف واضح بين المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء البلاد.

وأضاف في تصريح نقلته صحيفة الإندبندنت البريطانية: دخلنا فترة الحملة الانتخابية بمخاوف طويلة الأمد بشأن التعصب في سياستنا وحزبنا الحاكم. والآن نحن قلقون من أن الإسلاموفوبيا أصبحت مهيأة لتصل إلى مستويات غير مسبوقة في ظل الحكومة الجديدة.

وتابع خان: بينما كان حزب المحافظين يحتفل بفوزه، كان هناك «شعور واضح بالخوف» بين المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء البلاد. بعد منح السيد جونسون قوة هائلة، نحن ندعو لأن يستخدمها بطريقة مسؤولة لصالح جميع البريطانيين، وفق ما نقلته صحيفة مترو .

حتى قبيل الانتخابات، نقلت وكالة الأناضول عن عبد الله فالق، رئيس الأبحاث في مؤسسة قرطبة (مستقلة)، قوله: «يشعر المسلمون في المملكة المتحدة بـ«بالعزلة» وأن الآخرين «يتحدثون إليهم، لكن ليس على النحو اللائق»، ويجب أن يكون للمجتمع الإسلامي – ثاني أكبر مجموعة دينية وأسرعها نموًا في بريطانيا – المزيد من الممثلين في الساحة السياسية».

وقالت زينت غلاملالي، مسؤولة الشؤن العامة في مجلس مسلمي بريطانيا: «إن الاهتمام الرئيس لمسلمي بريطانيا في الانتخابات هو كبح جماح الإسلاموفوبيا. ونحن نرى التزامًا واضحًا بمعالجة هذه المشكلة في بيانات حزب العمال والديمقراطيين الليبراليون والأحزاب الأصغر الأخرى. لكن للأسف لم نجد مثل هذا الالتزام في بيان حزب المحافظين. وكما نعلم، لدى حزب المحافظين مشكلة مؤسسية عميقة مع الإسلاموفوبيا، التي لطالما فشل في معالجتها باستمرار».


دروس بريطانية للديمقراطيين والجمهوريين في انتخابات 2020
بينما كانت بريطانيا لا تزال تفرز الأصوات في انتخاباتها التاريخية وقت مبكر من صباح يوم الجمعة، بدأ الديمقراطيون والجمهوريون على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي يسألون عما يعنيه فوز رئيس الوزراء بوريس جونسون الساحق بالنسبة لهم: هل كان ذلك فألًا حسنًا لإعادة انتخاب الرئيس ترامب في انتخابات عام 2020، أم إشارة تحذير للديمقراطيين، أم كليهما؟

يلفت مارك لاندلر، مدير مكتب صحيفة نيويورك تايمز في لندن، إلى أن هذا المشهد حدث من قبل، في يونيو (حزيران) 2016؛ إذ اعتبر تصويت بريطانيا الغاضب لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي بمثابة إرهاصٍ ينبئ بفوز ترامب على هيلاري كلينتون بعدها بخمسة أشهر. وفي يوم الجمعة الماضي، كان السيد ترامب يتابع من المكتب البيضاوي نتائج الانتخابات البريطانية علّ التاريخ يعيد نفسه، وقال الفوز الكبير الذي أحرزه جونسون: «أعتقد أن هذا قد يكون بشيرًا لما سيحدث في بلدنا».

لكن إذا كانت هناك أوجه تشابه، فهناك اختلافات مهمة بين هذه الانتخابات البريطانية والانتخابات الأمريكية في العام المقبل، كما يؤكد مارك لاندلر. وبينما يرى ستيف بانون، كبير الخبراء الاستراتيجيين في إدارة ترامب سابقًا، أن فوز الرئيس ترامب في عام 2016 كان «مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا» بالتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأن نجاح السيد جونسون يكشف عن تيارات سياسية أعمق قد تهدد فرص المرشح الديمقراطي في عام 2020، حتى لو تضمنت الانتخابات البريطانية أيضًا دروسًا للشعبويين اليمينيين.

لكن في المقابل، يلفت أناند مينون، أستاذ السياسة الأوروبية بكلية كينجز بالعاصمة البريطانية لندن، إلى أن «بيرني ساندرز سياسي أكثر فاعلية من جيريمي كوربين». وبالنسبة للديمقراطيين، هناك دروس تكتيكية يمكن تعلمها من هزيمة حزب العمال. إذ نظم السيد جونسون حملة شديدة الانضباط، وركز على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتجنب خوض النقاشات التي كان من الممكن أن تصب في صالح حزب العمال، مثل موضوع الرعاية الصحية.


4 طرق يتبعها جونسون وترامب للانتصار على الخصوم.. رغم الاختلافات بينهما
يرصد بريت ستيفنز في صحيفة نيويورك تايمز أربع طرق أحرز بها جونسون هذا النصر المدوي، كلها تشبه ما يفعله ترامب:

أولا: كان جونسون محظوظًا بخصومه السياسيين، حزب العمال وجيمي كوربين، وكذلك ترامب محظوظ بمنافسيه الديمقراطيين أمثال إليزابيث وارن وبيرني ساندرز.

ثانيًا: كان جونسون يتطلع إلى الأمام، ولعب على وتر إيمان البريطانيين بأنفسهم، واعتمادهم على ذاتهم، وقدرتهم على حكم أنفسهم بأنفسهم، بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي. وإذا انتهى المطاف بإعادة انتخاب ترامب فسيكون ذلك لأسباب مماثلة، نتيجة انشغال الديمقراطيين بمحاولة إسقاط الرئيس بالوسائل القانونية والتشريعية لدرجة أنهم نسوا إسقاطه بوسائل سياسية عادية.

ثالثًا: كان جونسون متناغمًا مع هذه اللحظة. فرئيس الوزراء البريطاني انتهازي يحمل أيديولوجية، وليس متشددًا. وهذا يزعج منتقديه اليمينيين الذين لا تروق لهم بعض وعوده بالإنفاق الضخم، ويؤكد وجهة نظر منتقديه اليساريين، الذين يرون أن مرونته السياسية جزء من تسيبه الأخلاقي. لكن هذا هو العصر المناسب تمامًا لهذه السيولة، التي هي ورقة ترامب الرابحة مثلما هي بطاقة جونسون الرابحة تمامًا.

أخيرًا: استفاد جونسون من النقاد الذين يصفون أي شيء يفعله باعتباره غبيًا وغير أمين وبائسًا ومدمّرًا، حتى أنهم حذروا مؤخرًا من أنه سيؤدي إلى تدمير المملكة المتحدة نفسها. وعلى نحو مماثل في الولايات المتحدة، توقع بعض الخبراء المناهضين لترامب أن يتدهور الاقتصاد وتهلك البلاد، بينما استمر الاقتصاد في النمو وتراجعت البطالة لمدة ثلاث سنوات متتالية.

هذا لا يعني أن بريت ستيفنز يؤيد إعادة انتخاب ترامب، بل هو يحذر من أن الصراخ وحده لا يكفي لمواجهة الظاهرة الشعبوية التي يمثلها كل من جونسون في المملكة المتحدة وترامب في الولايات المتحدة.

من المحتم أن يبحث الأمريكيون عن أوجه التشابه بين السيد جونسون والرئيس ترامب، وبين الإهانة التي تعرض لها حزب العمل في صناديق الاقتراع وأداء الحزب الديمقراطي. ولا بد أن تكون هناك نصائح للديمقراطيين بأن يتعلموا من نقاط ضعف السيد كوربين، الذي ظل غارقًا في الوعود اليسارية بالتأميم والإنفاق الضخم بينما فشل في إدراك أن أتباعه أصبحوا يميلون أكثر إلى الأفكار القومية والمحافظة اجتماعيًا.

هناك دروس يجب تعلمها، بلا شك، ولكن من المهم أيضًا التأكيد على الاختلافات بين التجربتين، وأبرزها أن جونسون لا يدير سياسته عبر تغريدة من داخل البيت الأبيض مثلما يفعل ترامب، على حد قول مارك لاندلر، مدير مكتب صحيفة نيويورك تايمز في لندن.


«كارثة ديمقراطية».. عصر التلاعب بالرأي العام وتجاهل الحقائق
ترى ناتاشا فروست مراسلة موقع كوارتز أن «النظام الانتخابي في المملكة المتحدة يمثل كارثة على الديمقراطية»، وتقول: إن الفوز المذهل يناقش مزاج الدولة ككل؛ إذ صوت أكثر من 50٪ من الناخبين في المملكة المتحدة بالفعل لصالح الحزب المؤيد للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما اعتبرته في نهاية المطاف سببًا يحتم على المملكة المتحدة إعادة تقييم نظامها الانتخابي الذي لا يضع إجمالي الأصوات في الاعتبار، ونتيجة لذلك، من الممكن فعليًا أن يفشل الحزب الذي حصل على أغلبية أصوات الناخبين في الفوز بأغلبية المقاعد.

وبينما قالت فاينانشال تايمز إن الفرصة سانحة الآن أمام بوريس جونسون لصياغة دور جديد لبريطانيا، ذهب جارفان والش في مجلة فورين بوليسي إلى أن انتصار بوريس جونسون هو بالضبط ما يريده الاتحاد الأوروبي؛ إذ يمكن لبروكسل أخيرًا احتواء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمضي قدمًا في مفاوضاتها المتعلقة بالميزانية وإصلاح منطقة اليورو وأزمة سيادة القانون وسياسة الدفاع الناشئة دون القلق بشأن مشاحنات البريطانيين المزعزعة لاستقرار اتحادهم.

«هذه قصة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التي تمثل مأساة وطنية. هذه قصة بوريس جونسون، الرجل الذي ليس لديه مبادئ أخلاقية. هذه هي قصة دونالد ترامب، الذي يحرك الناس كالدمى من خلال تلاعبه بمشاعرهم الغاضبة وتجاهله للحقائق. هذه هي قصة عصرنا. وجونسون هو أنسب شخص لهذا الزمن. لذلك فإن ما حدث كان طبيعيًا»، حسبما كتب روجر كوهين متحسرًا في صحيفة نيويورك تايمز.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي