هل يتعين على أمريكا الدفاع عن تايوان أم التخلي عنها؟

د ب أ- الأمة برس
2022-06-04

رغم أن بكين تفضل استعادة تايوان سلميا، فهي لم تتخل أبدا عن التلويح باستخدام القوة (أ ف ب)

واشنطن: أثار تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرا بالدفاع عن تايوان الجدل مجددا بشأن موقف أمريكا حال تعرضت الجزيرة لغزو صيني. وقال بايدن في معرض إجابته على سؤال بشأن ما إذا كان سيتدخل عسكريا للدفاع عن تايوان: "هذا هو الالتزام الذي قطعناه على أنفسنا".

وترى لامي كيم، الأستاذ المساعد ومديرة برنامج الدراسات الأسيوية في إدارة الأمن القومي والاستراتيجية بالكلية الحربية للجيش الأمريكي، في تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية، أن تصريح بايدن يتناقض مع "استراتيجية الغموض"، أي سياسة أمريكا تجاه تايوان على مدار عقود.

وتقول كيم، وهي دبلوماسية كورية جنوبية سابقة، إن الغموض الذي تتسم به السياسة الأمريكية تجاه تايوان يهدف إلى الحفاظ على الموقف الراهن، عن طريق كبح الحماس بشأن استقلال الجزيرة، وردع أي غزو صيني محتمل.

وترى كيم أن "الغموض الاستراتيجي" قد لا يستمر طويلا كسياسة قابلة للدوام، في ظل تأكيد بكين المتنامي لادعاءاتها حيال تايوان. ولطالما كانت إعادة تايوان للبر الرئيسي الصيني هدفا لبكين، التي صعدت من الضغوط على الجزيرة منذ انتخاب تسي إنج-ون، الزعيمة المؤيدة للاستقلال من "الحزب الديمقراطي التقدمي" رئيسة للبلاد في عام 2016. وشملت هذه الضغوط تعزيز وتيرة التدريبات العسكرية بالقرب من تايوان.

ورغم أن بكين تفضل استعادة تايوان سلميا، فهي لم تتخل أبدا عن التلويح باستخدام القوة. وقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينج إن بلاده تحتفظ "بخيار استخدام جميع الوسائل الضرورية" لإعادة التوحيد.

وبحسب التحليل، يعتقد كثيرون أن الصين ستسعى إلى إعادة ضم تايوان للبر الرئيسي بحلول عام 2049، الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، على أقصى تقدير. ويحذر آخرون من أن هذا قد يحدث في عام 2027، بناء على التاريخ المستهدف الذي تأمل فيه بكين بأن تحقق القدرة على مواجهة تدخل الولايات المتحدة في المحيط الهادئ.

ويعني هذا بالنسبة للسياسة الأمريكية أن الوقت سيأتي في نهاية المطاف لتقرر واشنطن ما إذا كانت ستدافع عن تايوان حال غزتها الصين. وثمة خلافات بين الخبراء، وانقسام بين الشعب الأمريكي في هذا الشأن. وبحسب استطلاع أعده مجلس شيكاغو في عام 2021، أعرب 52% من المشاركين عن تأييدهم لإرسال قوات أمريكية للدفاع عن تايوان، مقابل 40% في استطلاع مماثل جرى في 2020.

وتقول كيم إنه من أجل تحديد هل الدفاع عن تايوان سيكون سياسة أمريكية صائبة، يتعين توضيح المخاطر التي تحيط بهذا الأمر.

وأوضحت أن السياسة الخارجية الذكية لأي دولة تستند إلى فهم واضح لمصالحها. فهل تشكل تايوان مصلحة حيوية، أم هامشية، لأمريكا؟ وهل تمثل الجزيرة أهمية لواشنطن؟ وإذا كان الأمر كذلك يبقى السؤال: لماذا؟

وليس هناك ثمة اتفاق في هذا الشأن، فالبعض يرى أن تايوان في حد ذاتها، لا تمثل مصلحة حيوية أمريكية، ولكن أي غزو صيني للجزيرة سوف يكون "انتهاكا كبيرا للأعراف الدولية، وبالتالي يصبح الأمر مصلحة حيوية لأمريكا". ويرى آخرون أن الدفاع عن تايوان له دلالة اقتصادية بالنظر إلى أهمية الجزيرة فيما يتعلق بسلاسل الإمداد العالمية، خاصة في صناعة أشباه الموصلات، حيث توفر الجزيرة حوالي 92% من إنتاج العالم من الرقائق أقل من 10 نانومتر. ورغم ذلك، هناك من لا يرى لتايوان قيمة استراتيجية.

وتكمن حقيقة الأمر في أن مصلحة الولايات المتحدة في تايوان أعلى بشكل كبير مما يعتقد كثيرون: حيث يتعلق الأمر بتفوق أمريكا في غرب المحيط الهادئ. فإذا سقطت تايوان، سقط تفوق أمريكا في المنطقة، وهو ما يعني ضعف مكانة الولايات المتحدة عالميا.

وترى كيم أن احتلال تايوان من شأنه أن يسمح للصين باختراق ما يعرف باسم "سلسلة الجزيرة الأولى"، التي تمتد عبر جزر الكوريل، واليابان، وأكيناوا، وتايوان والفلبين.

وفي إطار الصراع بين الصين- التي تسعى إلى إخراج أمريكا من منطقة أسيا والمحيط الهادئ وضمان "مكانها الصحيح" في المحيط الشاسع، وأمريكا التي تحاول احتواء توسع الصين- تشكل سلسلة الجزر الأولى خط الدفاع، أو الهجوم، لكل جانب. وتقع تايوان في القلب من هذه السلسلة، وهناك قناتان قريبتان منها- قناة باشي إلى الجنوب، وقناة مياكو إلى الشمال- وهما تشكلان حاليا نقطتي اختناق للصين. وحال سيطرت الصين على تايوان، ستصبح القناتان مدخلين لبكين إلى المحيط الهادئ. وهذا هو السبب لماذا قد تصبح تايوان نقطة الصراع حال اندلاع صراع بين أمريكا والصين.

كما أن إعادة تايوان إلى البر الرئيسي، من شأنه أن يساعد الصين في اقتطاع دائرة نفوذ في أسيا. وإذا ما اخفقت واشنطن في الدفاع عن تايوان، فسوف تتبدد مصداقية أمريكا كحليف يعتمد عليه، وهو ما يترك دول المنطقة أمام خيار اللحاق بركب الصين، الشريك الاقتصادي الأكبر لهذه الدول.

وتقول كيم إنه بمجرد أن تخرج الصين أمريكا من أسيا وتصنع لنفسها منطقة نفوذ استراتيجي، سوف تشكل تهديدا أكثر مباشرة للولايات المتحدة. ويرى البعض أن طموحات الصين إقليمية وليست عالمية، مما يسمح بالتعايش بين الصين وأمريكا عبر احترام كل طرف مجال نفوذ الآخر.

ولكن من الصعب تحديد نوايا أي دولة. وحتى لو كان ذلك ممكنا، فإن هذه النوايا قد تتغير بمرور الوقت. فالولايات المتحدة لم تعتزم أن تصبح قوة عالمية مهيمنة لدى صعودها، ولكن هذا ما حدث بالفعل. وقد ينتهي الأمر بالصين كذلك أيضا، لتشكل تهديدا مباشرا للأراضي الأمريكية، والوضع العالمي للبلاد.

ولذلك، فعند مناقشة مسألة دفاع أمريكا عن تايوان، أو التخلي عنها، يتعين في الحقيقة مناقشة هل يجب على واشنطن السعي للحفاظ على تفوقها غربي المحيط الهادئ، وما وراءه.

وقد يعتقد البعض أن الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة يشكل مصلحة حيوية لأمريكا، حتى لا تصبح الصين تهديدا أكبر، كما أن أي هيمنة صينية على الساحة العالمية من شأنها أن تهدد النظام العالمي القائم على القواعد، وهو أمر يمثل مصلحة حيوية لأمريكا.

وتقول كيم في ختام تحليلها إن هناك من يعتقد أن من الحكمة الاستغناء عن التفوق الأمريكي، حيث إن الحفاظ عليه مسألة تكتنفها المخاطر. ومن المرجح أن يؤدي الدفاع عن تايوان ضد عدوان صيني، إلى خسائر بشرية كبيرة ضمن صفوف الأمريكيين في ضوء القوة العسكرية المتنامية للصين. والسيناريو الأسوأ، هو أن تتصاعد المواجهة العسكرية بين القوتين النوويتين إلى كارثة نووية.

وتؤكد كيم أن الدفاع عن تايوان، أو التخلي عن الجزيرة، هو قرار سيتعين على القادة الأمريكييين اتخاذه. وعندما يفعلون ذلك، عليهم استيعاب المخاطر التي تكتنف الوضع.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي