هآرتس: زيارات بلينكن للشرق الأوسط.. من بحث عن "محور استقرار" إلى خيبة أمل من إسرائيل  

2024-01-10

 

لمستوى الإقليمي هو البعد الذي تعد فيه الفجوة السياسية الأكبر بين الولايات المتحدة وإسرائيل (أ ف ب)أحد المؤشرات الواضحة على إحباط السياسة الأمريكية هو ازدياد وتيرة زيارات وزراء الخارجية. الرحلات المكوكية لهنري كيسنجر بعد حرب يوم الغفران؛ والزيارات الـ 19 لوورن كريستوفر في عهد بيل كلينتون على خلفية تطبيق اتفاقات أوسلو؛ والزيارات الـ 16 لجون كيري في محاولة لتحريك العملية السياسية؛ والآن الزيارة الخامسة في الأشهر الثلاثة الأخيرة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن. ثمة شك بأن يريد وزير الخارجية الأمريكي التشبه بأسلافه في رحلاتهم. ولكن الظروف السياسية في إسرائيل تجعل نجاح أمريكا شبه مستحيل.

لزيارة بلينكن الحالية أهداف قابلة للقياس: أولاً، مواصلة تقديم التوصيات، والمطالبة والتأكد من حدوث تغيير في طريقة القتال، من القوة الزائدة إلى القوة المنخفضة. يرتكز هذا الهدف إلى استنتاج أمريكي بأن الحرب في إطارها الحالي قد استنفدت نفسها، وأن تعريف إسرائيل لـ “تدمير حماس” غير قابل للتنفيذ بدون احتلال فعلي لقطاع غزة، وأنه يجب تحديث هذا التعريف بدلاً من التورط في حرب تمتد سنوات، وإدارة باهظة الثمن ودموية بالفعل لقطاع غزة. ثانياً، رغم رفض إسرائيل لنقاش جدي حول المسألة السياسة لليوم التالي، فإن لبلينكن هدفاً “سيزيفياً” وهو مواصلة تحذير إسرائيل من تداعيات التجاهل. ثالثاً، الاستمرار في محاولة منع التصعيد بين إسرائيل و”حزب الله”. ففي حين أن الولايات المتحدة، تدرك أن إسرائيل لا تستطيع أو أن عليها تحمل هجمات “حزب الله” و”الحرب المحدودة”، فإنها تعتبر سيناريو التصعيد بين الطرفين واسعاً جداً مع إمكانية كامنة حقيقية لتوريطها، وهي غير مقتنعة بأن إسرائيل تهتم بالمصالح الأمريكية أو أنها تدرك حدود قوتها.

رابعاً، في زياراته هذه رمزية لإسرائيل؛ فرغم نكران الجميل الذي يظهره رئيس الحكومة نتنياهو، ورغم أنه لا يعتبر حليفاً في نظر واشنطن، ورغم استخفافه وإفشاله لأي فكرة أمريكية، فإن الولايات المتحدة ستستمر في دعم إسرائيل والانخراط في الاعتبارات الإقليمية.

سواء كانت هذه الأهداف قابلة للتحقق، أم إذا كانت زيارة عملية لا جدوى لها في نظر الإدارة الأمريكية كمقدمة لتغيير مهم في سياستها، فإن تشعب المصالح ووجود فجوة سياسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل آخذة في الاتساع. في نهاية الأسبوع الماضي، نشرت “واشنطن بوست” مقالاً تحليلياً مطولاً تم فيه اقتباس (جهات رفيعة في الإدارة الأمريكية) قالوا إن الإدارة الأمريكية ترى أن نتنياهو يريد إطالة الحرب بدون حاجة، وأنه يغازل التصعيد مع “حزب الله” لاعتبارات سياسية تتعلق ببقاء ائتلافه وبقائه الشخصي. ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” بروحية مشابهة عن أزمة آخذة في الاتساع بين الدولتين. تنبع الأزمة بين الدولتين من ثلاثة أبعاد: نتنياهو، والحرب في غزة، والهندسة الجيوسياسية المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط. على المستوى الشخصي، ثمة عجز ثقة عميق لدى نتنياهو بالإدارة الأمريكية. الولايات المتحدة لا تثق بنتنياهو ولا تعتبره حليفاً، وهي غير مقتنعة بأنه وبحق يدير الحكومة والحرب، وتندهش مما تعتقد أنه نكران فظ للجميل من جانبه، وتشكك بدوافعه، وهي على قناعة بأن هدفه هو المواجهة المباشرة.

بالنسبة للحرب في غزة، الولايات المتحدة أيدت إسرائيل منذ البداية بصورة غير مسبوقة؛ فقد أيدت عدالة الحرب والخطوات، وبررت حجم وقوة الرد العسكري، وتجاهلت في تشرين الأول وتشرين الثاني رد إسرائيل الكثيف، ومنحت مظلة سياسية بثمن عزلتها في المنظومة الدولية، ووفرت العتاد بحجم كبير، والتزمت بمساعدات تبلغ 14.5 مليار دولار، رغم دهشتها كيف أن دولة تتباهى بثروتها وقوتها العسكرية ولديها ميزانية دفاع ضخمة ومساعدات عسكرية سنوية تبلغ 3.8 مليار دولار سنوياً، تستجدي عشرات آلاف الصواريخ والقذائف بعد عشرة أيام على القتال.

المستوى الإقليمي هو البعد الذي تعد فيه الفجوة السياسية الأكبر بين الولايات المتحدة وإسرائيل. الولايات المتحدة لا تعتبر 7 تشرين الأول كارثة لإسرائيل فحسب، بل انعطافة تكتونية في تركيبة الشرق الأوسط. وحسب رؤيتها هناك محوران: الأول تبلور وهو الآن قيد العمل، “محور الفوضى والإرهاب”، بقيادة إيران وبدعم روسيا ومشاركة سوريا و”حزب الله” وحماس والحوثيين في اليمن والمليشيات المؤيدة لإيران في سوريا والعراق. ولاحظت الولايات المتحدة أن إيران حطمت عزلتها واستأنفت المشروع النووي حتى نقطة “دولة العتبة” منذ غزو روسيا لأوكرانيا قبل سنتين تقريباً.

في موازاة ذلك، أوجدت إيران وروسيا تحالف المجذومين، ومن خلفهما الصين التي تعتبر سياستها الخارجية لعبة مجموعها صفر مع الولايات المتحدة. من جهة أخرى، وكوزن مضاد، تحاول الولايات المتحدة بلورة محور استقرار، برئاستها وتشارك في عضويته إسرائيل والسعودية والأردن والسلطة الفلسطينية ومصر والإمارات وقطر. أكد بلينكن أمس أن الاستقرار الإقليمي مصلحة عليا ويستند إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وحسب اعتقاد الولايات المتحدة، فإن العضو الأكثر هشاشة ورفضاً في هذه التشكيلة هو إسرائيل الآن، التي من شأنها هي والولايات المتحدة أن تشكلا العمود الفقري للمحور الذي يعكس الرؤية الجيوسياسية والحلم السياسي لإسرائيل بعد خمسين سنة.

بلينكن لن يقنع نتنياهو بالتعاون مع الولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك، سيكون على قناعة أن التقييمات التي تقرأها واشنطن تفيد بأن الأمر حين يتعلق بنتنياهو فلا نجد من يمكن أن نتحدث معه.

 

ألون بنكاس

هآرتس 10/1/2024








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي