الأزمة الأوكرانية.. خلاف جديد بين روسيا وتركيا.. فمع من تقف أنقرة؟

متابعات الامة برس:
2021-04-14

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي

جاءت الأزمة الأوكرانية لتضيف ساحة خلاف جديدة بين روسيا وتركيا، إضافة إلى سوريا وليبيا، وأذربيجان، ولكن الموقف التركي في الأزمة الأوكرانية سيكون أكثر حرصاً عما كان في هذه الأزمات، بالنظر إلى حساسية المسألة الأوكرانية لموسكو.

وتتعامل روسيا مع أوكرانيا باعتبارها حديقتها الخلفية، كما تعتبر نفسها وصيةً على الأوكرانيين المتحدثين بالروسية، وتستخدمهم كأداة للضغط على كييف، ولكن الأخطر في الأزمة الأخيرة هو وجود مؤشرات كبيرة على أن موسكو تستخدم الأزمة الأوكرانية برمتها كورقة للضغط على الغرب، مع نزوع إدارة بايدن للتصعيد ضد موسكو.

وكان لافتاً في هذه الأزمة أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي زار تركيا، مع تعزيز روسيا قواتها على حدود بلاده، حيث رحّب به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقال إنه يدعم وحدة أراضي أوكرانيا.

في المقابل، قررت روسيا فرض قيود على سفر مواطنيها لتركيا للسياحة، فيما قالت إنها خطوة مرتبطة بانتشار فيروس كورونا في تركيا، وليس الموقف التركي من الأزمة الأوكرانية.

هل تكرر تركيا في أوكرانيا ما فعلته في أذربيجان وسوريا وليبيا؟

طوال عام 2020، ألحقت الطائرات بدون طيار التركية هزائم كبيرة بوكلاء روسيا في سوريا وليبيا -نظام بشار الأسد وقوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر- ودمرت كميات كبيرة من المعدات الروسية الصنع، حسبما ورد في تقرير لموقع The Moscow Times الروسي.

تكرَّرت نفس القصة في إقليم ناغورني قره باغ، أثناء الحرب بين أذربيجان حليفة تركيا وأرمينيا حليفة موسكو، حيث استخدمت أنقرة قدراتها المكتسبة حديثاً لإقحام نفسها فيما تصوره موسكو على أنه مجال نفوذها المميز.

فرغم العلاقات الوثيقة التي نمت بين موسكو وأنقرة خلال عهد بوتين وأردوغان كانت تركيا هي الدولة الوحيدة في الناتو التي أثبتت استعدادها وقدرتها أحياناً على كبح جماح توسع الكرملين، حسب الموقع الروسي.

وقدم بوتين وأردوغان نموذجاً فريداً للعمل السياسي، فبعد المواجهات شبه الخشنة بين البلدين في ساحات سوريا وأذربيجان وليبيا، حيث تفوقت أنقرة، خاصة في عام 2020، في النهاية كان يجلس الزعيمان ويتفاوضان ويضعان حلاً للنزاعات مع تهميش الأطراف الأخرى.

لماذا تبدو روسيا قلقة من الدور التركي في الأزمة الأوكرانية؟

في أوكرانيا، قبل الأزمة الأخيرة، كان لتركيا دور كبير في هذا البلد الأوروبي الذي يقع على حدود روسيا، ولكن بطريقة مختلفة.

فلقد حافظت أنقرة على توازن دقيق بين البلدين، فمن ناحية لم تنضم تركيا للعقوبات الغربية على روسيا بعد ضمها للقرم خلال الأزمة الأوكرانية عام 2014، بل على العكس وثقت علاقتها العسكرية مع موسكو عبر شراء نظام إس 400 المضاد للطائرات والصواريخ، إضافة إلى توثيق العلاقات الاقتصادية.

ولكن في المقابل، عكس كل الدول الغربية التي حرّضت أوكرانيا ضد روسيا ثم تركتها فريسة لها، كانت أنقرة هي الدولة الوحيدة التي قدمت دعماً على الأرض لأوكرانيا، عبر التعاون معها في المجال العسكري.

وأبرز نموذج على ذلك تصدير أنقرة طائراتها الشهيرة بيرقدار لكييف، بل هناك حديث عن تجميع أوكرانيا لها.

ومع الوقت أصبحت أنقرة أكثر جرأة في إظهار علاقاتها الوثيقة مع كييف أيضاً.

وأسفرت رحلة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى تركيا، في أكتوبر/تشرين الأول 2020، عن دعوة مشتركة لـ"إنهاء احتلال جمهورية القرم المتمتعة بالحكم الذاتي ومدينة سيفاستوبول، والدعوة لاستعادة سيطرة أوكرانيا على المناطق المتمردة في منطقتي دونيتسك ولوهانسك".

كما وقعت كييف أيضاً عقداً لشراء 6 طائرات بدون طيار تركية، من طراز Bayraktar TB2، ولا تزال المناقشات حول الإنتاج الدفاعي المشترك جارية.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين

كل ذلك تم دون استفزاز روسيا أو إطلاق تصريحات حادة كما يفعل الغرب.

يمكن القول إن تركيا هي الدولة الوحيدة من الناتو التي لعبت دورأ في تحسين وضع كييف العسكري المزري، ولكن دون الدخول في مواجهة مع روسيا.

وبالتالي، فرغم أنه من الصعب تخيل أن الدعم التركي قد يكون فعالأً في مواجهة القوى العسكرية الروسية الجبارة، فإنه سيكون له تأثير كبير ضد المتمردين المدعومين من روسيا، وفي الحرب منخفضة الكثافة الدائرة حالياً في أوكرانيا.

لماذا تمثل أوكرانيا أهمية كبيرة لتركيا؟

بعيداً عن مصالح الاتحاد الأوروبي والناتو والولايات المتحدة، تمثل أوكرانيا أهمية بالغة لتركيا من عدة نواحٍ.

أولاً: الدولتان متشاطئتان على البحر الأسود ومن شأن إضعاف أوكرانيا أكثر على في هذا البحر لصالح روسيا تهديد لكل الدول لأخرى المتشاطئة على البحر الأسود بما فيها تركيا.

ثانياً: توجد روابط تاريخية بين تركيا وأوكرانيا، حيث كان للدولة العثمانية سيطرة على جنوب أوكرانيا لقرون (غالباً عبر خانية القرم التابعة لها)، إضافة إلى أن السكان الأصليين لشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا هم تتر القرم، وهم شعب تركي كان له دولة مستقلة كانت حليفة للدولة العثمانية، ولعبت دوراً مهماً في تاريخ حروبها في أوروبا.

ثالثاً: النقطة الأهم هي وجود شراكة بين البلدين في مجال التصنيع العسكري، حيث تمثل أوكرانيا مزوداً محتملاً ومهماً للكثير من المعدات العسكرية لتركيا، ولاسيما محركات الدبابات والطائرات، في وقت يمارس فيه الغرب فعلياً حصاراً غير معلن على تركيا في هذا المجال.

في المقابل، تمثل تركيا مزوداً مهماً لأوكرانيا في العديد من مجالات الأسلحة، وأهمها الطائرات بدون طيار، والسفن الحربية وصواريخ كروز.

إذ تُمثل الشراكة التركية الأوكرانية في المجال العسكري والصناعات الدفاعية أهمية كبيرة للبلدين، لأن كلاً منها لديه ما يكمل النقص لدى الآخر.

وتبرز أوكرانيا اليوم كشريك رئيسي لتركيا في سلسلة من التقنيات العسكرية الحاسمة مثل المحركات التوربينية ومحركات الديزل، وإلكترونيات الطيران، والطائرات من دون طيار، والصواريخ المضادة للسفن والصواريخ، وأنظمة الرادار والمراقبة، وتقنيات الفضاء والأقمار الصناعية، والأنظمة الآلية، النشطة والسلبية، وأنظمة حماية الدروع ومحركات الصواريخ وأنظمة التوجيه.

وفي اللقاء بين الرئيسين، في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2020، ناقش الجانبان نقل التكنولوجيا الأوكرانية إلى مركز أبحاث الفضاء وتطويره في "روكيتسان"، وهي خطوة ملموسة تمكّن من الشراكة في تقنيات المحركات والفضاء المهمة.

وفي عام 2020، باعت أوكرانيا لتركيا ربع أسهم شركة Motor Sich الأوكرانية، التي تعد من أكبر شركات إنتاج محركات الطائرات في العالم، وتعد هذه الشركة أحد المزودين المحتملين للمحركات للطائرات التركية المسيرة، وكذلك المروحية التركية أتاك 129.

وفي شهر فبراير/شباط 2021، أفادت تقارير بأن أوكرانيا قد تبيع 50% من حصتها في Motor Sich إلى شركة تركية.

وقال موقع إخباري أوكراني، نقلاً عن مصادر، إن بيع نحو 50% من أسهم الشركة تمت مناقشته بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس رجب طيب أردوغان.

وأدى ازدياد التعاون التكنولوجي بين الجانبين بشكل كبير خلال العامين الماضيين إلى التمهيد لتحالف تقني علمي، له آثار بعيدة المدى على توازن القوى الجيوسياسي في حوض البحر الأسود.

تركيا تتحكم في مفتاح البحر الأسود

صبرت روسيا كثيراً على هذه التحركات التركية، ولكنها اليوم مع تفجيرها للأزمة الأوكرانية، يبدو واضحاً أنها قلقة من هذا التعاون التركي الأوكراني، لأنه يتحدى الموقف الروسي في البحر الأسود، كما أن الأسلحة التركية قد تساعد أوكرانيا على مواجهة المتمردين في إقليم الدونباس المتمرد، ولهذا توجه وسائل الإعلام الروسية انتقاداتٍ لنشر أوكرانيا طائرات بدون طيار تركية في الدونباس.

وتزداد أهمية تركيا لكل الأطراف في الأزمة الأوكرانية، بسبب المضائق التركية، التي تُعد الممر الوحيد لأي دعم أمريكي أو من الناتو آتٍ لأوكرانيا من البحر.

وهذه المضائق تنظم الملاحة فيها اتفاقية مونترو، التي تفرض قيوداً على المدة الزمنية لوجود السفن الحربية للدول غير المتشاطئة بالبحر الأسود، وفعلياً تحمل أنقرة مسألة تنظيم هذه المسألة.

ومؤخراً، تم الإعلان عن عبور بارجتين أمريكيتين إلى البحر الأسود عبر مضيق البوسفور، إلى البحر الأسود لدعم أوكرانيا.

وتظهر هذه الأزمة أهمية قناة إسطنبول، لأنها يمكن أن توفر لسفن الناتو فرصة مرور غير مقيدة للبحر الأسود.

هل تتورط تركيا في اشتباك جديد مع روسيا بسبب أوكرانيا؟

رغم اهتمام تركيا البالغ بالأزمة الأوكرانية، وتحدّيها لموسكو في ثلاث ساحات من قبل، فإن أنقرة، على الأرجح، تعلم أن أوكرانيا بالنسبة لروسيا قضية مختلفة وشديدة الحساسية، كما أنه في ظل مجاورة روسيا لأوكرانيا فالميزان راجح بشكل هائل لموسكو.

كما أن تجربة تركيا الذاتية هي أنه بينما دول الناتو شجعتها على دعم المعارضة السورية ضد الأسد، فإن الغرب تركها وحدها، عندما أرسلت روسيا قواتها إلى سوريا، وحدث توتر بين أنقرة وموسكو.

بل إنه في وقت كانت الطائرات الروسية تخترق الأجواء التركية من سوريا، سحبت دول الناتو صواريخ باتريوت من تركيا (ورفضت إدارة أوباما بيعها لتركيا)، وهي الأزمة التي وصلت لذروتها بإسقاط تركيا طائرة روسية اخترقت أجواءها، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

وقبل ذلك، وقفت دول الناتو تشاهد روسيا وهي تقتطع القرم من أوكرانيا، وتشعل تمرداً في إقليم دونباس، دون رد فعل، باستثناء فرض عقوبات اقتصادية لم تغير من موقف روسيا شيئاً.

ولذا، فرغم محاولة تركيا الاستفادة من الأزمة الأوكرانية لإظهار أهميتها للغرب، فإنها تعلم محدودية ما سيقدمه الغرب في المقابل، وأن عليها إدارة علاقتها مع روسيا بنفسها.

ولذا كان لافتاً رغم تأكيد أردوغان على دعم وحدة أوكرانيا وسلامة أراضيها، تأكيده أيضاً على الحلول السلمية.

كما أن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، دعا روسيا وأوكرانيا لإنهاء التوتر الحاصل بينهما في أقرب وقت.

جاء ذلك في كلمة له، أمس الثلاثاء، خلال عقده اجتماعاً عبر اتصال مرئي مع قادة الجيش، بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع.

وأشار إلى أن تركيا تتابع عن كثب التطورات الأخيرة في أوكرانيا، مؤكداً على أنها حليف استراتيجي مهم لبلاده.

وقال: "نهتم بمستقبل الأوكرانيين عن قرب، وأكدنا في أكثر من فرصة على دعم تركيا للأمن والاستقرار ووحدة أراضي أوكرانيا، ولم نعترف بضم روسيا لإقليم القرم".

وأردف: "وأكدنا أيضاً على اهتمامنا بمستقبل تتار القرم عن كثب، وكما قلنا على الدوام، فإننا ندعم إنهاء التوتر بين روسيا وأوكرانيا في أقرب وقت بالطرق السلمية، بشكل يتوافق مع القانون الدولي، واحترام وحدة الأراضي".

ولكن إضافةً إلى تأكيده على دعم بلاده لأوكرانيا، فإنه في النهاية طرح بلاده كوسيط بين كييف وموسكو، إذ قال إن بلاده تقدم كافة أشكال الدعم من أجل ضمان الحوار والمحادثات بين الطرفين، وحل النزاع بالطرق السلمية بأسرع وقت.

وهو طرحٌ واقعي، بالنظر إلى أن بلاده إحدى الدول القليلة التي تحتفظ بعلاقة وثيقة مع كييف وموسكو على السواء.

ولكن المشكلة أن القوتين العظميين قد تكون لهما أهداف تتجاوز أوكرانيا وتركيا.

فروسيا في الأغلب تجدد الأزمة في أوكرانيا لثني بايدن عن تصعيد العداء للنظام الروسي الحاكم، خاصة في ملف العقوبات، ولاسيما أن هناك حديثاً عن اقتراح بفرض عقوبات أمريكية تتضمن منع شراء الأوراق المالية الروسية الحكومية.

أما الإدارة الأمريكية الحالية، التي كان رئيسها بايدن، نائباً للرئيس أوباما في العهد الذي احتلت روسيا فيه القرم، فهي تريد التصعيد مع روسيا ومعاقبتها على أشياء كثيرة، من بينها تدخلها في الانتخابات الأمريكية، كما أنها تريد جرّ تركيا للخصام مع روسيا، في الوقت الذي يثبت تاريخ بايدن وتاريخ أوباما وقادة الاتحاد الأوروبي أن الغرب يتخلى عن حلفائه وقت الضيق.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي