واشنطن بوست: ليست مجرد وكيلة لإيران.. هكذا تفهم مشاكل الفصائل العراقية

2021-04-11

عندما جاءت الدعوة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، امتدت صفوف المتطوعين في العراق طويلا. جمع الأصدقاءُ الأموال لدفع تكاليف النقل إلى مكاتب تجنيد الفصائل المحلية. وكان الشبان يتدافعون بالفعل في حافلات متجهة إلى الخطوط الأمامية لوقف تقدم تنظيم الدولة باتجاه العاصمة بغداد آنذاك.

وقال الكاتبان لويزا لوفلاك ومصطفى سليم، في تقريرهما الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" (The Washington Post) الأميركية، إنه مع تراجع الجيش العراقي كان يقع على عاتق الفصائل الشيعية في كثير من الأحيان مسؤولية التغلب على مقاتلي تنظيم الدولة. بالنسبة للكثيرين في مدينة الناصرية جنوبي البلاد، كانوا يشعرون وكأنها معركة من

قال المقاتل السابق ثامر الصافي، متذكرا معارك عام 2014 التي قُتل فيها اثنان من أشقائه، "في ذلك الوقت، كان الأمر يتعلق بشيء واحد فقط: كان هذا من أجل مستقبلنا. كان هذا من أجل العراق".

 

عواقب بعيدة

كان لهذه التعبئة الجماهيرية عواقب بعيدة المدى، حيث تمكنت الفصائل المنتصرة من الوصول إلى مستويات عليا في السلطة تضعها على مسار مواجهة الولايات المتحدة. وبدعم من إيران في كثير من الحالات، صعّدت الفصائل هجماتها الصاروخية على المواقع العسكرية الأميركية في الأعوام الأخيرة، مهددة بإشعال فتيل حرب أوسع بين الولايات المتحدة وإيران حتى الآن، في حين يتحدث كبار المسؤولين في واشنطن وطهران عن استئناف الاتصالات الدبلوماسية.

وبينما كان بعض المسؤولين الأميركيين ينظرون إلى الفصائل الشيعية على أنها ليست أكثر من مجرد وكلاء لإيران في حملتها لتوسيع نفوذها الإقليمي، تأصلت هذه الجماعات غالبًا في نسيج المجتمع العراقي وولدت من تاريخه المضطرب.

وذكر الكاتبان أن بعض الفصائل لها جذور تعود إلى عقود. لقد تأسست شبكتهم الرسمية، المعروفة باسم قوات الحشد الشعبي، في عام 2014 بدعم واسع النطاق من السكان في أنحاء جنوبي العراق، بعد أن استجاب عشرات الآلاف لدعوة رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي وفتوى المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني إلى محاربة مقاتلي تنظيم الدولة.

والآن، مع خوف بعض العراقيين من هذه الفصائل المدعومة من إيران، تمتد المظالم إلى ما هو أبعد من نفوذ طهران لتشمل مخاوف بشأن ما أصبحت عليه هذه الجماعات والوعود التي نكثت بها.

تعد الفصائل اليوم مصدر قوة اقتصادية ومعززة للنظام السياسي. إنها متغلغلة في جميع مؤسسات البلاد، وعندما اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية ضد الحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2019، قامت الجماعات المسلحة المدعومة من إيران بقمعها بقوة مميتة. وكثيرا ما اتهمت جماعات حقوق الإنسان بعض الفصائل بارتكاب انتهاكات.

 

شعور بالندم

وقال عبد الله، البالغ من العمر 58 عاما، وهو متطوع سابق في الفصائل وتحدث بشرط حجب لقبه خوفا من الانتقام مثلما فعل الآخرون الذين أُجريت مقابلات معهم، "لقد شعرت بالندم لأنني سمحت لأخي بالقتال. إنني أدعو كل يوم لأعيش طويلا بما يكفي للاعتناء بأطفاله"، مشيرا إلى أن قناصا من تنظيم الدولة قتل شقيقه حيدر في كمين خلال خريف 2014.

وفي الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوبي البلاد، تصطف صور المجندين القتلى مثل حيدر في الشوارع على لوحات إعلانية باهتة، كأنهم أشباح من الماضي تتحدث عن مقدار تضحية هذه المدينة المتهالكة لهزيمة تنظيم الدولة. وتظهر وجوه هؤلاء "الشهداء" بشكل بارز في حملات تجنيد الفصائل.

كتعويض عن وفاتهم، تلقت عائلات الشهداء تقليديا أراضي ومبالغ شهرية من اللجنة الجامعة التي تدير جميع شؤون الحشد الشعبي. ولكن بالنسبة لبعض العائلات الأكثر فقرا، فإن هذه المزايا بدأت في التقلص الآن، مما يغذي الاستياء من الفصائل التي اعتمدوا عليها في السابق من أجل الأمان الاجتماعي.

عبر الناصرية، وكذلك في مدن الجنوب، تُركت بعض عائلات القتلى تلملم جراحها، حيث يقع الاحتفاء بهم علنا لشجاعة أبنائهم، ولكنهم يشعرون بأن الفصائل التي قاتل أبناؤهم وماتوا من أجلها قد تخلت عنهم وأحيانا خانتهم.

قال ستار البالغ من العمر 59 عاما، "لقد وعدونا بالأراضي، وعدونا بالتعويض. في المرة الأخيرة التي ذهبت فيها إلى مكاتبهم، رميت جميع أوراقنا على مكاتبهم وأخبرتهم أنني أتمنى لو لم أرسل قط ابني ليكون شهيدا".

عُلقت على الحائط صورة بالية لابنه الشاب مشتاق الذي كان يعشق كرة القدم والذي كان يبلغ من العمر 18 عاما عندما أصيب بجروح خطيرة أثناء القتال في صفوف منظمة بدر المرتبطة بإيران في عام 2015. في مكالمته الأخيرة لعائلته، قال مشتاق إنه كان في طريقه إلى الخارج في دورية. لكن الفرقة تعرضت لهجوم ولم ينج أثناء نقله إلى المستشفى.

ذكرت العائلة أنها تلقت حتى العام الماضي مبلغ 900 ألف دينار عراقي شهريا (أي ما يعادل أكثر من 600 دولار بقليل) من منظمة بدر، ولكنهم لم يتلقوا أي تفسير لسبب توقف عمليات الدفع.

استهداف الأميركيين

وأوضح الكاتبان أنه على الرغم من أن شبكة الفصائل العراقية تضم مجموعات من معظم الطوائف الدينية في البلاد، فإن الفصائل الشيعية تهيمن، والعديد منها مدعوم من إيران.

شكلت الفصائل البارزة مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وحركة النجباء ومنظمة بدر مصدر قلق كبير للمسؤولين الأميركيين الذين اتهموا العديد منها في الأشهر الأخيرة باستخدام جماعات الواجهة لشن هجمات صاروخية على المرافق العسكرية والدبلوماسية التابعة للولايات المتحدة. وقد أدت هذه الهجمات إلى مقتل أميركيين وأفراد أجانب آخرين، وكذلك مواطنين عراقيين، وفي عدة مناسبات شنت الولايات المتحدة ضربات انتقامية، مما أسفر عن مقتل عناصر من الفصائل.

أدى قيام إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد العراق قرب مطار بغداد مطلع العام الماضي، إلى تصعيد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران على الأراضي العراقية. ومع إعلان بعض الفصائل عزمها على طرد الجيش الأميركي من العراق، لا تزال هناك مخاطر بسقوط المزيد من القتلى وتصعيد العنف بين الولايات المتحدة وإيران.

كانت مجموعات مثل منظمة بدر، التي تأسست عام 1982 من المنفى في إيران، فاعلة في السياسة العراقية قبل فترة طويلة من الصراع الأخير. وكانت في وضع جيد يسمح لها بتجنيد المقاتلين في الصيف عندما سيطر مقاتلو تنظيم الدولة على المدن العراقية الكبرى مثل الموصل وتكريت في الشمال. كان لدى منظمة بدر شبكة واسعة من المكاتب، وكان لدى العديد من المجندين بالفعل روابط مع المنظمة.

لكن آخرين، مثل مشتاق، انضموا لأنهم كانوا قلقين بشأن تقدم تنظيم الدولة وسيطرته على العديد من المدن العراقية ومتحمسين للقتال، وكان مكتب بدر هو الأقرب. في هذا الصدد، قال ستار وهو ينظر إلى يديه "كان أصدقاؤه يجمعون المال وكان مكتب منظمة بدر الأقرب، لذلك وافق على التسجيل هناك. لقد قال إنهم أخذوهم دون تدريب إلى الخطوط الأمامية على الفور".

تستخدم قوات الحشد الشعبي أموالا من الميزانية العامة العراقية لدفع مصاريف عائلات قتلى الحرب. لكن هناك القليل من المساءلة حول مآل هذه الأموال. إن القرارات المتعلقة بالمجموعات التي يتم تمويلها ومقدار التمويل تتخذها لجنة من كبار قادة الفصائل خارج إشراف الحكومة، وفقا لورقة بحثية أعدها معهد تشاتام هاوس (Chatham House).

تخصص الميزانية العراقية حوالي 68 مليون دولار لشراء الأراضي لأسر الشهداء، بيد أنه تم تخصيص 3500 قطعة أرض فقط لأقارب القتلى ممن حاربوا مع الفصائل منذ عام 2014، وفقا لمؤسسة الشهداء العراقية.

تقول بعض العائلات العراقية إنها تعتقد أن تعويضاتها مقطوعة لأنها لم تعد مفيدة للفصائل، بينما قال آخرون إنهم لم يتلقوا أي تفسير. في المقابل، قال مسؤولون من مؤسسة الشهداء منخرطون في عملية تخصيص المدفوعات إنهم لم يكونوا على دراية بأي مشاكل، لكنهم أشاروا إلى أن التعطيلات البيروقراطية قد تكون هي السبب.

الدفاع عن البلد

في منزل صغير على أطراف الناصرية مبني على أرض خصصت كتعويض لأسر الشهداء، عُلقت صورة مقاتل آخر لقي حتفه، وقد علت محياه ابتسامة تعبر عن تقديره لتضحيته، كان يرتدي زيا أخضر اللون ويظهر في الصورة بجانب أحد المزارات الدينية في العراق.

قال والده عماد إنه تشاجر مع علي بشأن قراره إغلاق نشاطه التجاري المزدهر في مجال الإلكترونيات للانضمام إلى حركة النجباء، التي كانت تجند المتطوعين محليا. ويتذكر عماد "قلت له إن العراق لا يستحق أن تموت من أجله. كل ما سيطلبه منك هذا البلد هو واجبات، لن يمنحك حقوقك. لكنه قال: لا، أريد الدفاع عن بلدي'". قُتل علي، الذي كان في أوائل العشرينيات من عمره، في عام 2016 أثناء محاولته نزع فتيل عبوة ناسفة في مدينة سامراء شمال العاصمة بغداد.

الأرض التي يعيشون عليها قاحلة ومنفصلة عن شبكة الصرف الصحي في المدينة. عندما تغرب الشمس، فإنها تنعكس من المياه الراكدة التي تغمر المسار إلى منزلهم. وقال عماد "هناك شعور بالإحباط بشكل عام بين العديد من العائلات مثلنا".

من جهته، قال حسين شقيق علي إنه انضم إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة في محاولته لإنقاذ العراق. وصرح "انضم شقيقي للقتال للسبب نفسه الذي جعلني أنضم إلى الاحتجاجات. نحن نهتم ببلدنا. لم يكن لينضم إلى الفصائل أبدا إذا كان يعرف ما سيحدث لاحقا".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي