لماذا تضيق الصين الخناق على الماركات العالمية الغربية؟

As China Targets H&M and Nike, Local Brands See Their Chance
2021-04-21

بدأت الشركات الصينية التي تنافس عددًا من العلامات التجارية الغربية الشهيرة في تحسين جودة منتجاتِها والتسويق لها. إذ ربما تُمثل مقاطعة الصين للماركات العالمية فرصة مميزة لهذه الشركات المحلية لاستقطاب مزيد من العملاء الشباب الذين تتصاعد لديهم نزعة الوطنية.

أعدَّت لي يوان، صحافية تُغطي شؤون التكنولوجيا والسياسة في الصين وآسيا، تقريرًا نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية سلَّطت فيه الضوء على الحملة الصينية الشرسة ضد بعض الماركات العالمية بسبب الانتقادات التي وجهها صنَّاع تلك الماركات العالمية إلى الصين بزعم فرض «العمل القسري» على مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانج، وأن هذه الحملة ستصب في مصلحة المنتجات المحلية الصنع في الصين.

أزمة متصاعدة مع الماركات العالمية

وفي مقدمة تقريرها، تضرب الكاتبة مثالًا بأحد الأشخاص لكي تدلل على تغير توجُّهات الصينيين إلى شراء المنتجات من الماركات العالمية إلى المحلية قائلة: كان «تيم مين» في السابق يقود سيارات من ماركة «بي إم دبليو» الألمانية، وكان يُفكِّر في شراء سيارة كهربائية من إنتاج شركة «تسلا» الأمريكية.

لكن «تيم مين»، وهو صاحب شركة جديدة لمستحضرات التجميل ومقرها العاصمة الصينية بكين ويبلغ من العمر 33 عامًا، بدلًا عن ذلك اشترى سيارة كهربائية من إنتاج شركة «نيو» الصينية المنافِسة لشركة «تسلا». ويُفضل «تيم مين» التصميمات الداخلية للسيارات التي تُنتجها شركة «نيو»، والتي تتميز بخصائص تحكم صوتي أفضل.

وبالإضافة إلى ذلك يرى «مين» نفسه وطنيًّا. إذ قال: «لدي رغبة قوية للاتجاه إلى شراء الماركات الصينية بدافع مشاعري الوطنية القوية جدًّا. وكنتُ أفضل منتجات «نايكي» الأمريكية، لكني في الوقت الراهن، لا أرى أي سبب لذلك. وإذا كانت هناك علامة تجارية صينية جيدة يمكن لمنتجاتها أن تحل محل منتجات «نايكي»، فسأكون في غاية السعادة».

وأوضحت الكاتبة أن العلامات التجارية الغربية مثل «إتش آند إم» و«نايكي» و«أديداس» تعرضت لضغوط في الصين بسبب رفضها استخدام القطن المُنتَج في إقليم شينجيانج، حيث شنَّت الحكومة الصينية حملة قمعية واسعة ضد الأقليات العِرقية. وتعهَّد المتسوقون الصينيون بمقاطعة منتجات هذه الماركات العالمية. وأنهى المشاهير الصينيون عقودهم معها.

الاستفادة من الأزمة

بيد أن العلامات التجارية الأجنبية تُواجه كذلك ضغوطًا أخرى متزايدة من جانب شركات صينية منافِسة والتي تُصنِّع منتجات عالية الجودة وتبيعها عن طريق التسويق المحترف المُعتمِد على الشباب الصيني، الذين تتزايد لديهم النزعة الوطنية. ويُعبر مصطلح «جوتشاو» أو الموضة الصينية عن هذه الحالة.

وذكرت الكاتبة عددًا من الشركات الصينية المنافِسة للماركات العالمية، ومنها شركة «هاي تي»، وهي شركة صينية جديدة ناشئة لإنتاج الشاي بالحليب وتبلغ قيمة الاستثمار بها 2 مليار دولار ولديها 700 متجر، والتي تريد أن تحل محل شركة المقاهي الأمريكية «ستاربكس». كما تطمح شركة «يوان كينسيلين»، للمشروبات المنخفضة السكر، التي تأسست قبل أربع سنوات وتبلغ قيمة الاستثمار بها 6 مليار دولار، لأن تصبح النسخة الصينية من شركة «كوكاكولا».

وتريد شركة «أوبريس»، وهي شركة تأسست قبل خمس سنوات، أن تحل محل شركة فيكتوريا سيكريت بإنتاجها المنتجات غير التابعة لـ فيكتوريا سيكريت: مثل حمالات الصدر الرياضية غير المثيرة التي تُوفِّر الراحة.

وترى كاتبة التقرير أن تصاعد الغضب على مستوى العالم إزاء استخدام الأقليات في العمل قسريًّا في زراعة القطن في إقليم شينجيانج منحت العلامات التجارية الصينية فرصة أخرى لاجتذاب المستهلكين إلى منتجاتها. وبالتزامن مع قطع مشاهير الصينيين صلاتهم بالماركات الأجنبية، أعلنت شركة «لي نينج»، شركة صينية رائدة في مجال الأزياء الرياضية، أن المغني شياو جان، عضو فرقة الفتيان، سيصبح سفيرها العالمي الجديد.

وفي غضون 20 دقيقة بعد هذا الإعلان، بِيع كل شيء تقريبًا كان يرتديه جان في إعلان «لي نينج» على الإنترنت. وحصدت الوسم (الهاشتاج) الخاص بالحملة أكثر من مليار مشاهدة على الإنترنت.

وأبرزت الكاتبة أن الصين تشهد ثورة في العلامات التجارية الاستهلاكية، وأن الأجيال الشابة تميل أكثر إلى النزعة الوطنية ويبحثون بنشاط عن العلامات التجارية التي يمكن أن تتوافق مع الهوية الصينية بالتأكيد. ويُسارع رجال الأعمال إلى بناء أسماءٍ لعلاماتِهم التجارية وطرح منتجات ذات صدى. وبدأ المستثمرون في تحويل انتباههم إلى هذه الشركات الجديدة الناشئة في ظل انخفاض العائدات من التكنولوجيا والمشاريع الإعلامية.

منافسة غير متكافئة

وأكدَّت الكاتبة على أنه عندما تصبح الوطنية بمثابة الميزة أو علامة الجودة المرغوب فيها، فإن العلامات التجارية الغربية ستواجه وضعًا تنافسيًّا غير متكافئ، وبخاصة في دولة تشترط كثيرًا على الشركات العالمية اتباع الخطوط السياسية نفسها التي يجب على الشركات الصينية الالتزام بها.

يقول «مين» إن «احتجاجات المستهلكين في الصين نقطة تحوُّل تاريخية وسيكون لها تأثير دائم على المستهلكين الصينيين على المدى البعيد. ولا يُريد المستهلكون الصينيون أن يشتروا فضلات المنتجات التي كانت الماركات الأجنبية تبيعها لهم. وأصبح من الضروري أن تظهر الماركات الأجنبية احترامها للمستهلك الصيني مثلما تفعل العلامات التجارية الصينية».

ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد فيما يخص العلامات التجارية الأجنبية في الصين، إذ أسهم سائقو سيارات شركة تسلا في النهوض بعمليات شراء منتجات تسلا. ولم تزال أجهزة آي فون تحظى بشعبية كبيرة. وقد جاءت الحملات ضد العلامات التجارية الأجنبية وانتهت، والعلامات التجارية المحلية التي تتبنى سياسات الحكومة الصينية تخاطر كثيرًا، إذ يمكن أن يكون اهتمامها غير مرغوب فيه إذا تغير اتجاه الرياح السياسية سريعًا.

واستطردت الكاتبة قائلة: إن الاهتمام بالعلامات التجارية المحلية في الصين لم يزل يُمثل تحوُّلًا كبيرًا. وبعد مرحلة الزعيم الصيني ماو تسي تونج، أنتجت البلاد قدرًا ضئيلًا من المنتجات الاستهلاكية. وكانت أجهزة التلفزيون التي امتلكتها معظم العائلات الصينية لأول مرة في ثمانينيات القرن العشرين من اليابان. وأعاد بيير كاردان، مصمم الأزياء الفرنسي، تقديم عروض الموضة لأول مرة في بكين عام 1979، جالبًا الألوان والذوق إلى دولة كانت ترتدي اللونين الأزرق والرمادي أثناء الثورة الثقافية.

ذكريات الصينيين مع الماركات العالمية الغربية

وتستحضر الكاتبة إلى الأذهان ذكريات الصينيين المولودين، وهي منهم، في سبعينيات القرن الماضي أو ما قبل ذلك مع المنتجات العالمية، قائلة إنهم لا زالوا يذكرون أول رشفة من مشروب «كوكاكولا» وأول قضمة من وجبات «بيج ماك». بالإضافة إلى مشاهدة أفلام من إنتاج هوليوود واليابان وهونج كونج والتي كانت تركز على خزائن الثياب والمكياج بالقدر نفسه التي كانت تركز به على حبكة الفيلم. والمسارعة إلى شراء شامبو «هيد آند شولدرز» لأن اسمه الصيني، «هايفيسي» يعني «شعر البحر المُرفرِف».

وفي السياق ذاته، قال شون شاوهوا، رجل أعمال صيني أسس شركة ملابس رياضية في شنجهاي تنافس شركة فانس وكونفيرس: «لقد مرت علينا صيحات الموضة الأوروبية والأمريكية، والموضة اليابانية والكورية، والموضة الأمريكية لملابس الشارع، حتى صيحات موضة هونج كونج وتايوان».

أما الآن ربما يكون هو زمن الموضة الصينية – بحسب كاتبة التقرير – إذ تُصنع الشركات الصينية منتجات أفضل جودة. كما أن الجيل زد الصيني (الجيل الذي يلي جيل الألفية)، المولود بين عامي 1995 و2009، ليس لديه الارتباط نفسه بأسماء الماركات الأجنبية. وحتى صحيفة بيبولز ديلي (People’s Daily)، الصحيفة الرسمية للحزب الشيوعي الحاكم في الصين، بدأت في الترويج لذلك.

إذ بدأت الصحيفة بالترويج لمجموعة ملابس الشارع مع شركة «لي نينج» في عام 2019. وفي العام نفسه، أصدرت الصحيفة تقريرًا مع شركة «بايدو»، شركة بحث صينية، تحت عنوان «جواتشاو برايد بيج داتا»، ووجدوا أن أكثر من ثلثي المستهلكين الصينيين في البلاد يبحثون عن العلامات التجارية الصينية المحلية، موازنةً بنحو الثلث فحسب قبل 10 سنوات.

النزعة الوطنية في الصين أساس للترويج

وتضيف الكاتبة أنه كما هو الحال مع كثير من الأشياء في الصين، ربما يكون من الصعب معرفة مدى مشاركة حركة جواتشاو في صياغة السياسات. ويتناسب التوجه لإنشاء العلامات التجارية المحلية الصنع مع رغبة الحزب الشيوعي في جعل البلاد أكثر اعتمادًا على الذات. ويحرص المسؤولون الصينيون أيضًا على زيادة أعداد المتسوقين الصينيين: ويُشكل الاستهلاك المنزلي حوالي 40 في المئة فقط من الناتج الاقتصادي الصيني، وهو أقل بكثير مما هو عليه في الولايات المتحدة وأوروبا.

وبغض النظر عن النزعة الوطنية، يرى رجال الأعمال أن مشاريعهم ترتكز على أساس تجاري صلب. وقد شهدت اليابان وكوريا الجنوبية اتجاهات مماثلة، وكلاهما أصبح حاليًا مُنشِئ لعدد من العلامات التجارية القوية. ويعرف المنتجون المحليون جيدًا إمكانات سلاسل التوريد في الدولة وكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. إذ يتابع ماركة مستر شون للملابس الرياضية نصف مليون شخص على موقع «تاوباو» للتسوق الإلكتروني والتابع لمجموعة «علي بابا» وتبيعها بنفس أسعار «فانس وكونفيرس» أو ربما أعلى بقليل.

وتشير الكاتبة إلى ما قاله شون «إن علامته التجارية دخلت مضمار المنافسة عن طريق صناعة أحذية تتناسب بصورة أفضل مع الأقدام الصينية، إلى جانب أنها تُوفر ألوانًا يفضلها الصينيون على الصعيد المحلي، مثل الأخضر والفوشيا». ويبيع شون منتجاته عبر الإنترنت فقط ويتعاون مع العلامات التجارية والشخصيات الصينية والأجنبية، بما في ذلك بوكيمون وهالو كيتي. ويبلغ شون من العمر 37 عامًا، وهو الشخص الوحيد في شركته الذي وُلد قبل عام 1990.

الأزمات ساعدت منتجات صينية متدهورة على النهوض

وألمحت الكاتبة إلى أن موضة جواتشاو كان لها الفضل أيضًا في تنشيط العلامات التجارية الصينية القديمة، مثل «لي نينج». وقد ظل سكان المدن المتطورة، لسنوات عديدة، يرون أن العلامة التجارية، التي أنشأها بطل العالم السابق للاعب الجمباز الذي يحمل الاسم نفسه، سيئة ومبتذلة. وكان تصميمها المكون من اللون الأحمر والأصفر، بعد العلم الصيني، عرضة للسخرية منه وكان يُطلق عليه «بيض مقلي مع الطماطم»، وهو طبق صيني يومي. وكانت «لي نينج» تخسر المال، وتتكبد أسهمها سلسلة من الخسائر.

لكن بعد ذلك، قدَّمت شركة «لي نينج» تشكيلة من منتجاتها في «أسبوع نيويورك للموضة» في أوائل عام 2018. وقد أدَّى تصميمها الجريء، بالإضافة إلى الشخصيات الصينية الشجاعة والتطريز، إلى إثارة ضجة في الوطن. ومنذ ذلك الحين، ارتفعت أسهمها حتى وصلت إلى تسعة أضعاف تقريبًا. وتباع تشكيلة منتجات «لي نينج» الراقية حاليًا بأسعار تتراوح من 100 دولار إلى 150 دولارًا في المتوسط، على قدر المساواة مع مجموعات أديداس.

واستدركت الكاتبة قائلة: ولكن على الرغم من طموح رجال الأعمال الصينيين، فقد اعترفوا جميعهم تقريبًا عندما تحدثت إليهم أن العلامات التجارية الصينية لم تزل غير قادرة على المنافسة مع العلامات التجارية الكبيرة مثل كوكاكولا ونايكي.

وفي هذا الصدد، ضرب أليكس زي، مستشار التسويق الذي يعمل مع الشركات الصينية، مثالًا لصناعة الملابس الرياضية. إذ تتفوق شركة نايكي، منذ سنوات طويلة، على العلامات التجارية الصينية في مجال البحث والتطوير. وتتمتع نايكي بشبكة عميقة من العلاقات في عالم الرياضة. وتعمل نايكي على نحو وثيق مع الرياضيين لتطوير أحذيتهم على نحو أفضل، بالإضافة إلى أن نايكي ترعى عديدًا من الفعاليات والفِرق الرياضية، ومنها منتخبات كرة القدم الوطنية وكرة السلة وألعاب القوى في الصين. وتابع زي قائلًا: إن «نايكي تتمتع ببساطة بعلاقة أقوى بكثير مع عملائها أكثر من أي علامة تجارية صينية».

الحساسيات السياسية

وأوضحت الكاتبة أن أزمة مقاطعة القطن في شينجانج تُمثل تحديًا كبيرًا للشركات ذات العلامات التجارية العالمية، إذ يُمكن أن يُساعد ذلك منافسيها من الشركات الصينية.

وفي حين أن مشاعر الغضب، التي تصاعدت في الصين سابقًا ضد العلامات التجارية الأجنبية، مثل الرابطة الوطنية لكرة السلة و«دولتشي آند جابانا» انتهت سريعًا بسلام، إلا أن كثيرًا من الناس يقولون إن هذه الجولة من الغضب المستعر قد تستمر لمدة طويلة.

وفي ختام تقريرها، استشهدت الكاتبة بما قاله شون: «كانت مشكلتنا مع بعض العلامات التجارية الغربية، في الماضي، أنها لا تفهم الثقافة الصينية أو فشلت في تقديرها واحترامها بسبب افتقارها إلى الفهم. لكن الأمر هذه المرة مختلف لأنه قضية سياسية، وقد تجاوزوا الحساسيات السياسية الخاصة بنا». وطلب شون بعد ذلك، مثله مثل أي رجل أعمال صيني محترف يعرف الموضوعات الحساسة، «هل من الممكن ألا نتطرق إلى السياسة أثناء حديثنا»؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي