الدول الغنية لم تف بتعهدها بتمويل خفض الانبعاثات

لنترجم الكلمات إلى أفعال : أين المال لإنقاذ البيئة من الاحتباس الحراري

2021-09-20

برشلونة (إسبانيا) - إنّ تلقّي الفلبين، أو أي دولة نامية معرضة للعواصف، تمويلا دوليّا لحماية شعبها من الطقس القاسي واعتماد الطاقة النظيفة هو قضية عدالة عالمية، حيث يعدّ المال ضروريا لتنفيذ خطط المناخ الحالية.

وتقول العديد من الدول الفقيرة الضعيفة -التي تضررت من آثار الوباء الاقتصادية وتزايد الكوارث المناخية- إنها ببساطة لا تستطيع اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية لخفض انبعاثات الاحتباس الحراري أو التكيف مع عالم أكثر دفئا دون الدعم الموعود.

وتعهدت الفلبين، على سبيل المثال، بخفض انبعاثاتها بنسبة 75 في المئة دون المستويات الحالية بحلول سنة 2030. وتقول الخطة الوطنية للمناخ إنه يمكن تحقيق 3 نقاط مئوية فقط من هذا الالتزام بموارد البلاد الخاصة. وسيتطلب الباقي تمويلا دوليا لجعل قطاعات مثل الزراعة والصناعة والنقل والطاقة أكثر اخضرارا.

وقالت المتحدثة باسم وزارة المالية باولا ألفاريز “تقول الجماعات البيئية إن هدفنا غير طموح لأنه مشروط للغاية، لكن ما لا تراه هذه الجماعات هو أن ما قدمناه هو ما يمكن للفلبين تحقيقه”.

وأكّدت أن “اقتصادنا لا يعمل بشكل جيد بسبب الوباء ولدينا أعاصير متتالية بين الحين والآخر” مما يعني أن البرامج الاجتماعية تمثل أولوية في ما يتعلّق بالموارد الوطنية.

وانطلقت اجتماعات الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك في الرابع عشر من سبتمبر، بينما تبدأ اجتماعات رفيعة المستوى يشارك فيها 110 من رؤساء الدول خلال الفترة الممتدة من الحادي والعشرين حتى السابع والعشرين من سبتمبر الجاري.

ووجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسالة إلى قادة دول العالم قال فيها “يجب على قادة العالم أن يترجموا الكلمات إلى أفعال لإنقاذ من يواجهون المخاطر”.

وافتتح غوتيريش وبوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا اجتماعا لقادة عدد من دول العالم الاثنين لبحث العجز الكبير في أهداف الانبعاثات الغازية والتمويل في ما يخص المناخ.

وتتعرض الدول الغنية لضغوط متزايدة بسبب تعهد لم يتم الوفاء به. وكان التعهد في 2009 بتوجيه 100 مليار دولار سنويا إلى البلدان الفقيرة لمعالجة تغير المناخ.

وقال محللون إنه مع تقلص الميزانيات في جميع أنحاء العالم بسبب الوباء وتأجيل محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ لمدة عام، من المحتمل أن يكون الموعد النهائي الأصلي لسنة 2020 لتحقيق الهدف قد فات.

لكن مع اقتراب قمة المناخ “كوب 26” في نوفمبر بسرعة بدأ الوقت ينفد في إقناع البلدان النامية الكبيرة والصغيرة بأن أي جهود في الداخل لتعزيز الجهود المبذولة من أجل المناخ ستقابل بدعم مالي قوي، كما يقول المحللون.

وقال ألدن ماير، أحد كبار المنتسبين إلى مركز الأبحاث “إي 3 جي” في واشنطن والذي يركز على تسريع التحول منخفض الكربون، إن “الوعد البالغ 100 مليار دولار هو أقل بكثير مما تحتاجه الاقتصادات الناشئة بالفعل لإطلاق استجابة مناسبة”، لكنه أضاف أن “تحقيق ذلك أمر أساسي لتحفيزها على المضي قدما”.

الدول الفقيرة لا تستطيع اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية لخفض الانبعاثات أو التكيف مع عالم أكثر دفئا دون الدعم الموعود

وقال المسؤولون الحكوميون في الهند (رابع أكبر مصدر لغازات تسخين الكوكب في العالم) إن “أي التزام إضافي للحد من انبعاثات الكربون سيعتمد على التمويل من الدول الغنية”.

وتبقى التعهدات الوطنية بخفض الانبعاثات حتى الآن غير كافية للحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية “أقل بكثير” من درجتين مئويتين فوق متوسط ما قبل الصناعة، وبشكل مثالي إلى 1.5 درجة مئوية، كما التزمت حوالي 195 دولة بما جاء في اتفاقية باريس لسنة 2015.

وحذرت لجنة علوم المناخ التابعة للأمم المتحدة في تقرير صدر في أغسطس من أن الاحتباس الحراري يقترب بشكل خطير من الخروج عن نطاق السيطرة وسيؤدي إلى اضطراب المناخ على مستوى العالم لعقود قادمة في الدول الغنية وكذلك الفقيرة.

ولم تقدم بعض الدول الكبرى المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بما في ذلك الصين وروسيا والهند، خططا أكثر طموحا إلى الأمم المتحدة، كما التزمت بالقيام بذلك بحلول سنة 2020 بموجب اتفاقية باريس. لكن حوالي 110 خطط قدمتها دول أخرى قبل الموعد النهائي المعدل للأمم المتحدة في يوليو تتوقف على شرط رئيسي واحد، هو المال.

ووفقا لمعهد الموارد العالمية، وهو مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة يتتبع التعهدات الوطنية بشأن المناخ، فإن “أكثر من نصف” أهداف الانبعاثات التي تم تحديثها تتضمن إجراءات لا يمكن أن تحدث إلا بدعم من التمويل الدولي.

وقالت تارين فرانسين، خبيرة سياسة المناخ في معهد الموارد العالمية، “يؤكد هذا أهمية وفاء البلدان المتقدمة بتعهداتها البالغة 100 مليار دولار. إنه الحد الأدنى”.

وأضافت أن عددا متزايدا من الدول النامية قد عزز في أحدث التقارير أهداف الانبعاثات التي يمكن أن تنفذها هذه الدول بمفردها، بما في ذلك الأرجنتين وتشيلي وكولومبيا التي تخلت عن طلبات الدعم بالكامل.

وشددت على أن احترام الالتزام السنوي البالغ 100 مليار دولار والذي يغطي السنوات الخمس حتى 2025، عندما يوضع هدف جديد لم يتم التفاوض بشأنه بعد، هو المفتاح لتعزيز الثقة داخل محادثات المناخ العالمية وتسهيل الانتقال الأخضر بشكل أسرع.

وتظهر أحدث الأرقام الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه في 2019 وجهت الحكومات المانحة 79.6 مليار دولار إلى البلدان الضعيفة، بزيادة 2 في المئة فقط من 78.3 مليار دولار في 2018.

وحدد تحليل أجرته منظمة أوكسفام الخيرية للمساعدات أن الرقم الحقيقي لسنة 2018 (عند حساب المنح فقط وليس القروض التي يجب سدادها) أقل بكثير، إذ يتراوح بين 19 و22.5 مليار دولار.

وفي الوقت نفسه تلقت 46 دولة من أقل البلدان نموا بين عامي 2014 و2018 5.9 مليار دولار فقط في المجموع للتكيف، وهو مستوى سيغطي أقل من 3 في المئة من الأموال التي يحتاجها هذا العقد، وفقا لدراسة أجراها المعهد الدولي للبيئة والتنمية في يوليو.

ويجادل خبراء المناخ والتنمية بأن الدول الصناعية بنت ازدهارها من خلال حرق الوقود الأحفوري، مما يجعلها مسؤولة عن جزء كبير من الخسائر التي تحدث في البلدان الواقعة على الخطوط الأمامية لتفاقم الفيضانات والجفاف والعواصف وارتفاع منسوب البحار، والكثير منها في نصف الكرة الجنوبي.

وقدرت دراسة أجريت عام 2020 في دورية “لانسيت بلانيتري هيلث” العلمية أنه اعتبارا من 2015 كانت الدول في شمال الكرة الأرضية مسؤولة عن 92 في المئة من انبعاثات الكربون بما يتجاوز مستويات الكوكب الآمنة، بينما يمثل الجنوب العالمي 8 في المئة فقط.

وقالت ديان بلاك لاين من دولة أنتيغوا وبربودا الكاريبية، التي تكافح ارتفاع مستوى سطح البحر والأعاصير المتكررة، إن العمل المناخي للدول النامية “يجب أن يكون مشروطا، لأننا لا نستطيع الحصول على المال”.

وتساءلت بلاك لين، وهي كبيرة مفاوضي المناخ في تحالف الدول الجزرية الصغيرة المؤلف من 39 عضوا، عن سبب استمرار الحكومات الغنية في تمويل صناعة الوقود الأحفوري بينما فشلت في الوفاء بتعهداتها البالغة 100 مليار دولار سنويا. وقالت “هذا المال متوفر.. ليس هناك نقص في المال لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية”.

وقالت الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ باتريشيا إسبينوزا إن الـ20 مليار دولار المتبقية هي “قضية كبيرة للغاية” وإن حلها أمر أساسي لبناء الثقة في المفاوضات وتمكين الدول النامية من تنفيذ خطط عمل المناخ الخاصة بها. وأكدت أنها لم تفقد الأمل في أننا “سنرى بطريقة ما” الأموال تتجمع في الوقت المناسب لمؤتمر “كوب 26”.

السؤال الرئيسي هو ما إذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن سيكشف النقاب عن التزام مالي أكبر في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، حيث تتزايد المخاوف من فشل أكبر اقتصاد في العالم في زيادة حصته العادلة؟

وقال بايدن في قمة أبريل التي استضافها إن الولايات المتحدة ستضاعف تمويلها للمناخ إلى حوالي 5.7 مليار دولار سنويا بحلول سنة 2024 لكن العديد من الخبراء يرون هذا أقل بكثير مما تدين به أميركا للدول النامية.

وقال تحليل حديث من معهد التنمية الخارجية إن الولايات المتحدة يجب أن تكرس أكثر من 43 مليار دولار سنويا على أساس انبعاثات الكربون التراكمية وإجمالي الدخل القومي وحجم السكان. ووصف الولايات المتحدة بأنها الجاني الأكبر بين 23 دولة مانحة من حيث التقصير في الوفاء بمسؤولياتها.

وتعهد الاتحاد الأوروبي بزيادة 25 مليار دولار سنويا في التمويل المناخي للدول الفقيرة بواقع 4 مليارات يورو (4.7 مليار دولار) حتى سنة 2027، ودعا الولايات المتحدة إلى زيادة هذا المبلغ أيضا.

وقالت لورانس توبيانا، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة المناخ الأوروبية والوسيط الرئيسي لاتفاقية باريس، هذا الأسبوع إن واشنطن بحاجة الآن إلى “تعهدات جادة” بالنظر إلى أن بعض الدول الأوروبية قد رفعت التزاماتها بالفعل. وتابعت “يجب على الولايات المتحدة زيادة تضامنها”، مضيفة أنها تدرك أن واشنطن تعمل جاهدة للقيام بذلك.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي