هل تريد ألمانيا تنفيذ خطة إعادة التسلح فعلًا؟

2022-04-15

طائرة "يوروفايتر" تابعة لسلاح الجو الألماني في قاعدة جوية غرب ألمانيا بتاريخ 20 آب/اغسطس 2020 (ا ف ب) 

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تقريرًا لكاترين بنهولد، مديرة مكتب الصحيفة الأمريكية في برلين، وستيفن إيرلاتنجز، كبير المراسلين الدبلوماسيين في أوروبا، حول التراجع الألماني عن الاندفاع الأولي الذي واكب بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، والذي شهد تخصيص مبالغ كبيرة لتسليح الجيش الألماني، وإعلان الدعم غير المحدود لأوكرانيا.

ويستهل الكاتبان تقريرهما بالقول: فاجأ المستشار الألماني أولاف شولتز العالم وبلده عندما رد على الغزو الروسي لأوكرانيا بخطة تبلغ قيمتها 100 مليار يورو لتسليح ألمانيا، وإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وإنهاء اعتماد بلاده العميق على الطاقة الروسية. لقد كان هذا أكبر تحول في السياسة الخارجية لألمانيا منذ الحرب الباردة، وهو ما أطلق عليه شولتز تسايتنويندي (Zeitenwende)؛ أي نقطة تحول – وهو تغيير تاريخي – نال استحسانًا لقيادته في الداخل والخارج.

ألمانيا لا تقود.. لكنها تُجَر

واستدرك كاتبا التقرير قائلَيْن: لكن بعد ستة أسابيع، حتى مع ظهور صور الفظائع من أوكرانيا منذ غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استبعد شولتز فرض حظر فوري على النفط والغاز، قائلًا إنه سيكون مكلفًا للغاية. إنه يتباطأ في إرسال 100 عربة مدرعة إلى أوكرانيا، قائلًا إن ألمانيا يجب ألا «تندفع إلى الأمام». وهناك نقاشات جديدة في الائتلاف الحاكم حول كيفية المضي قدمًا. وبدأت الشكوك بالفعل تتراكم حول التزام الحكومة الألمانية بخططها. وقال توماس باجر، الدبلوماسي الألماني البارز: إن «تسايتنويندي حقيقية، لكن البلد هو نفسه».

وتذهب التغييرات التي أعلن عنها شولتز إلى أبعد بكثير من التزامه بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الجيش – حوالي 70 مليار يورو سنويًّا، مقارنةً بـ41 مليار يورو في فرنسا. إن التغيرات تمسُّ قلب هوية ألمانيا بعد الحرب باعتبارها دولة مصدِّرة سلمية – وتصل إلى قلب نموذج الأعمال الذي أثرى ألمانيا وجعلها أكبر وأقوى اقتصاد في أوروبا.

تقول كلوديا ميجور، خبيرة الدفاع في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية: إن الألمان مطالبون الآن «بإعادة التفكير في كل شيء – نهجنا في ممارسة الأعمال التجارية، وسياسة الطاقة، والدفاع، وروسيا. إننا بحاجة إلى تغيير في طريقة التفكير، وبحاجة إلى الاعتراف بأن الأمر يتعلق بنا – وأن سياسات القوة عادت ويجب على ألمانيا أن تلعب دورًا». لكنها أضافت: «ومرةً أخرى ألمانيا لا تقود، لكنها تُجَر».

ماذا تريد ألمانيا كي تتحرك؟

ويرى الكاتبان أن إعادة توجيه الألمان حقًا نحو عالم جديد حيث للأمن تكاليفه الحقيقية – ليس فقط من حيث الخسائر المحتملة في الأرواح، ولكن أيضًا في التجارة الضائعة، وأسعار الطاقة المرتفعة، والأرباح الأقل، والنمو الاقتصادي المنخفض – سيكون مسعىً مؤلمًا يستغرق وقتًا، ربما يصل إلى جيل كامل، وأكبر من مجرد تصريح سياسي يصدر في الظهيرة.

وبدأ هذا الإدراك يقترب من وجهة نظر الألمان وشركائهم الأوروبيين المحبطين؛ يقول أندريه ميلنيك، سفير أوكرانيا في برلين، مشيرًا إلى الفظائع في أوكرانيا: «لا أفهم كيف يمكن لأي شخص في ألمانيا أن ينام ليلًا بعد رؤية أهوال مثل هذه دون فعل أي شيء حيال ذلك. ما الذي يجب أن يحدث كي تتحرك ألمانيا؟».

حتى أنالينا بربوك، وزيرة خارجية حزب الخضر، أعربت عن مخاوفها من أن تكون «تسايتنويندي» (نقطة التحول) مؤقتة أكثر من كونها أساسية. وقالت إنها قلقة من هشاشة توافق الآراء، وأن الألمان الذين يفضِّلون علاقات وثيقة مع روسيا صامتون الآن، لكنهم لم يغيروا آراءهم.

وقالت في مقابلة: «يمكنك أن تشعر بهذا. إنهم يعلمون أن عليهم فعل ذلك الآن فيما يتعلق بالعقوبات واستقلال الطاقة وتسليم الأسلحة، وكذلك فيما يتعلق بكيفية تعاملنا مع روسيا، لكن في الواقع هم لا يحبِّون ذلك». ومنذ طرح شولتز خطة «تسايتنويندي» أمام جلسة خاصة للبرلمان في 27 فبراير (شباط) بدأت تظهر تصدعات متعددة في التزام ألمانيا بالتغيير.

التغيير 180 درجة في السياسة الخارجية لا يلقى قبولًا

يلمح التقرير إلى أن مشاهير الألمان احتلوا عناوين الصحف بمناشدة الحكومة ضد إعادة التسلح و«التغيير 180 درجة في السياسة الخارجية الألمانية» والتي وقَّعها حتى الآن 45 ألف شخص. وضغط المشرِّعون الخضر من أجل إنفاق جزء فقط من مبلغ الـ100 مليار يورو على الجيش، مشيرين إلى احتياجات أخرى، مثل «الأمن البشري»، وتغير المناخ. وتحذِّر النقابات العمالية ورؤساء الصناعة من أضرار كارثية للاقتصاد، وركود فوري إذا توقف الغاز الروسي عن التدفق.

وكما قال الرئيس التنفيذي لشركة الكيماويات العملاقة الألمانية «بي إيه إس إف» مايكل هاينز، الأسبوع الماضي: «كانت الطاقة الروسية الرخيصة أساس القدرة التنافسية لصناعتنا». لقد كانت الطاقة الروسية في الواقع أساس الاقتصاد الألماني. والآن بعد أن واجهت الشركات الألمانية إمكانية أن يُطلب منها الاستغناء عن الطاقة الروسية تتصاعد المقاومة بهدوء. ويقول وزراء الحكومة إن قادة الأعمال يسألونهم بتكتم متى ستعود الأمور إلى طبيعتها. ومنذ سقوط جدار برلين، وإعادة توحيد ألمانيا، كان العمل الطبيعي يعني إلى حد كبير «التغيير من خلال التجارة» – الاقتناع بأن الاعتماد الاقتصادي المتبادل من شأنه أن يغير الحكومات الاستبدادية مثل روسيا والصين للأفضل، ويساعد في الحفاظ على السلام.

إن الارتباط بروسيا معقد تعقيدًا من نوع خاص بسبب التاريخ الطويل والمعقد للحرب الساخنة والباردة، بما في ذلك الشعور بالذنب تجاه ملايين الروس الذين قُتِلوا على يد النازيين. وعزَّز هذا الاعتقاد بأن الهيكل الأمني ​​لأوروبا يجب أن يشمل روسيا ويأخذ في الاعتبار المصالح الروسية. لقد كان نموذجًا أتى ثماره جيدًا لألمانيا أيضًا.

يقول رالف بولمان، كاتب سيرة أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية السابقة الذي يُنظر إليها الآن على أنها حمَتْ الألمان من عالم متنافس، لكنها لم تُعِدّهم له: «نحن نصدر إلى الصين ونستورد الغاز الرخيص من روسيا، كانت هذه هي الوصفة لنجاح الصادرات الألمانية».

شتاينماير يشعر بخيبة الأمل

ينوِّه التقرير إلى أن قلة في ألمانيا، بما في ذلك أجهزة المخابرات، توقَّعوا أن يغزو بوتين دولة أوروبية ذات سيادة. لكن الحرب أطلقت دائرة من البحث عن الذات، حتى بين السياسيين البارزين مثل فرانك فالتر شتاينماير، وزير الخارجية السابق والرئيس الفيدرالي الآن.

كان عضوًا بارزًا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وكان مؤيدًا بارزًا لخط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم 2، الذي توقَّف الآن، والذي عارضته واشنطن. يقول شتاينماير بعد أن اتهمه السيد ميلنيك، السفير الأوكراني، بتمكين السيد بوتين: «كنا نتشبث بفكرة بناء الجسور مع روسيا التي حذرنا شركاؤنا منها. ولكننا فشلنا في بناء أوروبا مشتركة، وفشلنا في دمج روسيا في هيكلنا الأمني. وكنتُ مخطئًا». وفي أعقاب خطاب «تنقطة التحول»، بدا أن هناك عزمًا أكيدًا على التصرف تصرفًا حاسمًا.

وقد وقفت الأحزاب الثلاثة المتنوعة في ائتلاف شولتز وراءه، كما جرى نسيان الانقسامات الحزبية مع المعارضة المحافِظة لفترة وجيزة. وعكسَ الرأي العام هذا التحوُّل، إذ حاز المستشار الجديد على تقييمات شعبية أفضل.

ولكن في وقت قصير يبدو أن اتساع نطاق التغيير الذي أعلنه شولتز قد أرهب حتى ائتلافه المكون من ثلاثة أحزاب. قالت جانا بوجليرين، مديرة مكتب برلين للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «اتَّخذت الحكومة بعض القرارات الشجاعة، لكنها قد تبدو خائفة من شجاعتها». وهناك شك في أن المؤسسة السياسية مستعدة للانفصال عن موسكو بالأساس، أو أن الناخبين الألمان سيدفعون كثيرًا، وهم سعداء مقابل الطاقة والغذاء في المستقبل المنظور.

تحطُّم أوهام ألمانيا

ينقل التقرير قول جون كورنبلوم، السفير الأمريكي السابق لدى ألمانيا قوله: «النزعة السلمية الألمانية عميقة جدًّا. وربما تحطمت الأوهام الألمانية، لكن ليس صدماتها بشأن روسيا والحرب». وقال إن تلك «العلاقة العصابية مع روسيا قد تكون متوقفة مؤقتًا في الوقت الحالي، لكنها ستعود بكامل قوتها بمجرد توقف إطلاق النار».

وقال نيلس شميد، المتحدث باسم السياسة الخارجية في البرلمان عن الديمقراطيين الاشتراكيين، إن موقف ألمانيا الناعم تجاه روسيا «يعكس المجتمع الألماني، وما سيبقى هو فكرة أن روسيا موجودة وجزء من أوروبا، وسيتعين علينا التعامل مع ذلك». وقال إن الحرب في أوكرانيا تسبَّبت في «تحطم الآمال» في وجود أوروبا موحَّدة سلمية، التي اشترك فيها جيله عام 1989. لكنه أشار إلى أنه في ظل هذه الحرب، «لا يمكن أن تكون هناك عودة إلى العمل كالمعتاد. ولا أحد يريد حقًا العودة إلى سالف العهد من التعامل مع روسيا».

ردع أكثر وحوار أقل

ومع ذلك، بحسب ما يضيف نيلس شميد: «لا ينبغي لنا أن نبالغ في ذلك. وسيتحول الميزان إلى مزيد من الردع وتقليل الحوار. لكن يجب أن نحافظ على بعض الحوار».

ولدى جانا بوجليرين قليل من الصبر حيال مثل هذه الحجج، حيث تقول: «يحتاج الناس إلى ترك هذه الأفكار القديمة تذهب والتكيف مع الواقع كما هو، وليس كما يريدون أن يكون. لقد أظهرت روسيا أنها لا تريد علاقة مستقرة بشأن هذا النظام الأمني ​​القائم، والذي أصبح الآن مصادفة فارغة».

وجادل المشرع المحافظ البارز، نوربرت روتجن، بأن ألمانيا يجب أن تنفصل انفصالًا كاملًا وفوريًّا عن روسيا، موضحًا: «عادت الحرب إلى أوروبا، حرب ستؤثر على النظام السياسي والأمني ​​للقارة». وقال روتجن إنه يجب على ألمانيا أيضًا أن تستفيد من دروس اعتمادها على روسيا في علاقتها المستقبلية مع العالم الاستبدادي الأقوى في الصين، والذي تعتمد عليه القطاعات الرئيسة للنموذج الألماني القائم على التصدير.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي