الغارديان: حرب غزة تؤكد خطورة نفاق بايدن.. ازدواجية معايير مع إسرائيل في غزة وروسيا في أوكرانيا  

2023-12-26

 

الرئيس الامريكي جو بايدن (ا ف ب)نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا للمحرر الدبلوماسي باتريك وينتور قال فيه إن ممارسة الولايات المتحدة معايير مزدوجة مع روسيا وإسرائيل هي لعبة خطيرة، فمراوغة الغرب بشأن ما يجري في غزة يدفع لتمرد على هيمنته وتحكمه بالخطاب الدولي.

وأشار إلى المحلل المعروف للنظام الدولي، ريتشارد هاس الذي قال إن “الاتساق في السياسة الخارجية هو ترف لا يستطيع صناع السياسة تحمله”.

 وبشكل متساو، فالنفاق الوطني الصارخ، قد يأتي بثمن عال، فيما يتعلق بفقدان الثقة والمكانة الدولية وفقدان الاحترام الذاتي. ولهذا فقرار الرئيس جو بايدن دعم إسرائيل وأساليبها في غزة سريعا، وشجب روسيا في سياق مختلف، لم يثر قلق الليبراليين والمحامين. وقد ترك أثرا حقيقيا على العلاقة بين عالم الشمال والجنوب والغرب والشرق، بشكل ترك تأثيرات يمكن أن تترك ترددات وعلى مدى عقود.

 وربما قالت إدارة بايدن، المترددة بتغيير مسارها، إن الموازنات بين غزة وأوكرانيا ليست دقيقة، ولكنها تعرف أنها تفقد تدريجيا الدعم الدبلوماسي. وعندما انضمت إلى الولايات المتحدة وإسرائيل 8 دول، بما فيها مايكرونيسيا ونارو، كما حدث عندما رفضتا قرار وقف إطلاق النار في غزة بكانون الأول/ديسمبر، يصعب القول إن أمريكا لا تزال قوة لا يمكن الاستغناء عنها، وهي عبارة طالما رددتها وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت ويشير إليها دائما بايدن. وبالمقارنة، فالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين وبعد فترة من العزلة “يشعر أن كل شيء يسير لصالحه عند هذه النقطة”، كما تقول فيونا هيل، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية والمختصة بالشؤون الروسية.

وفي سياق تزداد فيه الشكوك من النظام الدولي القائم على القواعد، فالنص يكتب نفسه حسب وزير الخارجية الروسي المخضرم، سيرغي لافروف. فقد اشتكى أثناء مشاركته بمنتدى الدوحة في كانون الأول/ديسمبر قائلا: “لم يتم نشر القواعد ولم تعلن أبدا لأي أحد ويتم تطبيقها على من يريده الغرب في لحظة محددة من التاريخ الحديث”.

 وبالنسبة لهيل، فخطاب بايدن في تشرين الأول/أكتوبر عندما ربط بين أوكرانيا وإسرائيل في جهوده لإقناع الكونغرس كي يفرج عن الأموال المخصصة لأوكرانيا “ربما كان سياسة داخلية جيدة ولكنه على الأرجح ليس سياسة دولية ناجحة”. وترى الصحيفة أن الضحية لكل هذا هو الرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي الذي سيجد صعوبة في الإبحار وسط هذا.

 إلا أن الانتقائية الأمريكية والتي ينظر إليها عبر عالم الجنوب قد تقود إلى يوم حساب. ففي الماضي تم النظر لفلسطين عادة على أنها حالة تاريخية خاصة في السياسة العالمية.

 لكنها الآن، وبحسب المحلل الإسرائيلي دانيال ليفي، قد دخلت “في قلب ما يطلق عليه الناس أزمة متعددة”. وقال إن “لعبة الاحتكار التي تمارسها الولايات المتحدة [فيما يتعلق بغزة] ليست متساوقة مع العالم الذي نعيش فيه اليوم وبالجيوسياسة المعاصرة. وبهذا المعنى، فقد حصل أمر مهم ومثير، وربما كان مصدرا للأمل، ورأيناه فيما يطلق عليه بعالم الجنوب والعديد من مدن الغرب، حيث أصبحت فلسطين تحتل مكانا رمزيا. وهي نوع من “أفاتار” (تجسيدا لفكرة/صورة) للثورة ضد النفاق الغربي وضد النظام العالمي غير المقبول وضد نظام ما بعد الاستعمار”.

وفي الوقت الذي تقاتل المؤسسات الدولية ما يتحدث عنه أنطونيو غوتيريش “قوى الشرذمة” فإن الطريقة التي تتعامل فيها الولايات المتحدة مع غزة لا تهم غزة فقط بل والتعددية الدولية. ولو سار دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في الطريق الخطأ، فمن المحتمل أن نكون أمام واحدة من نتيجتين، فربما زاد نمو التحالفات التعاقدية غير الأيديولوجية، فالبحث عن تحالفات وقاية استراتيجية وسلعية ومن أجل إدارة تحوطات مالية قد يصبح الواقع لا الاستثناء.

 وكبديل عن هذه النتيجة، قد تجد الولايات المتحدة نفسها أمام كتل قوية وأكثر حسما، سواء كانت “بريكس” بقيادة روسيا هذا العام أو تحالفات أخرى تقودها الصين. وقبل ستة أشهر كان الوضع مختلفا، فبعد فترة مما أطلق عليها “ويستليسنس” (شعور الغرب بالقلق) والتي نبعت من المخاطر الذي مثلتها رئاسة دونالد ترامب، فقد اكتشف الغرب قدرة وأظهر عزيمة للرد على غزو بوتين أوكرانيا في 2022. ولم يظهر خوفا من روسيا أو خسارة مصادر الطاقة منها.

فلم تكشف الحرب عن ضعف وفساد الجيش الروسي أمام أبواب كييف، بل وكشفت عن جرائمه الشنيعة في بوتشا. وقد أحيت أوكرانيا النظام الليبرالي الذي مزقته حرب العراق والهزيمة في أفغانستان. وشجبت حوالي 140 دولة في الأمم المتحدة الغزو الروسي. ونظم بايدن قمة للديمقراطية وأعلن عن مشاريع بنى تحتية لمنفعة دول الجنوب وكجزء من تقاليد تعود إلى فرانكلين دي روزوفلت المعادية للإمبريالية وهاري ترومان المناصر لميثاق الأمم المتحدة (وقع عام 1945) ومحاولات كينيدي توثيق صلات مع دول عدم الانحياز.

 إلا أن السؤال المحير، كان عن سبب رؤية دول الجنوب أوكرانيا بطريقة مختلفة، فعندما طلب منها القيام بعمل عملي لدعم الحرب فيها، مثل فرض عقوبات، انخفض عدد الدول الداعمة إلى 90. وهز القادة أكتافهم وتصرفوا بلا مبالاة، وقال رئيس رواندا بول كاغامي “في حالتي يجب ألا أدعم طرفا، فليس لدي ما أساهم فيه بهذا النقاش، وهو بيد دول أخرى ولا يهمني”.

ومن الواضح أن بقية دول العالم لم تتعامل مع أوكرانيا، كحرب ضد الاستعمار، بقدر ما هي إقليمية داخل أوروبا تسببت بزيادة أسعار الطعام. وقال المحلل الكسندر خارا، من معهد استراتيجيات الدفاع في كييف “اعتقدنا أن غزو دولة ذات سيادة والخرق الواضح للقانون الدولي سيضع الدول بشكل أوتوماتيكي إلى جانبنا، وقللنا من التأثير الروسي في القارة الأفريقية”.

وفي محاضرة لانارت ميري، بالعاصمة الأستونية تالين، وضحت هيل أن بوتين استغل وبمهارة مشاعر الحنق الموجودة على الإمبراطورية الأمريكية التي تتلاشى “هذا تمرد على ما يرونه الهيمنة الجمعية للغرب للخطاب الدولي الذي فرض مشاكله على الجميع وتجاهل أولوياتهم بشأن التعويضات عن التغيرات المناخية والتنمية الاقتصادية والإعفاء من الديون، وتشعر البقية بأنها مهمشة عن شؤون العالم”.

وقال وزير شؤون الخارجية الهندي أس جيشنكار “في مكان ما من أوروبا يجب التخلي عن عقلية أن مشاكل أوروبا هي مشاكل العالم وليس العكس”.

وقدمت غزة تعزيزا لهذا الموقف، فرغم رفض إدارة بايدن للربط القانوني والأخلاقي بين تصرف إسرائيل وروسيا والتأكيد أن الرابط هو بين موسكو وحماس، حيث ارتكبتا جرائم حرب.

فالغزو الروسي وتدمير المدن الأوكرانية، ليس دفاعا عن النفس أو ردا على دخول قوات أوكرانية إلى الأراضي الروسية وقتل مشاركين في مهرجان، بل هو محاولة لتأكيد مجال التأثير الروسي.

 لكن عندما يتم لصق صور العمارات المدمرة في غزة على منصات التواصل الاجتماعي إلى جانب العمارات المحطمة في ماريوبول، فالصورة مختلفة، حيث يحضر للذهن موضوع التناسب في القصف الجوي. فالرد الإسرائيلي يشبه رد أمريكا على هجمات 9/11.

لكن الغرب وبشكل عام التزم الصمت حيال غزة، وباستثناءات قليلة مثل مسؤول السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي قال “أعتقد أن حرمان السكان المدنيين من الخدمات الأساسية- ماء وطعام ودواء وكل شيء- أمر يبدو وكأنه ضد القانون الدولي”. إلا أن ممثلة بريطانيا في الأمم المتحدة -والتي لم تكن أقل من 11 دولة في مجلس الأمن الدولي- والتي حثت إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي، لكنها تجنبت القول إن إسرائيل فشلت باتباعه.

وتجنب القادة الغربيون التعليق على مقتل أكثر من 18.000 مدني وإن كان خرقا للقانون الدولي، وتحدثوا بلغة مشروطة، وهي أنهم لا يستطيعون الحكم لأن المسؤولية هي للمحاكم. وقال مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان “لن نسارع إلى إصدار أحكام والتصرف كمحلفين وسط كل هذا”.

ومقارنة مع هذا، فقد قال وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري إن تدمير روسيا حلب عام 2016 “لم يكن متناسبا للقصف بهذه الطريقة، وهو بالمطلق ضد قوانين الحرب، وهو ضد اللياقة وهو ضد الأخلاقية العامة وثمنه باهظ”.

أو ما قاله بايدن في بولندا، بعد عام من الغزو الروسي لأوكرانيا “لقد ارتكبوا أعمالا فاحشة وجرائم ضد الإنسانية بدون خجل أو تأنيب ضمير، واستهدفوا المدنيين بالموت والدمار. واستخدموا الاغتصاب كسلاح حرب وسرقوا الأطفال الأوكرانيين في محاولة لسرقة مستقبل أوكرانيا، وقصفوا محطات القطارات ومستشفيات الولادة والمدارس ودور الأيتام”.

 كل هذا النشاط، حصل في غضون شهر أو شهرين من حرب أوكرانيا، وبالمقارنة، لم تر وزارة الخارجية أي داع لفحص داخلي بشأن ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة، مع أن القنابل التي تستخدم لقتل المدنيين جاءت من أمريكا، وقتلت مدنيين في غزة بغضون شهرين وأكثر مما قتل في أوكرانيا خلال عامين. ولم تر وزارة الخارجية وسط التقارير عن استخدام القنابل الغبية وتصريحات الرئيس عن مخاوفه من القصف الذي لا يميز ضد المدنيين، حاجة لفتح تحقيق رسمي في انتهاكات القانون الإنساني الدولي.

وبنظرة لردود الفعل العالمية على الموقف الأمريكي من غزة، فهناك إمكانية لأن تصبح واشنطن معروفة بالمعايير المزدوجة. وقال أودو جود إليو، من مركز النزاعات المدنية النيجيري، وهو واحد من عدد لا يحصى قدموا تحذيرات “نحن الآن أمام وضع أصبحت فيه هوية المعتدي وهوية الضحية تحدد الردود العالمية. ولا يمكن الحفاظ على إطار حماية عندما يتوفر الصك المفتوح”. وقال ماندلا مانديلا، حفيد نيلسون مانديلا “سئل المسؤولون الأمريكيون عن استخدام الجيش الإسرائيلي القوة التي لا تميز في غزة، وكان الرد: “لن نتحدث عن غارات بعينها”، لكن أليست هذه مسألة مبادئ، في ضوء الأسابيع الأخيرة والحروب السابقة في غزة”.

ونفس الردود المشابهة من وزير الخارجية المصري والرئيس البرازيلي ورئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم “طلب منا شجب العدوان في أوكرانيا، لكن البعض التزم بالصمت حيال المذابح التي ارتكبت ضد الفلسطينيين، فهذه لا تهم حسهم للعدالة والعطف”.

لكن إدارة بايدن المتعاطفة مع إسرائيل تلعب دور الأصم. وقال المتحدث باسم الأمن القومي جون كيربي “أذكر لي اسم دولة تعمل كما تفعل الولايات المتحدة لتخفيف معاناة أهل غزة”. مجيبا “لا تستطيع”. وصُور روبرت وود، نائب السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة وهو ينظر بدون اهتمام إلى هاتفه، في وقت ألقى فيه السفير الفلسطيني خطابا عاطفيا ومؤلما عن غزة. أو بايدن نفسه، الذي دافع بحرارة عن إسرائيل ثم اعترف بعد دقيقة أن القصف العشوائي يحدث.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي