مترجم : هل تُسقط احتجاجات العراق النظام السياسي؟

2019-11-02

ناقشت رند الرحيم مدى تأثير الاحتجاجات الشعبية العراقية في مستقبل الحكومة والنظام العراقي، وذلك في مقال لها على موقع «المجلس الأطلسي» البحثي الأمريكي.

تطرقت رند – السفيرة السابقة للعراق لدى واشنطن– في مقالها للحديث عن جوانب وتداعيات الاحتجاجات الحالية بالعراق، مشددةً على ضرورة أن تتخذ الحكومة إجراءات جريئة وملموسة في وقت يمر فيه العراق بلحظة محفوفة بالمخاطر.

وتستهل رند الرحيم المقال بالإشارة إلى أن الاندلاع المفاجئ للاحتجاجات، في الأول من أكتوبر (تشرين أول) الجاري، كان جزءًا من نمط شهده العراق خلال الأعوام الأخيرة، مضيفةً أن فهم ذلك السياق وكذا المظالم التي تدفع المتظاهرين يساعد في شرح الاضطرابات الأخيرة.

السياق التاريخي للاضطرابات

منذ يونيو (حزيران) وحتى سبتمبر (أيلول) 2018، خرج آلاف المتظاهرين إلى شوارع مدينة البصرة مطالبين بتوفير الوظائف والخدمات الأساسية ووضع حد للفساد.

وخلال تلك الاحتجاجات، أحرق المتظاهرون مكاتب الأحزاب السياسية الشيعية، وهاجموا القنصلية الإيرانية، وقوبلت مطالب المحتجين بالقوة المفرطة من جانب الحكومة، وقُتِل في احتجاجات البصرة 20 شخصًا.

قبل عام 2018، كانت هناك احتجاجات بصورة متقطعة بداية من العام 2011 وحتى 2017، وفي شهري يونيو ويوليو (تموز) من العام الحالي، نظّم خريجو الجامعات احتجاجات استمرت طيلة أسبوع بسبب البطالة، وحاصروا الوزارات في العاصمة بغداد والمكاتب الحكومية في المحافظات، وجرى تفريقهم بالقوة في كثير من الأحيان.

سقط على الارض لكن علم العراق لم يسقط

تجدد الاحتجاجات مرة بعد أخرى يؤكد أن مظالم المحتجين مستمرة وعميقة الجذور. ورغم تعاقب الحكومات، فإن النظام السياسي الحالي لن يستطيع إجراء إصلاحات. تجدر الإشارة إلى أن الاحتجاجات خرجت في مناطق ذات غالبية شيعية ضد الحكومة الشيعية.

على النقيض، ظلت المحافظات السنية هادئة؛ إذ تعلمت درسًا في عام 2012 عندما خرجت للاحتجاج، بعد أن كان انتقام الحكومة عنيفًا، واتُهِم المحتجون وقتها بإيواء البعثيين والإرهابيين، وتمهيد الطريق لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وبالتالي لم يكن تعاطف الأغلبية الشيعية مع تلك الاحتجاجات كبيرًا.

المظالم تؤجج الاحتجاجات

كان اندلاع الاحتجاجات متوقعًا طوال فصل الصيف، وكما ذكرنا سلفًا، خرج خريجو الجامعات في مظاهرات قمعتها شرطة مكافحة الشغب، وأدت سلسلة من الخطوات التي اتخذتها الحكومة إلى تأجيج المشاعر ضدها، مما جعل الأول من أكتوبر لحظة مناسبة للاحتجاج مع الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لتنصيب حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.

تولى عبد المهدي منصبه ببرنامج مختار بدقة مدته عام واحد للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والأمني، لكن بالنسبة للشباب العاطلين في المحافظات العراقية المختلفة، لم يحقق البرنامج سوى القليل. وفقًا للبنك الدولي، فإن 22.5% من السكان العراقيين يعيشون تحت خط الفقر.

كما تبلغ نسبة العاطلين من الشباب العراقي الخُمس، ويتخرج الآلاف من الشباب من الجامعات كل عام دون أي أمل في إيجاد وظيفة، كما أن الخدمات الحكومية في قطاعات الصحة، والتعليم، والزراعة، والمياه سيئة للغاية. يتسبب الفساد والمحسوبية وبيع المناصب العامة، في حرمان العراقيين العاديين من احتمالات تحقيق حياة أفضل.

وأشارت الكاتب إلى أن الجولة الأخيرة من المظاهرات انطلقت في ساحة التحرير ببغداد، معقِل نصب الحرية الشهير في العراق، والذي يعود إلى أوائل الستينيات. ولم تكن المظاهرات مركزية؛ حيث اندلعت في المناطق الشيعية ببغداد ومحافظات ذي قار، وميسان، والديوانية، وواسط، وجميعها محافظات ذات غالبية شيعية.

كانت الاحتجاجات غير منظمة، لكن عازمة على المضي قدمًا، وقد بدت عفوية دون وجود هيئة تنظيمية مميزة، أو جماعة مدنية، أو كيان سياسي يوجهها. علاوة على ذلك، لم تقدم أي مجموعة بيانًا، أو تعلن تبني المظاهرات. إذا كان هناك قادة وراء هذه الاحتجاجات الأخيرة، فقد ظلوا في الخفاء.

في بداية الأمر طالب المتظاهرون بالخدمات والوظائف، لكن مع مواجهتهم أعمال قمع أكثر قوة، أصبحت مطالبهم سياسية بشكل أكبر؛ إذ نددوا بالفساد، وطالبوا نظام «المحاصصة الطائفية»، ودعوا إلى إجراء مراجعة على النظام الانتخابي. كما لجأ بعض المحتجين لاستخدام هتاف تقليدي يعود إلى انتفاضات الربيع العربي عام 2011، وهو «الشعب يريد إسقاط النظام».

الحكومة ترد بعنف مفرط

على عكس الاحتجاجات السابقة، قوبلت تلك الاحتجاجات بقوة متصاعدة، ففي البداية استخدمت قوات الأمن العراقية خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع. في اليوم الثاني للاحتجاجات، شُنت «حرب ظل» متعمدة ومنظمة ضد المحتجين.

واستخدم ملثمون مجهولون الذخيرة الحية، كما أطلق القناصة المتمركزون على أسطح المنازل النار على المتظاهرين، واحتُجز الشباب وضُربوا؛ وسجن الآلاف منهم. كما شهدت الاحتجاجات اقتحام مكاتب المحطات التلفزيونية والصحف ونهبها، وجرى تحذير المراسلين بالتزام الصمت. وقطعت الحكومة خدمات الإنترنت، وأعلنت في نهاية المطاف حظر التجول.

ولفتت الكاتبة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي ضجت بعشرات المقاطع المصورة البشعة التي التقطها مشاركون وشهود عيان آخرون، تصور الشباب القتلى والجرحى. في السادس من أكتوبر الجاري، أعلنت وزارة الداخلية مصرع 104 أشخاص – رغم ورود تقارير بأعداد تفوق ذلك– فضلًا عن إصابة أكثر من 6 آلاف شخص وآلاف المعتقلين.

كان المتظاهرون من صغار السن وغير مسلحين، وكان الدعم الشعبي للاحتجاجات صاخبًا وواسع النطاق، لكن كانت هناك اتهامات بالانتماء للأيديولوجية البعثية والتآمر والخيانة والتواطؤ مع القوى الأجنبية.

كان رد الحكومة بطيئًا ومتباينًا. في الأول من أكتوبر، أقر رئيس الوزراء عبد المهدي، في أول تصريح علني بحق الشعب في الاحتجاج، لكنه اتهم المتظاهرين بتدمير الممتلكات والهجمات المتعمدة على قوات الأمن، وتقويض السلام والاستقرار في البلاد

في 3 أكتوبر الجاري، ومع ارتفاع حصيلة القتلى، أشاد رئيس الوزراء في خطاب متلفز بالإنجازات التي حققتها حكومته، واعترف بالتحديات لكنه أدان انعدام القانون، وشدد على الحاجة إلى الحفاظ على الأمن وحماية الممتلكات. ومرة أخرى، حذر من أن بعض المحتجين كانوا يروجون لأجندة مدمِرة، وأن العراق يواجه «خيارًا بين الدولة واللادولة».

استمر العنف وتزايد عدد القتلى، وفي خطاب ثان في 9 أكتوبر ، كان عبد المهدي أكثر تصالحًا لكنه ما يزال متناقضًا، قائلًا إنه حظر استخدام القوة المميتة من قبل قوات الأمن، لكنه اعترف بأن العنف تسبب في خسائر في الأرواح.

وخلال ذلك الخطاب مجددًا، زعم رئيس الوزراء بأن اختيار البلاد كان إما دولة مستقرة أو لا دولة، وأدان الفوضى وانعدام القانون. ومع عدم وجود دليل على استخدام المحتجين للعنف، لم يوضح رئيس الوزراء الجهة المسؤولة عن الهجمات على المتظاهرين والممتلكات.

ووعد بإجراء تحقيقات وتعويض عائلات الضحايا، ومحاسبة مرتكبي الهجمات، كما أعلن آليات لمكافحة الفساد وإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية. من الواضح أن المظاهرات أصبحت تمثل تهديدًا أمنيًّا.

ولم يظهر ذلك بوضوح أكثر مما كان عليه في مؤتمر صحفي عقده مستشار الأمن القومي العراقي، فالح الفياض في 7 أكتوبر الجاري، والذي، رغم إقراره بشرعية مطالب المحتجين، ندد بمن أسماهم بـ«المتآمرين والخونة» الذين يسعون لإسقاط النظام، كما قال إن الحكومة لديها أسماء أولئك، محذرًا من رد قاسٍ.

واعتبر الفياض أن غياب القيادة والتنظيم عن تلك الاحتجاجات يُعد مؤشرًا على طبيعتها الخطيرة. وألقى الرئيس برهم صالح خطابًا بناءً أكثر تعقلًا في اليوم ذاته، إذ قدم اقتراحات واقعية للمضي قدمًا. لكنه رغم ذلك أكد الرئيس صالح مجددًا أن قوات الأمن لم تتلقَ أوامر باستخدام القوة المميتة، لكنه امتنع عن التصريح بهوية المسؤول عن استخدام القوة المميتة ضد المحتجين.

بحلول الثامن من أكتوبر، هدأت الاحتجاجات في إطار الاستعدادات لإحياء ذكرى الأربعينية – إحياء ذكرى وفاة الإمام الحسين– ولكنها كانت هدنة، لا إعلان سلام. طوال الأسبوع الأول من شهر أكتوبر، اجتمع مجلس الوزراء لتحديد استراتيجية وقدم رئيس الوزراء برنامجًا كبيرًا غير واقعي في خطابه المتلفز في 9 أكتوبر.

بالإضافة إلى وعده بإجراء تحقيق في السلوك غير القانوني من قبل قوات الأمن، قدم رئيس الوزراء أموالًا غير موجودة لحل المشكلة، وذلك من خلال تعهده بتقديم وظائف للعاطلين والدعم المالي للأسر الفقيرة والعاطلين، والمزيد من فرص العمل في القطاع العام للخريجين، والقروض لرواد الأعمال الشباب.

إن هذه الالتزامات المالية مرهقة بالنسبة لبلد يعاني بالفعل من عجز في الميزانية يتجاوز 23 مليار دولار، مع تخصيص 52 مليار دولار لرواتب القطاع العام المتضخم.

ما المتوقع لاحقًا

وتساءلت الكاتبة: ما الخطوة المتوقع اتخاذها من قبل المحتجين والحكومة؟ في بيان شديد اللهجة في 11 أكتوبر الجاري، أدان المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني بشدة استخدام القوة ضد المتظاهرين، ووصف ما حدث بـ«مشاهد فظيعة تنم عن قسوة بالغة فاقت التصور وتجاوزت كل الحدود» من قبل قناصة وجماعات مسلحة خارجة عن القانون.

وألقى السيستاني بالمسؤولية مباشرة على الحكومة، ودعاها لإجراء تحقيق جاد في غضون أسبوعين والسيطرة على القوات المسلحة، وملاحقة أولئك الذين «يهددون ويطلقون النار ويخطفون ويقتلون ويفلتون دون عقاب».

لم يسبق للسيستاني أن كان واضحًا هكذا، ما دفع رئيس الوزراء للرد بتشكيل لجنة تحقيق تضم وزراء ورؤساء أجهزة أمنية. من المقرر أن تستأنف الاحتجاجات في 25 أكتوبر بعد الاحتفال بالأربعينية (نُشر المقال في 17 أكتوبر)، مما يمنح الحكومة مساحة للمناورة. ومع ذلك، فإن وعود الحكومة تفشل في تحقيق النتائج المرجوة كما يصعب الوفاء بها.

يريد المحتجون إصلاحات اقتصادية وسياسية تضمن العدالة الاجتماعية، والفرص الاقتصادية، ومحاكمة المسؤولين الفاسدين، والتمثيل الحقيقي. في مقابل ذلك، تقدم حكومة عبد المهدي علاجات سطحية غير قابلة للتحقيق. وتعرضت لجنة التحقيق الحكومية للهجوم بسبب افتقارها إلى المصداقية، ويُنظر إلى أنها تشكلت كوسيلة لمنع المساءلة الحقيقية.

وأكدت الكاتبة أنه في خلال الأسبوعين المقبلين، إذا لم تستجب الحكومة بفعالية لمطالب المتظاهرين وتحاسب الذين قتلوا المتظاهرين، فمن المحتمل أن يزداد تشدد موقف السيستاني وتأييده للمتظاهرين، كما ستشتد المظاهرات، الأمر الذي ربما يؤدي إلى أعمال عنف أكبر.

في حال حدث ذلك، فسيكون بقاء حكومة عبد المهدي في خطر، وربما معها النظام السياسي العراقي برمته، بحسب رأي الكاتبة، مما يؤدي بالبلاد إلى زعزعة استقرار لا يمكن التنبؤ بها، ستتفاقم بسبب التهديد الذي يفرضه تنظيم داعش. لدى رئيس الوزراء والعراق كل ما يمكن كسبه من خلال تجنب المصالح الشخصية والاستجابة بجرأة وسرعة لمطالب المحتجين والسيستاني في النجف.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي