هل يخبرنا الصعود الصيني بنهوض الشرق وتراجع الغرب؟

Chinese leaders boast about China’s rising power. The real story is different.
2021-04-17

هل الصين واثقة من مسارها المستقبلي؟ يجيب عن هذا السؤال، الباحث يوين يوين أنج، في مستهل مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، قائلًا: من بعض النواحي، نعم. لافتًا إلى أن شعار «الشرق ينهض والغرب يتراجع» أصبح محور الاهتمام الجيوسياسي خلال الجلسات التشريعية السنوية التي انعقدت في الصين الشهر الماضي. وتناقلت وسائل الإعلام الغربية هذه العبارة على نطاق واسع، ووصفتها بأنها علامة على ثقة بكين – وإن اعتبرها البعض غطرسة – في حتمية صعود الصين وانهيار الغرب.

وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد ردد شعار «الشرق ينهض والغرب يتراجع» خلال اجتماع عقد في الأسبوع الأول من مارس (آذار) الماضي، وهي العبارة التي تحولت في الآونة الأخيرة إلى شعار موحد ضمن غالبية خطابات المسؤولين الصينيين. وهذا كله يتماشى مع تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ، أثناء المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي، الذي انعقد في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، بـ«جعل الصين قوية وغنية»، وأن تتحول إلى القوة الأولى عالميًّا بحلول عام 2050.

في تصريحات هذا العام، أعلن الرئيس شي جين بينغ أن «الوقت والزخم في صالحنا». وأشادت وسائل الإعلام الصينية ومستخدمو الإنترنت بأداء الفريق الدبلوماسي الصيني لتحدثه بحزم – بل توجيهه أصابع الاتهام – إلى مسؤول في إدارة بايدن خلال محادثات ألاسكا التي انعقدت مؤخرًا.

يشير الكاتب – مؤلف كتاب «كيف نجت الصين من مصيدة الفقر» الصادر عن مطبعة جامعة كورنيل في عام 2016 – إلى أن الواقع في الصين غالبًا ما يكون أخفى مما تراه العين. صحيحٌ أن نظام شي يبدو أنه خرج منتصرًا بعد السيطرة على الجائحة داخل الصين؛ إذ حقق انتعاشًا اقتصاديًّا وأحرز «نصرًا كاملًا» في القضاء على الفقر المدقع، على الرغم من الأزمة، بيدَ أن هذه الثقة تكبحها كلمات الحذر وانعدام الأمن العميق الذي لم نشهد مثلهما من قبل في عهد شي.

هذا التحفظ في الإعراب عن الثقة يمكن أن يعكس رغبة الحزب الشيوعي في تحقيق التوازن بين الرسائل القومية ومتطلبات البراجماتية، ومراعاة انقسام الآراء بين نخب الحزب، وإدراك نقاط الضعف الجوهرية للصين في مواجهة الولايات المتحدة – حتى في أوساط المتشددين – أو كل ما سبق.

إلى أي مدى تثق الصين في مستقبلها؟

يصف الكاتب سياسة النخبة الصينية بأنها «صندوق أسود»، لكن لغة البيانات السياسية الرئيسية يمكن أن تعطينا مفاتيح مهمة لفهم فحوى الرسائل الصينية. فعلى عكس الطبيعة الصاخبة والمباشرة لعملية التواصل السياسي في الدول الديمقراطية، حيث يتنافس السياسيون على أن يُسمَع صوتهم، تميل الصين إلى إرسال إشارات مشفرة قد تخفى عن الآذان الغربية، لدرجة أن المسؤولين المحليين في الصين يحتاجون إلى جهد كبير لتفسير الرسائل التي تصدر عن القيادة العليا.

حين أدلى الكاتب بشهادته أمام اللجنة الاقتصادية والأمنية الأمريكية–الصينية في يناير (كانون الثاني)، حاول تقديم أدلة ترسم ملامح التقييم الذاتي للحزب الشيوعي الصيني من خلال مقارنة بيانات جلسات المؤتمر السنوي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، في عامي 2015 و2020. ويكشف هذا التحليل كيف تطور تصور القيادة الصينية للفرص والتهديدات في عهد شي.

اختار الكاتب هذه الجلسات تحديدًا للاسترشاد بها؛ لأن الحزب يكرسها للموافقة على مسودة الخطة الخمسية التي ستصدر في العام التالي. لذلك فإن البيان الصادر عن جلسات عام 2020 يلخص النقاط البارزة في الخطة الخمسية الرابعة عشرة (2021- 2025)، التي وافق عليها المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في مارس (آذار) 2021. ويستعرض بيان 2015 خطة 2016-2020؛ وبذلك تكتمل الرؤية الصينية لعقدٍ كامل يمتد ما بين عامي 2016 و2025.

قد يسارع المراقب غير المتعمق إلى رفض الاستدلال بالبيانات الرسمية الصينية بوصفها خطابات احتفالية فارغة، بيدَ أن قادة الحزب الشيوعي الصيني يستخدمون هذه الخطابات الرسمية لإدارة الدولاب البيروقراطي، وليس لإلهام الجمهور، ولذلك فإن بيانات الحزب قد تخفي رسائل مهمة بين السطور، على حد قول الكاتب، مستدلًا بتأكيد الاقتصاديين والمستشارين السياسيين السابقين، تشيان ينجي، و«وو جينجليان»، أن «التغييرات الطفيفة في الخطاب السياسي الصيني، تعكس تغييرًا كبيرًا في الأيديولوجية».

4 مفاتيح نستخلصها من استقراء البيانات الصينية

أولًا: تكشف القراءة الدقيقة لهذه البيانات عن حدوث تغييرات في تشخيص الحزب الشيوعي للتحديات التي تواجهه. ففي عام 2015، كانت القيادة ترى أن التباطؤ الاقتصادي يمثل أكبر تهديد للصين، لكن هذا التحدي لم يرد ذكره في بيان عام 2020. بدلًا من ذلك، أصبحت المخاوف المهيمنة في عام 2020 هي الجائحة (ورد ذكرها أربع مرات) و«الوضع الدولي المعقد» (ورد ذكره ثلاث مرات) في إشارة إلى تنافس القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين.

ثانيًا: يذكر البيان الرسمي الصادر في عام 2020 أن «طبيعة الفرص والتحديات التي نواجهها» قد تغيرت. في هذا البيان يقدم الحزب مصطلحًا جديدًا، هو: «تحول زلزالي يحدث مرة كل قرن»، مقترنًا بعبارة جديدة أخرى، هي: «القوة النسبية (للدول) تشهد تغييرًا». يرى الكاتب أن هذا الخطاب يعكس شعور القيادة بأن اجتياز اختبار الجائحة الصعب قد عزز مكانة الصين في النظام العالمي. ومن هذا المنطلق، يبدو الحزب الحاكم في الصين أكثر ثقة في عام 2020 مما كان عليه قبل خمس سنوات.

ثالثًا: في الوقت ذاته، أظهرت قيادة شي شيئًا من الحذر وضبط النفس. فبالإضافة إلى تأكيد التحديات الخارجية، خصص بيان عام 2020 فقرة كاملة لتفصيل القيود المحلية التي تواجه الصين، وهو ما لم يكن موجودًا في بيان عام 2015. تشمل نقاط الضعف الواردة في البيان وجود «مشكلة حادة تتعلق بعدم المساواة»، و«عدم وفاء قدرتنا على الابتكار بمعايير التنمية عالية الجودة»، بالإضافة إلى «الفجوات بين المواطنين في سبل عيشهم وفي الإدارة الاجتماعية»، من بين أمور أخرى.

الشرق ينهض والغرب يتراجع

يرصد المقال علامة أخرى على ضبط النفس عن الانغماس في الغطرسة الصينية، حسبما يظهر في قول شي: «أمتنا لا تزال أكبر دولة نامية في العالم، وبالتالي فإن التنمية لا تزال هي المهمة الأولى لحزبنا». قد يستهجن المراقبون الغربيون عبارة «دولة نامية» بوصفها ذريعة يتترس خلفها القادة الصينيون للتنصل من المسؤوليات العالمية.

قد يكون هذا صحيحًا عندما يتفاوض الصينيون مع الأجانب، لكن في هذا السياق، يلفت الكاتب إلى أن شي يعترف بالضعف أمام الجمهور المحلي. وهذا سلوك غير معتاد من القائد الصيني، الذي لطالما كان يفضل الخطابات البراقة حول «التجديد العظيم» و«الإقدام».

رابعًا: يقترن الشعور بالثقة الحذرة مع تأكيد كاسح على «الأمن»، الذي ورد ذكره 22 مرة في بيان عام 2020، أكثر من «الإصلاح» (ورد ذكره 17 مرة)، و«تطوير الجودة» (ورد ذكره 16 مرة)، و«الابتكار» (ورد ذكره 15 مرة). أما في عام 2015، فوجد الكاتب أن «الأمن» ورد ذكره 13 مرة فقط. وشدد شي شخصيًّا على هذه الرسالة قائلًا: «لا تنمية بدون أمن؛ فهو شرطها المسبق. ولا أمن بدون تنمية؛ فهي ضمانة له».

يلفت المقال إلى أهمية السياق في اللغة الصينية؛ وبالتالي يمكن أن يختلف معنى التعبيرات اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على الجمهور والسياق والتعليقات المصاحبة. هذه الفروق الدقيقة تجعل من المهم تفسير عبارات مثل «الشرق ينهض والغرب يتراجع» في سياقها الكامل. صحيح أن النظام الصيني يشعر بالاطمئنان الذاتي، والأهم من ذلك أنه يريد إقناع الشعب الصيني بإمكانية الشعور بالثقة تحت القيادة المطلقة للحزب الشيوعي. لكن قراءة كلمات القيادة والاستماع إليها بعناية، تنبئنا بأن ثقتهم يَحُفُّها الحذر؛ ويرجع ذلك إلى إدراك قادة الحزب أن الصين لا تزال على مسافة كبيرة من التربع على عرش القوة رقم واحد في العالم.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي