فساد ممتد لسنوات و"خروج آمن" في المعارك.. كيف عادت طالبان؟

2021-08-15

كابول-وكالات: لم يكف 350 ألف جندي أفغاني لإيقاف زحف مقاتلي حركة طالبان إلى العاصمة كابل، التي دخولها، الأحد 15أغسطس2021، فيما يتفاوض ممثلوهم على المرحلة المقبلة.

وبعد أن بدا واضحا أن لا شيئا سيقلب المعادلة، غادر الرئيس الأفغاني أشرف غني كابل فجأة، محققا على ما يبدو ما أراده المقاتلون المتشددون من البداية: الحكم الكامل للبلاد بعد عقدين من طردهم من السلطة.

وتنقل مروحيات عسكرية الديبلوماسيين والمسؤولين الغربيين من أفغانستان إلى دول أخرى، مثل باكستان، فيما أعلنت شركات الطيران المدني، مثل طيران الإمارات، تعليق رحلاتها إلى البلاد، لكن الوضع الأمني يتدهور بسرعة مع دخول مقاتلي الحركة العاصمة.

كيف استعادت طالبان قوتها؟

بعد الإطاحة بها، تفرقت حركة طالبان، ووجد بعض قادتها ملاذا لهم في باكستان، حيث بدأوا في تحصين أنفسهم بمساعدة المؤسسة الأمنية الباكستانية، بحسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية،

وفيما أمد الوجود الأميركي في أفغانستان، الحركة بـ"شرعية مقاومة الاستعمار"، كان الفساد في الحكومة الأفغانية يزيد الأمور صعوبة بحسب الصحيفة الأميركية.

طوال العشرين عاما الماضية، كانت التقارير تتوالى عن أسماء وهمية في صفوف قوات الأمن الأفغانية، وعن خيانات يقوم بها بعض قادتها.

إحدى الحاميات العسكرية في مدينة إمام صاحب على سبيل المثال، صمدت لشهرين أمام تقدم طالبان، لكن "الفساد" وتأخر قادة الجيش عن إمداد مقاتلي الحامية وتركهم لمصيرهم، دفعهم أخيرا إلى الاستسلام، كما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال.

كما تقول الصحيفة إن "الجيش الأفغاني بني على عقيدة لوجستية تشبه عقيدة الجيش الأميركي، حيث تلعب الطائرات دورا مهما في الإمداد والحماية، لكن حينما أوقف الأميركيون دعمهم أو قللوه، وجد الأفغان أنفسهم غير قادرين على العمل".

مع هذا، يبدو إن "سوء الإدارة" من قبل الحكومة الأفغانية هو العنوان الأبرز الذي يلخص ما جرى.

وتقول وول ستريت جورنال إن "الأفغان كان لديهم 20 عاما ليقوموا بتعديلات، كما إنهم عرفوا قبل عام بالاتفاق مع طالبان وعزم الولايات المتحدة النهائي على الانسحاب من البلاد، لكنهم لم يقوموا بشيء مهم".

قوات أمن أفغانية

ومع سقوط منطقة تلو الأخرى في هجوم طالبان هذا الصيف، دون دعم واضح من الجيش الوطني الأفغاني وقوات الشرطة، اعتبر جنود آخرون ببساطة أن الأمر لم يعد يستحق القتال.

وقال رحيم الله وهو جندي يبلغ من العمر 25 عاما، انضم الى الجيش قبل عام وخدم في منطقة شهربوزورج بمقاطعة بدخشان الشمالية الشرقية، للصحيفة "الجميع سلموا أسلحتهم وهربوا لم نتلق أي مساعدة من الحكومة المركزية، وهكذا سقطت المنطقة دون أي قتال".

والسبت، نشرت الحركة فيديو لاستسلام قائد عسكري، سلم طالبان كامل تجهيزات وأسلحة قوته، وذلك في مقابل الخروج الآمن له، ولجنوده.

وتقول واشنطن بوست إن هذا "التكتيك" من حركة طالبان يضمن عدم استبسال الجنود في الدفاع عن مواقعهم، ويساعد على انهيار الجيش.

وقال خبير الشأن الأفغاني في جامعة ستانفورد، روبرت كروز، لواشنطن بوست "منذ عقدين من الزمن، تقوم حركة طالبان ببطء باقتطاع القرية تلو القرية في لعبة متطورة للغاية من التعبئة الشعبية".

خلال حملة التعبئة هذه، لم تكتف طالبان بالتركيز على ما تصفه بـ"مبادئ الشريعة الإسلامية" لجذب المؤيدين، وإنما أيضا شنت حملة منسقة من التخويف والعنف، حيث اغتالت عشرات من مجندي الشرطة والجيش، واستهدف مثقفون ومدنيون وشخصيات اجتماعية مناوئة لهم في مسعى لإسكات كل الأصوات المنتقدة.

التحديات أمام الحركة

لكن الوصول السلس نسبيا إلى العاصمة، قد لا يكون نهاية القصة بالنسبة للحركة، التي لا يبدو أن لها قائدا واحدا، أو حتى مجلس قيادة مركزي معروف، كما إنها ستعود لحكم شعب مختلف عن ذاك الذي تركته في عام 2021.

ولا يظهر أن هناك زعيما واحدا لحركة طالبان، التي يقودها حاليا، هبة الله أخوند زادة،  حيث يبدو يبدو أن القوة موزعة على العديد من القادة الرئيسيين.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحياة في ظل حكم طالبان ستكون هي نفسها كما كانت من قبل، ففيما تناقلت وسائل الإعلام تصريحات متحدث باسم الحركة، قال إن طالبان "لا تخطط لفرض العزلة على النساء، وإنها ستسمح لهن بالتعليم والعمل مقابل الالتزام بالحجاب"، فإن الحركة تمتلك تاريخا من التطرف، خاصة ضد النساء والفئات الاجتماعية الأكثر ضعفا في المجتمع.

وخلال السنوات العشرين الأخيرة، انتعش المجتمع المدني في أفغانستان بشكل كبير، وتولت النساء مناصب عامة في كابل والمدن الصغيرة، كما انتشرت الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت موجود في كل مكان تقريبا.

ويقول الخبير، روبرت كروز، "هناك الكثير من الناس  على اتصال أفضل بالعالم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ويقولون مهلا، لماذا لا يمكن أن يكون لدينا حياة تشبه حياة الناس في الخارج"؟

مقاتلو الحركة يقفون على مشارف العاصمة الأفغانية استعدادا لدخولها

ويقول موقع بلومبرغ الأميركي إنه "في حين تصدر طالبان بيانات حول ضمان إتمام العملية الانتقالية بأمن وأمان، دون تعريض حياة وممتلكات وشرف أي شخص للخطر، فإن الخطر يكمن في أن أفعالهم ستكون مختلفة تماما".

وبالإضافة إلى التحديات الاجتماعية، هنالك أيضا تحديات أخرى لا ينفع معها عادة التهديد بالأسلحة أو التعتيم الإعلامي.

تواجه طالبان الآن مسؤولية إدارة بلاد كاملة، بمعزل عن المساعدات الأميركية والغربية، كما أن البلاد لا تبدو – خاصة في هذه الظروف – جاذبة للاستثمارات الغربية، وهي تعاني من نقص الموارد بشكل كبير.

وفي مقابل إدارة حركة تمرد، قائمة بشكل كبير على التبرعات والإتاوات وفديات الخطف وتجارة الأفيون، تضع إدارة الدولة طالبان على المحك من جديد، خاصة وأن جيرانها الرئيسيين، باكستان وروسيا وإيران، لا يبدو أنهم سيهبون لمساعدتها قريبا.

وصعدت حركة طالبان أول مرة إلى السلطة في أفغانستان بعد تجمع مقاتلين اشتركوا في القتال ضد القوات السوفيتية، لتشكيل حركة مسلحة يعود معظم أفرادها إلى عرقية البشتون، أكبر المجموعات العرقية في البلاد.

وكان مؤسس الحركة، الملا محمد عمر، قد أسسها لتأمين مدينة قندهار في التسعينيات، بعد أن كانت تعاني من وضع أمني سيء للغاية.

وفي خريف عام 1996، استولت حركة طالبان على كابل وأعلنت "النظام الإسلامي" في البلاد، وفرضت قواعدها المتشددة بوحشية كبيرة.

وتحصل الحركة على امدادات الأسلحة بشكل رئيس من خلال الاستفادة من عمليات التهريب المزدهرة في المنطقة.

طائرة تابعة لسلاح الجو الأفغاني

لكنها أيضا تنظر إلى مستودعات الجيش الأفغاني على أنها المستودعات الخاصة بها، حيث غنمت آلاف القطع من الأسلحة والمعدات والعجلات المدرعة، وبعد سقوط كابل في يد الحركة تماما، سيكون بيدها لأول مرة طائرات ومروحيات.

وحتى مع الشك في وجود طيارين لديها، أو قطع غيار وفنيي صيانة، فإن امتلاك الحركة لطائرات ليس خبرا سارا بالتأكيد لجيرانها، وخاصة الروس، الذين قاتلتهم الحركة طويلا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي