كنز تحاربه الحكومات.. ماذا تعرف عن الاقتصاد غير الرسمي في أفريقيا؟

Africa’s informal markets have far more structure and self-governance than you’d think, book shows
2021-08-10

كتبت زينب عثمان، مديرة برنامج أفريقيا في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، تحليلًا عن الأسواق غير الرسمية كما تتبدى في كتاب شيلبي جروسمان، الصادر عن مطبعة جامعة كامبردج في يوليو (تموز) 2021. وترى الكاتبة أن كتاب شيلبي يساعد في تغيير كثير من المفاهيم السائدة عن الأسواق غير الرسمية في أفريقيا.

وتستهل الكاتبة تحليلها بمحاولة إلقاء الضوء على القطاع غير الرسمي قائلة: يُعد النشاط غير الرسمي أمرًا محوريًّا لاقتصاديات معظم البلدان الأفريقية. وبحسب بعض التقديرات، يتحقق حوالي 50% من الناتج الاقتصادي و85% من التوظيف في أفريقيا في القطاع غير الرسمي، وذلك من خلال الزراعة والتجارة في الغالب.

وليس من المستغرب إذن أن تستهدف الحكومات والمانحون الدوليون القطاع غير الرسمي بتدخلات سياسية من مخططات الائتمان الصغير إلى التدريب على الأعمال التجارية للشركات الصغيرة، ومن التسجيل الضريبي إلى الشمول المالي للعمال غير الرسميين.

وعلى الرغم من أن هذا القطاع يستدعي اهتمام الباحثين ورجال السياسة، لا يوجد توافق في الآراء على تعريف السمة غير الرسمية، والقطاع غير مفهوم جيدًا. وهل الشركة غير الرسمية تُعد «غير رسمية» لأنها تفتقر إلى رخصة تجارية أو سجلات ضريبية؟ أم أن السمة غير الرسمية هي عدم وجود عقد عمل أو ساعات عمل منتظمة للعمال؟

يُعد كتاب شيلبي جروسمان الجديد إضافة مناسبة على نحو خاص في توقيته لفهمنا للسمة غير الرسمية في أفريقيا. وفي كتابها «سياسات النظام في الأسواق غير الرسمية: كيف تشكل الدولة الحوكمة الخاصة» (The Politics of Order in Informal Markets: How the State Shapes Private Governance)، تفحص شيلبي كيف يمكن لجمعيات الأعمال توفير بيئة مستقرة لدعم النشاط الاقتصادي في الأسواق الحضرية.

وتجادل بأن هذه الجمعيات التجارية تطور وتحافظ على المؤسسات التي تدعم التجارة ليس في غياب الحكومة، ولكن بالأحرى استجابةً للتدخل الحكومي النشط. ومن خلال القيام بذلك، فإنها تتحدى تصورًا شائعًا على نحو متزايد ولكنه غير دقيق على ما يبدو بأن التجارة تزدهر في الأسواق الناشئة عندما تبتعد الحكومات المتعجرفة والسياسيون المفترسون عن طريقها.

ويوضح تحليل شيلبي أيضًا أن التجارة في الأسواق الحضرية ليست مرتعًا للفوضى التي يفترض الاقتصاديون أنها كذلك وفي الواقع، توفر جمعيات السوق وقادتها أنظمة قوية تنظم التجار وتحافظ على النظام.

فريق صغير من الباحثين

أجرت شيلبي استطلاع عدد 1179 تاجرًا جرى اختيارهم عشوائيًّا من بين أكثر من 50 ألف متجر أحْصَتها عبر 199 سوقًا في مدينة لاجوس بنيجيريا. ومن اللافت للنظر أن شيلبي، التي كانت عندئذ طالبة دكتوراة مع فريق صغير من الباحثين المساعدين، كانت قادرة على إجراء إحصاء شامل للتجار في مدينة يزيد عدد سكانها على 20 مليون نسمة، وهي المدينة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في أفريقيا. وتضم الجهات المانحة الدولية التي لديها موارد أكثر بكثير لإجراء عمليات مسح تفصيلية (مثل مسح البنك الدولي للمؤسسات لعام 2009)… 10 مشاريع صغيرة فقط في كل ولاية (صـ 36).

«واستخدمت إستراتيجية أخذ العينات على أساس المربعات السكنية بالمدينة التي يوجه فيها القائمون بالإحصاء إلى الوقوف عند زاوية مربع سكني معين في المدينة، ومواجهة الشمال، والاقتراب من المتجر الرابع على اليسار» (صـ 37). ويجب أن تكون الموازنة مع عمليات المسح التي تقوم بها الحكومة النيجيرية مثيرة للاهتمام أيضًا.

الاقتصاد غير الرسمي.. ملامح ثلاثة بارزة

وتبرز هنا ثلاثة ملامح لبعد النظر. الأول، تلعب جمعيات السوق دورًا أساسيًّا في الحفاظ على النظام في الأسواق الحضرية. وفي بيئة تتسم بضعف حقوق الملكية وضعف إنفاذ العقود، تشرف جمعيات السوق على الحوكمة الخاصة. وتتمتع جمعيات سوق لاجوس بمعدل مشاركة مرتفع نحو 91% من التجار والباعة الجائلين في أسواق المدينة ينتمون إلى جمعية. ومع ذلك، غالبًا ما يفوت صانعو السياسات الدور الحاسم لهذه الجمعيات في تشكيل التجارة والنشاط الاقتصادي تشكيلًا حاسمًا.

وفي الواقع، نادرًا ما تُدمج جمعيات السوق في الدراسات السائدة عن القطاع غير الرسمي في أفريقيا؛ إذ بدلًا من ذلك تركز هذه الدراسات على التدريب على الأعمال التجارية والوصول إلى التمويل.

الملمح الثاني هو أن قادة الجمعية يلعبون دورًا محفزًا فيما إذا كانت روابط السوق هذه تعزز التجارة أو تعوقها.

وتشكك شيلبي في شأن الدراسات السائدة بأن آليات تطبيق القواعد (مكافأة السلوك الجيد وفرض عقوبات على المخالفين) ومشاركة المعلومات ستظهر بصورة طبيعية في هذه الأسواق دون قيادة.

الجمعيات التجارية لها هياكل ووظائف متشابهة

وبدلًا من ذلك، تجادل شيلبي بأن قادة الجمعية يتصرفون بوعي وبطرق تعزز أو تعوق نمو الأعمال. وتشمل سياسات تعزيز التجارة ضبط سلوك أعضاء الجمعيات من خلال معاقبة الأعمال غير النزيهة مثل بيع السلع المعيبة، وتحفيز تبادل المعلومات عن التجار غير الموثوق بهم خارج الجمعية، وحتى تنظيم مقاطعة لهؤلاء المخالفين. وبوجه عام، يحدد قادة الجمعية هل جمعيات السوق الخاصة بهم توفر منافع عامة محلية مهمة في بيئات غير رسمية إلى حد كبير أم لا.

وفي جميع الأسواق التي مسحتها شيلبي، تتمتع هذه الجمعيات التجارية بهياكل ووظائف متشابهة: لجنة تنفيذية، ودستور أو قواعد أخرى موثقة، وقائد منتخب لمدة محددة أو مدى الحياة، ورسوم عضوية، وتوقع تمثيل مصالح الأعضاء.

ثالثًا، لا تحدث وظيفة تعزيز التجارة التي تقوم بها جمعيات السوق وقادتها إلا في ظل ظروف معينة. وترى شلبي أنه عندما تهدد الحكومة بالتدخل بطرد التجار من أجل «تحديث» الأسواق القديمة، أو فرض ضرائب جديدة، أو إجراء عمليات تفتيش عشوائية من جانب المنظمين أو إرسال الشرطة فإن هذا يحفز الترويج التجاري من جانب قادة السوق. وتُعد سوق أوري أكين (Ore Akin) في لاجوس أحد الأمثلة على السوق الخاضعة للحوكمة الجيدة والذي يقوم قادتها بجدولة اجتماعات شهرية منتظمة لمشاركة المعلومات وحماية التجار من الابتزاز.

أسواق أفريقيا.. تهديدات بالتدخل الحكومي

تؤكد الكاتبة أن هؤلاء القادة يتخذون هذه الخطوات لأنهم يواجهون تهديدات مستمرة بالتدخل الحكومي من قِبل وكالة تنظيمية. غير أن هذه التهديدات لا يكون من شأنها إلا تحفيز إجراءات تعزيز التجارة عندما يكون هناك تماسك داخلي داخل جمعية السوق، عندما يتمكن القائد من التحكم في الشؤون الداخلية للجمعية، ولا ينخرط الأعضاء في سلوك تنافسي مفرط يحبط محاولات العمل الجماعي.

وعلى العكس من ذلك، كانت سوق دبيري مهددة بالتدخل الحكومي، لكنها ظلت خاضعة لحوكمة سيئة لأن الجمعية وقائدها ضعيفان. هل التهديدات الخارجية الأخرى مثل الجماعات الإجرامية أو القوى العالمية أو التكنولوجيات الجديدة أو الصدمات الاقتصادية تتمتع بالتأثير نفسه؟ تستبعد شيلبي على نحو مقنع هذه التفسيرات البديلة.

إستراتيجية بحثية جديرة بالثناء

وبوجه عام، تعزز شلبي فهمنا للتجارة غير الرسمية المنتشرة في كل مكان في الاقتصادات الأفريقية، باستخدام إستراتيجية بحثية طموحة وجديرة بالثناء. وتعامل تجار السوق الذين تستطلع رأيهم بكرامة، معترفة بالحاجة إلى تقديم شيء مفيد (مثل معلومات آداب العمل). والتجار ليسوا مجرد «موضوعات» لعملية استخراج البيانات في اتجاه واحد. ويتطلب هذا النهج البحثي الصارم والمحترم أن يتبعه الباحثون الآخرون الذين يجرون دراسات استقصائية في جميع أنحاء أفريقيا.

غير أن شيلبي لم تعالج مسألة قوة قادة السوق. وفي الكتاب بأكمله، ليس من الواضح ما العوامل التي تحدد بوضوح استعداد قائد جمعية في السوق وقدرته على التصرف ردًّا على تدخل الحكومة. هل هو الاندماج الاجتماعي للقائد داخل المجتمع، أم مهاراته وتدريبه، أم خبرته الحياتية أو حتى طابعه الخاص؟ ربما يمكن للبحث في المستقبل معالجة هذا السؤال المناسب.

وتختتم الكاتبة تحليلها بأن هذا الكتاب الرائع يقع عند تقاطع التجارة غير الرسمية والحوكمة الحضرية، وبناء المؤسسات، وإدارة الأعمال التجارية، ويقدم أدلة مهمة لكل من الباحثين وصناع السياسات. وبكل حَسْم، تفكك شيلبي ثنائية خاطئة: أن آليات الحوكمة الخاصة تزدهر ازدهارًا أفضل في غياب الحكومة. وفي الواقع، يرتبط الاثنان ارتباطًا وثيقًا: تظهر آليات الحوكمة الخاصة للتجارة غير الرسمية على وجه التحديد بوصفها رد فعل على اختلالات الحكومة وإخفاقات السوق والأزمات الاقتصادية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي