تصعيد ورسائل و"زلة لسان".. ما المتوقع من لقاء بوتين وإردوغان؟

2021-09-24

بوتين واردوغان

ضياء عودة-إسطنبول: منذ أكثر من شهر لم تغادر الطائرات الحربية الروسية أجواء محافظة إدلب، مستهدفة جميع أريافها وخاصة الجنوبية المعروفة باسم "جبل الزاوية"، في تصعيدٍ يراه محللون بأنه يحمل "رسائل ضغط" قبل اللقاء المرتقب بين الرئيسين التركي والروسي رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين.

في مقابل هذا المشهد وبينما تحافظ القوات التركية المنتشرة في المحافظة على "عدم الرد" تخرج تصريحات "ذات دلالات" من طرف إردوغان، حيث قال في مؤتمر صحفي بعد صلاة الجمعة إن "نظام الأسد يشكل تهديدا لتركيا من حدودها الجنوبية"، متوقعا أن يفعل بوتين "شيئا حيال ذلك".

وأضاف بحسب وسائل إعلام حكومية: "أتوقع مقاربات مختلفة من السيد بوتين، أو بالأحرى روسيا، كشرط لتضامننا. نحن بحاجة إلى خوض هذا النضال معا في الجنوب"، في إشارة منه إلى حدود بلاده الجنوبية.

واللقاء المقرر عقده بين الرئيسين في التاسع والعشرين من سبتمبر الحالي، هو الأول من نوعه، منذ الاجتماع الأخير في مارس عام 2020.

واتفق الطرفان في ذلك الوقت على وقف لإطلاق النار في محافظة إدلب السورية على طول خط المواجهة ما بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري، على أن يتبع ذلك إقامة "ممر أمني" على بعد ست كيلومترات شمال وستة كيلومترات جنوب الطريق الدولي السريع الرئيسي في إدلب "أم 4".

ويربط الطريق المذكور المدن التي يسيطر عليها النظام السوري في حلب واللاذقية، وكان قد شهد لعدة أشهر تسيير دوريات روسية - تركية، لكن سرعان ما توقفت، وسط تضارب الروايات ما بين موسكو وأنقرة عن سبب ذلك.

"ملفات متداخلة"

تتداخل المصالح الروسية - التركية في عدة ملفات إقليمية ودولية، من بينها الملفين السوري والليبي، بالإضافة إلى ملفات تصدرت الواجهة مؤخرا وتركّزت الأنظار عليها، أولا أثناء الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، وصولا إلى التطورات المتعلقة بملفي أوكرانيا وبولندا.

ويسير الطرفان أيضا في صفقة لشراء منظومة الصواريخ الروسية  "s400"، والتي كانت وما زالت حجر عثرة في طريق العلاقات بين تركيا وحليفتها في "الناتو" الولايات المتحدة الأميركية.

وهناك تقاطع اقتصادي كبير أيضا، يتعلق بجزء كبير منه باتفاق مشروع خط الغاز الطبيعي "السيل التركي"، لنقل الغاز الروسي إلى أوروبيا عبر تركيا، وهو الذي يركّز عليه الساسة الأتراك والروس بشكل كبير، ويتداول ذكره كثيرا إردوغان وبوتين.

ورغم غياب التفاصيل الواضحة لما سيخرج منه لقاء الرئيسين في الأيام المقبلة، إلا أن التوقعات تشير إلى أنهما سيبحثان بشكل رئيسي الملف السوري، والتطورات المتعلقة بإدلب السورية، وهو ما أشارت إليه التصريحات الرسمية، في الأيام الماضية.

ونقلت وكالة "الأناضول" شبه الرسمية الخميس عن إردوغان قوله إنه سيعقد مع بوتين لقاء ثنائيا "ذا أهمية بالغة، دون اجتماع وفدي البلدين".

وأوضح في هذا الصدد: "لقائي مع بوتين سيكون ثنائيا دون وجود شخص ثالث، ولن يقتصر على الأوضاع في إدلب، بل سنناقش عموم الأوضاع في سوريا، والخطوات التي سنقدم عليها في هذا البلد، والعلاقات الثنائية أيضا".

"ترحيل ولا حل نهائي"

ويستبعد مدير "معهد إسطنبول للفكر"، باكير أتاجان أن يتوصل بوتين وإردوغان إلى حل نهائي بشأن محافظة إدلب، ويقول: "الخريطة الجديدة لا بد منها، لكن سيتخلل رسمها بعض الضرب والقصف من جانب الجيش النظامي السوري وفصائل الجيش الحر".

ويضيف أتاجان في تصريحات لموقع "الحرة": "أن يكون هناك شيء من الاستقرار وحل كامل فهو أمر ليس متوقعا. الطرفان يريدان تهدئة الموقف لأنهما بحاجة بعضهما البعض، ولذلك سيجدون حلا مؤقتا".

ويشير ذات المتحدث المقرب من "حزب العدالة والتنمية" الحاكم إلى أن النظام السوري سبق وأن طالب بانسحاب تركيا من الأراضي السورية، "وهذا ليس ممكنا في الوقت الحاضر، لأن دخول أنقرة يأتي بموجب اتفاقية أضنة".

ويوضح: "سوف يكون هناك حل وسط ومؤقت لتأجيل النزاع إلى مرحلة لاحقة".

وكانت روسيا قد أبدت استعدادها، في أكتوبر عام 2019 لدعم إدخال أي تعديلات على الاتفاقية المذكورة، والموقعة بين دمشق وأنقرة، والخاصة بالحدود الشمالية لسوريا، في عام 1998.

وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حينها، إن روسيا مستعدة للمساعدة في إطلاق حوار بين تركيا وسوريا، مؤكدا أنه "يجب أن يستند إلى اتفاقية أضنة، الموقعة بين البلدين".

بدوره يستبعد الباحث السوري في مركز "عمران للدارسات الاستراتيجية"، نوار شعبان أن تتجه روسيا إلى "خلق بنود جديدة أو تشعبات لاتفاق مارس 2020، كونها لم تلتزم به حتى الآن".

ويقول لموقع "الحرة": " أتوقع تأجيل البت بأي شيء والاستمرار بالاتفاق الحالي والتصعيد الروسي أيضا على المنطقة. الجديد سيكون في مرحلة من المراحل".

ويرى الباحث السوري أن خطوة التأجيل وترحيل ملف إدلب يصب في صالح موسكو بشكل أو بآخر، وقال: "بمجرد التأجيل تستمر موسكو بعملية الاستنزاف. هي تعمل على شيء قادم ليس من المعروف زمنه".

على ماذا تنص "أضنة"؟ 

وجاء توقيع الاتفاقية عندما توترت العلاقة بينهما أنقرة ودمشق على خلفية دعم النظام السوري ورئيسه حينها، حافظ الأسد، لزعيم "حزب العمال الكردستاني"، عبد الله أوجلان.

ونصت الاتفاقية على أربعة بنود، الأول تعاون البلدين في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، وإنهاء دمشق جميع أشكال دعمها لحزب "العمال"، وإخراج زعيمه أوجلان وإغلاق معسكراته في سوريا ولبنان ومنع تسلل مقاتليه إلى تركيا.

أما البند الثاني فقد نص على احتفاظ تركيا بحقها في الدفاع عن نفسها، والمطالبة بتعويض عن الخسائر في الأرواح والممتلكات في حال لم توقف دمشق دعمها فورا للحزب.

وأعطى البند الثالث تركيا الحق في ملاحقة من تصفهم بـ"الإرهابيين" داخل الأراضي السورية بعمق خمسة كيلومترات، إذا تعرض أمنها القومي للخطر ولم يستطع النظام مكافحة عمليات الحزب.

في حين جاء في البند الرابع أنه يجب اعتبار الخلافات الحدودية بين البلدين منتهية منذ توقيع الاتفاقية وعدم مطالبة الطرفين بأراضي الطرف الآخر.

"الاستمرار بالتنسيق"

منذ الدخول الأول لسوريا في عام 2016 في أثناء عملية "درع الفرات" تحرك الأتراك ضمن استراتيجية محددة وصفها محللون بـ "استراتيجية النفس الطويل"، وكانت قد طبقت بعد التوقيت المذكور في كل من إدلب وعملية "غصن الزيتون" في عفرين، وأواخر عام 2019 على الحدود ضمن عملية "نبع السلام".

الاستراتيجية المذكورة لا تنحصر في الواقع الميداني على الأرض فقط، بل كانت أيضا ضمن الشق السياسي الخاص بالملف السوري، والذي تحاول أنقرة أن تكون طرفا أساسيا فيه، في حال اتجهت الأمور والتحركات إلى حل سياسي ما.

ويتوقع الدبلوماسي السابق والمقرب من وزارة الخارجية الروسية، رامي الشاعر أن يكون اللقاء المرتقب بين بوتين وإردوغان "إيجابيا وبناءً من حيث المضمون والنتائج".

ويتابع في حديث لموقع "الحرة": "لأن روسيا تتفهم أهمية الوضع في الشمال الغربي للأراضي السورية بالنسبة للأمن القومي التركي، كما تتفهم العبء الكبير الذي تتحمله تركيا من تواجد حوالي 3.5 مليون لاجئ سوري، وهو ما يرتبط مباشرة بتسوية الوضع في إدلب، والتعامل مع قضية المعابر الحدودية".

وبشأن الوضع في إدلب السورية يضيف الشاعر: "أنا على يقين من أنه سيتم الاتفاق على الاستمرار بآليات التنسيق، ومراعاة أهمية ذلك بالنسبة للجانب التركي، مع مراعاة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وسيادتها".

"زلّة لسان"

فيما يتعلق بالنظام السوري وسياسته في الجزء الشمالي من البلاد، فقد كان لافتا في الأيام الماضية هجومه المتكرر على أنقرة، وفي تصريحات حديثة لوزير خارجيته، فيصل المقداد جدد مطالبة تركيا بالانسحاب من سوريا.

وأضاف: "السبب الرئيسي للتصعيد في منطقة إدلب هو الاحتلال التركي والدعم الذي تقدمه تركيا للتنظيمات الإرهابية هناك".

وكان رأس النظام السوري، بشار الأسد قد زار العاصمة الروسية موسكو بصورة غير معلنة، الأسبوع الماضي، وتحدث مع نظيره بوتين في عدة ملفات، بينها "القوات الأجنبية التي تم نشرها في سوريا، دون قرار أممي".

وأفاد الكرملين أن بوتين هنأ الأسد على فوزه في الانتخابات، ونقل عنه قوله: "الإرهابيون تكبدوا أضرارا بالغة، وتسيطر الحكومة السورية برئاستكم على 90 بالمئة من الأراضي".

لكن المحلل السياسي، رامي الشاعر يعتقد أن الحديث المتعلق بالسيطرة على 90 بالمئة "لم يكن سوى زلة لسان من بوتين".

ويقول: "علق بذهن بوتين رقم 90 بالمئة وهو مجمل مساحة الأراضي السورية التي كانت تسيطر عليها قوات داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، قبل القضاء عليها وتحريرها من قبل القوات الروسية وقوات التحالف وبمساعدة كل من تركيا وإيران".

واعتبر الشاعر أن "روسيا تقدّر الدور الكبير الذي تقوم به تركيا من خلال مسار أستانة، والتوصل إلى نظام التهدئة، الذي يسود عمليا على كافة الأراضي السورية".

ومع حلول يوم 30 من سبتمبر الحالي يكون قد مضى على التدخل العسكري الروسي في سوريا ستة أعوام.

وبحسب منظمات حقوقية وإنسانية كانت الفاتورة البشرية لذاك التدخل عالية، حيث قتلت الطائرات الروسية قرابة 9 آلاف مواطن، بينهم 2000 طفل و1300 امرأة.

وساهم التدخل العسكري الروسي في بقاء بشار الأسد على رأس النظام، وبدء عملية كبيرة لاستعادة أراض سيطرت عليها فصائل المعارضة المسلحة في المراحل الأولى من النزاع.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي