الموسيقى.. من أهم الفنون التي ترصد الحياة

2021-11-25

عاطف محمد عبد المجيد

مثلما لكل جنس من الكائنات لغة تتواصل بها وتتفاهم في ما بينها، فإن لكل فنٍّ لغة يتحدث بها ويبث أفكاره ومعانيه ومفرداته إلى مريديه. غير أن هذه اللغة ليست متاحة لأن يفهمها الجميع، بل يستوعبها فقط من تتلمذوا في مدرسته وظلوا في محرابه لسنوات حتى يغدق عليهم من أسراره ونفحاته، ويفك لهم شيفرته، ويُمكّنهم من التماهي معه والانجذاب إليه، وكذلك التحليق في فضاءاته التي لا حصر لها. وإذا كان ثمة تسليم بأن بعض الفنون لا يمكن للجميع أن يتعاطى معها مدركا مغزاها وفحواها، ولا يتمكن من سبْر أغوارها سوى نخبة معينة، امتلكت مفاتيح مدينتها، فإن ثمة تسليم بأن الموسيقى فنٌّ يَسْهُلُ على كثيرين فكُّ رموزه والتواصل الفعال معه، في الوقت الذي قد يجد هؤلاء صعوبة في التعامل مع فنون أخرى كالأدب أو الفنون التشكيلية، خاصة في مراحلها الما بعد حداثية.

الموسيقى الماكارونية

في كتابها «دراسات في النقد الموسيقي» الصادر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ترى ياسمين فراج أن دراسات الفنون مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنقد الاجتماعي، فتحليل الفنون ونقدها نقدا موضوعيّا يُفصح عن نوعية المجتمع الذي أنتج هذه الفنون ونوعية المتلقي أيضا، كما يفصح عن سمات المجتعات في الفترة الزمنية التي أُنتج فيها العمل الفني.

في كتابها هذا تطلعنا فراج على خمس دراسات موسيقية هي على الترتيب: الموسيقى الماكارونية، الأغنية الجهادية عند التنظيمات الإرهابية، توظيف الصوت البشري في الموسيقى الآلية لدراما الشاشات، الموسيقى الأمازيغية بين مصر والمغرب العربي، الماسونية وتأثيرها في الحركة الموسيقية العالمية. في هذه الدراسات استخدمت المؤلفة طرق تحليل مختلفة، محاولة من خلالها كسر أنماط التحليل الموسيقي التقليدي المتعارف عليه، مقتربة من حقول معرفية أخرى كاللغة وعلم الاجتماع، في محاولة لتقديم دراسات بينية بين الموسيقى والنقد وعلوم أخرى.

في حديثها عن الموسيقى الماكارونية تقول الكاتبة، إن الموسيقى والغناء هما أداة مهمة من أدوات الثقافة في أي بلد كان، وعندما نتحدث عن الثقافة فنحن نتحدث عن سياسات إقليمية أو دولية، لأن ما هو سياسي يتبع ما هو ثقافي، مؤكدة أن انحياز الأنظمة السياسية لاتجاه ثقافي بعينه هو الذي يحدد شكل المجتمع ومستقبله، وبناء على ذلك فإننا عندما نتحدث عن الموسيقى والغناء فإننا نتحدث عن سياق سياسي ومجتمعي، انعكست صورته على فنونه خاصة موسيقاه وأغنياته. فراج تقول هنا إن الأغنية هي عمل فني ينتج عن امتزاج نصين مع بعضهما، هما النص الشعري والنص الموسيقي يكملهما صوت يشدو به فنان موهوب، أو يؤديه أي شخص. ومما لا شك فيه، تقول فراج، إن لكل من النصين الشعري والموسيقي لغة تكشف عن بنية المجتمع وكوامن العقل البشري في رقعة جغرافية بعينها، أو بشكل عام. وقد أوجدت الثورة الصناعية، على حد ذكر الكاتبة، اختراعات عديدة ساهمت في نشر الغناء والموسيقى وتطورها منها، المذياع والتلفزيون والكمبيوتر. ومتحدثة عن الماكارونية تقول المؤلفة، إن المواطن العولمي بلغته وأدواته بات يقدم أنواعا جديدة من الموسيقى والغناء، موسيقى تجمع بين أصوات مصنعة وأصوات آلات أو بشر حية، إيقاعات محلية وأخرى عالمية آتية من بلدان وقارات مختلفة، وأغنيات تجمع كلماتها بين اللغة المحلية واللغات الأجنبية والهجينة، التي تستخدم فيها حروف لاتينية دون أن يكون لها معنى لغوي. هنا تضيف الكاتبة لنا معلومة تقول، إن الإرهاصات الأولى للموسيقى الماكارونية كانت مع انتقال المقام الخماسي من افريقيا إلى أمريكا عن طريق المزارعين من ذوي الأصول الافريقية الذين كانوا يتغنون أثناء العمل في حقول القطن.

توظيف الصوت

حين تتحدث الكاتبة عن توظيف الصوت البشري في الموسيقى تقول، إن الموسيقى عنصر من أهم عناصر العمل الدرامي كالمسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي الروائي، وقد اتفقت آراء النقاد مع المؤلفين الموسيقيين في أن الموسيقى ذات تأثير عظيم جدّا في استجابتنا إذ تثري وتعزز رد فعلنا الشامل لأي فيلم تقريبا. الموسيقى تحقق ذلك، نقلا عن جوزيف م. يوجز، بعدة طرق منها، تدعيم أو تقوية المحتوى العاطفي للصورة، استثارة الخيال والحس الحركي، الإيحاء أو تفسير العواطف التي يصعب نقلها بالصورة وحدها. فراج تقول هنا أيضا، إن الصوت البشري في حد ذاته مادة تتحول إلى لغة لها دلالاتها السيميولوجية، التي يستطيع المتلقي استقبالها وتفسيرها.

هنا أيضا تذكر الكاتبة أن العلاقة بين السلالات البشرية والفنون من الموضوعات المهمة التي تسترعي الانتباه، والموسيقى واحدة من أهم الفنون التي ترصد الحياة الاجتماعية للسلالات والأعراق البشرية بدقة، من خلال ما يغنونه ويعزفونه.

كاتب مصري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي