"تجربة محكومة بالفشل".. لماذا لن تجلب خطط إسرائيل بإقامة منطقة عازلة في قطاع غزة الأمن لها؟

الامة برس-متابعات:
2023-12-04

لا يقدم التقرير تفاصيل حول الجوانب الفنية لهذه الخطة، لكن لا شك أنه بعد انتهاء الحرب على غز، سيظل القطاع مصدراً لتهديد إسرائيل حتى لو أقيمت "مناطق عازلة" (أ ف ب)

نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر مطلعة قولها إن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أبلغ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال زيارته لإسرائيل في 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بأن إسرائيل ستقيم "منطقة عازلة عميقة" داخل قطاع غزة في اليوم التالي للحرب وستتولى المراقبة الأمنية في القطاع. لكن الكاتب في صحيفة هآرتس الإسرائيلية تسفي باريل، يقول إن خطط نتنياهو تلك ستكون فاشلة ولن تجلب الأمن المزعوم لإسرائيل. كيف ذلك؟

ما الذي تفكر به حكومة نتنياهو؟

بالتزامن مع زيارة بلينكن، نقلت وكالة رويترز عن أوفير فولك مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للسياسة الخارجية قوله إن "خطة المنطقة العازلة تحمل تفاصيل أكثر مما ذكر. إنها تقوم على عملية من 3 مستويات لليوم التالي (للقضاء على) حماس" حسب تعبيره.

وفي معرض توضيحه لموقف الحكومة الإسرائيلية، قال إن "المستويات الثلاثة تشمل تدمير حماس ونزع سلاح غزة والقضاء على التطرف في القطاع". وأضاف: "المنطقة العازلة قد تكون جزءاً من عملية نزع السلاح". ورفض تقديم تفاصيل عندما سئل عما إذا كانت هذه الخطط قد أثيرت مع شركاء دوليين، منهم دول عربية.

كما نقلت رويترز عن مسؤول إسرائيلي لم تسمّه أن "دراسة فكرة المنطقة العازلة لا تزال مستمرة وليس من الواضح حالياً مدى عمقها، وأنها ربما تصل إلى كيلو متر واحد أو كيلو مترين اثنين أو مئات الأمتار داخل غزة".

يقول الكاتب في هآرتس تسفي باريل إنه لم يكن من الممكن أن يكون وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أكثر وضوحاً عندما قدم الخطوط العريضة التي تصر عليها الولايات المتحدة فيما يتعلق بالحرب في غزة. حيث تضمنت مبادئ الخطة الأمريكية "منع استخدام غزة كمنصة لشن هجمات أخرى ضد إسرائيل، لكن مع عدم التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، وعدم الانتقاص من الأراضي في القطاع والالتزام بإدارة الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية بطريقة موحدة".

لكن غزة لا تزال بمثابة قاعدة انطلاق للهجمات ضد إسرائيل ولا تزال الصواريخ تُرى في تل أبيب وغيرها من المدن الأخرى. ورغم أن بايدن نفسه مقتنع بأن القضاء على حماس "مهمة مشروعة"، لكنه يعترف بأنها "مهمة صعبة ولا يعرف كم من الوقت ستستغرق". أما بالنسبة لتقليص حجم قطاع غزة، فقد يكون ذلك مصدراً لمسار تصادمي آخر بين إسرائيل والإدارة الأمريكية، كما يقول الكاتب باريل.

وبحسب تقرير لوكالة رويترز، أبلغت إسرائيل عدة دول عربية في المنطقة، بما في ذلك الأردن والإمارات العربية المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية ومصر، أنها تعتزم إنشاء منطقة عازلة بين إسرائيل وغزة، بعد انتهاء الحرب.

ولم تعبر أي دولة عربية عن استعدادها لإدارة غزة في المستقبل، ونددت معظمها بشدة بالهجوم الإسرائيلي الذي أودى بحياة أكثر من 15 ألفاً ودمر مساحات واسعة من المناطق الحضرية في القطاع.

وقال مصدران أمنيان مصريان لرويترز إن إسرائيل طرحت خلال محادثات الوساطة مع مصر وقطر فكرة نزع الأسلحة من شمال غزة وإقامة منطقة عازلة في شمال القطاع تحت إشراف دولي. وأفادت المصادر بأن عدة دول عربية تعارض ذلك. وأضافت أن الدول العربية قد لا تعارض إقامة حاجز أمني بين الجانبين لكن هناك خلافاً حول موقعه.

ولا يقدم التقرير تفاصيل حول الجوانب الفنية لهذه الخطة، لكن لا شك أنه بعد انتهاء الحرب على غز، سيظل القطاع مصدراً لتهديد إسرائيل حتى لو أقيمت "مناطق عازلة" داخل القطاع، بحسب باريل.

خطط إسرائيل بإقامة مناطق عازلة في قطاع غزة لن تجلب لها الأمن

بحسب باريل، فإن "المناطق العازلة" أو "الشريط الأمني" ليس اختراعاً جديداً، لا في الشرق الأوسط ولا في مختلف أنحاء العالم. على سبيل المثال، أنشأت تركيا شريطاً أمنياً بينها وبين سوريا، إضافة إلى السياج الأمني ​​بين البلدين الذي تم بناؤه منذ سنوات، كما قامت مصر "بتطهير" منطقة بعمق ثلاثة كيلومترات على طول الحدود بين غزة وسيناء.

ولتحقيق خطتها الخاصة بالقطاع الأمني، دخلت تركيا مناطق في سوريا على طول الحدود، وأنشأت قواعد عسكرية تتمركز فيها القوات التركية، وتعمل بالتعاون مع مجموعات المعارضة السورية. لكن كل ذلك لم يوقف التهديدات الأمنية لتركيا بحسب أنقرة، لذلك تسعى إلى تعميق هذه المنطقة الأمنية إلى عمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية من أجل إبعاد المسلحين الأكراد إلى قلب سوريا، وبالتالي إنشاء منطقة أمنية دائمة تحميها إلى حد كبير من الهجمات الصاروخية. وليس فقط التوغلات الراجلة التي يقوم بها المسلحون الأكراد.

وعلى الرغم من الوجود العسكري التركي في المنطقة الأمنية، إلا أنها تحولت لساحة صراع عنيف شبه يومي بين القوات الكردية من جهة، والسوريين المعارضين والأتراك من جهة، حيث يحاول الجيش التركي بكل قوة إحباط أي هجمات كردية داخل تركيا أيضاً.

لكن بحسب باريل، تمتعت تركيا بهدوء أمني نسبي فقط عندما بدأت التفاوض مع قيادة حزب العمال الكردستاني في عام 2009، كجزء مما سماه أردوغان سياسة الانفتاح على الأكراد، والتي بموجبها تم التوصل إلى وقف إطلاق النار في عام 2013، واستمر حتى عام 2015.

التجربة في لبنان أيضاً خير دليل على فشلها

وتذكرنا خطط نتنياهو في غزة إلى حد كبير بالمنطقة الأمنية التي أنشأتها إسرائيل داخل لبنان، والتي أصبحت ساحة قتال مستمرة بين إسرائيل وحزب الله بعد إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.

وكان من المفترض أن ينشئ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي أنهى حرب لبنان الثانية، منطقة أمنية جديدة بين جنوب لبنان والاحتلال الإسرائيلي، لكن المجتمع الدولي حوله بمساعدة قوة الأمم المتحدة، إلى منطقة آمنة تم تطبيقها نظرياً في أحسن الأحوال، وفي النهاية اضطرت إسرائيل إلى مغادرة جنوب لبنان مع احتلال مزارع شبعا حتى الآن.

أما المنطقة المصرية العازلة في رفح، التي بدأ بناؤها عام 2015، لا تشمل أراضي قطاع غزة. ومن ناحية أخرى، فهي أجبرت بالقوة عشرات الآلاف من المواطنين المصريين على ترك منازلهم على طول القطاع، والتوجه نحو سيناء، وأغلبهم إلى مدينة العريش وضواحيها. واقتلعت آلاف الأشجار، ودُمرت المزارع، وهُدمت المنازل، وتحطمت البنية التحتية لإعداد "المنطقة النظيفة" التي يريدها السيسي.

وإلى جانب ذلك، دمرت مصر آلاف الأنفاق التي تربط قطاع غزة وسيناء، والتي كانت بمثابة طرق تهريب للأسلحة والذخائر لحماس وفصائل المقاومة، ولكن أيضاً للنقل الجماعي للسلع المدنية والتجارة في كلا الاتجاهين من الحدود. وتعتبر المنطقة الأمنية المصرية فعالة بنظر باريل، لكن المنطقة الأمنية المصرية لها أهداف مختلفة، حيث لم تتعرض مصر لهجوم بالصواريخ أو إطلاق النار من قطاع غزة، وكان الهدف الكامل للمنطقة الأمنية هو منع إضعاف المسلحين في سيناء ومنع أي احتمال لتنقلهم في المنطقة بما يشمل ذلك غزة.

الجيش الإسرائيلي سيصبح هدفاً مباشراً

في النهاية، يرى باريل حتى لو تم القضاء على حماس افتراضاً في مرحلة ما، فإن المنطقة العازلة الجديدة لن تكون قادرة على توفير الأمن لإسرائيل، دون ترتيبات أمنية مع أي إدارة فلسطينية يتم تشكيلها في غزة مشابهة لتلك التي في الضفة، والتي من شأنها أن تساعد أيضاً في وقف التصعيد وشن العمليات على إسرائيل.

وخلافاً لسيناء أو سوريا، التي يسمح عمقها الإقليمي بحركة المدنيين إلى الداخل، فإن قطاع غزة عبارة عن قفص مغلق. وأي قطعة أرض يتم تحويلها إلى منطقة أمنية سوف يصاحبها اقتلاع آلاف السكان، الذين سيتجمعون بشكل أكثر صرامة لرفض ذلك في منطقة هي بالفعل من بين أكثر المناطق ازدحاماً في العالم.

وبشكل عام، فإن النتيجة المتوقعة للخطط الإسرائيلية لا تتطلب أي تخمينات. قد يظن نتنياهو أن المناطق المحيطة بمنطقة حدود غزة أكثر أماناً، لكن في المنطقة "منزوعة السلاح" أو العازلة، سيصبح الجيش الإسرائيلي هدفاً مباشراً للهجمات المسلحة، وسيعود الوضع في القطاع إلى ما كان عليه قبل عام 2005 وستكون معضلة كبيرة لدى إسرائيل تعيدها للمربع الأول.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي