التعاون السعودي – العراقي ركيزةٌ لاستقرار الخليج
2020-05-15
حسن المصطفى
حسن المصطفى

كان أمرا لافتا، الترحيب السعودي المُبكِر، بحصول حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، على ثقة البرلمان. حيث بعث له الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، برقيتي تهنئة، تمنيا له فيها كل التوفيق والنجاح.

القيادة السعودية لم تكتفِ بهذا الموقف، وتبعته في 7 مايو الجاري، باتصال هاتفي مباشر بين الأمير محمد بن سلمان، والسيد مصطفى الكاظمي، أعرب فيه ولي العهد عن "دعم المملكة لما يحقق للعراق نماءه وأمنه، وحرص المملكة على تقوية العلاقات بين البلدين"، تلاه إعلان من مكتب رئيس الوزراء العراقي عن تلقيه دعوة لزيارة السعودية.

دعم الاستقرار

من يتابع سياسة الرياض تجاه بغداد، لا يستغرب هذا السلوك الدبلوماسي، الذي قصدت من خلاله المملكة توجيه ¬¬رسالة إيجابية، مفادها أن السعودية معنية باستقرار جارتها الشمالية، التي تربطها بها حدود تمتد لنحو 1000 كلم، وهي مساحة شاسعة، يحتاج ضبطها لتعاون ثنائي أمني ولوجستي، بهدف وقف عمليات التهريب، ومنع العناصر الإجرامية والإرهابية من التسلل بين الدولتين. وهو هدف مشترك بين الرياض وبغداد، اللتان عانتا كثيرا من الهجمات الإرهابية لـ"داعش" و"القاعدة".

يضاف لذلك، أن السعودية تأمل أن ينجح السيد مصطفى الكاظمي في خطته الرامية لتعزيز سلطة الدولة، وتوحيد السلاح بيد القوات النظامية، والحد من توغل المليشيات، التي باتت كيانا موازيا له نفوذه ومصالحه ودورته الاقتصادية، كما علاقاته السياسية العابرة للحدود مع إيران وحزب الله اللبناني، وتنظيمات مسلحة أخرى في سورية. هذه الشبكة الواسعة من التنظيمات، تعتبرها السعودية ذات أثر سلبي على الحكومة المركزية في بغداد وعلاقتها مع جيرانها، خصوصا أن بعض هذه التشكيلات، ومن خلال معسكرات التدريب التي تمتلكها، استضافت عناصر مناوئة للنظام في السعودية، ووفرت لها تدريبا على السلاح والمتفجرات، في سنواتٍ مضت. فضلاً عن الخطاب العدائي الذي يُشهره رهطٌ من قادة هذه الفصائل تجاه المملكة؛ وهو خطاب يُلقي بظلاله الداكنة على الخليج، ويخلق جواً من الريبة والحذر، يجعل سير العملية السياسية والعلاقات البينية أكثر تعقيداً.

كما لا ننسى أن هذه المليشيات حولت العراق لساحة نزاع إقليمي بين إيران والولايات المتحدة، وهو الصراع الذي لا تريد الرياض له أن يتفاقم، كي لا يتطور من حرب بالوكالة بين طهران وواشطن، إلى نزاع مسلح مباشر، تمتد آثاره السلبية إلى عموم المنطقة. فالسعودية رغم خلافها الواضح والصريح مع إيران، ونقدها الممارسات الإرهابية التي تقوم بها جهات على صلات مع طهران، هي رغم ذلك حريصة على أمن المنطقة، وإبعاد شبح الحروب المكلفة عنها، لأن مشروعها المستقبلي يقوم على الاستقرار والتنمية. لذا، فإن الرغبة السعودية في حصر السلاح بيد القوات النظامية العراقية، موقف مبني على رؤية استراتيجية، ترى في السلاح الخارج عن سلطة الدولة، عنصرا يهدد أمن واستقرار الخليج بأكمله، وليس العراق وحسب!

التعامل مع المليشيات

في 9 مايو الجاري، أصدر رئيس الوزراء العراقي، قرارا بإعادة الفريق أول ركن عبد الوهاب الساعدي، وترقيته رئيساً لجهاز مكافحة الإرهاب.

وفي ذات اليوم أيضا، أمر بـ"عدم التساهل مع جرائم الخطف، وملاحقة مرتكبيها وتقديمهم إلى العدالة"، مشددا على ضرورة "منع العنف بكافة أشكاله".

بعدها بيومين فقط، أعلن الكاظمي أنه وجه بـ"ملاحقة المتورطين بمهاجمة المتظاهرين في البصرة، ونفذت القوات الامنية عملية اعتقالهم بعد صدور مذكرات قضائية".

كما أنه في 14 مايو الجاري، زار رئيس الوزراء العراقي، مقر "جهاز مكافحة الإرهاب"، وأكد على أهمية "الحفاظ على استقلالية هذه المؤسسة الوطنية، وتعزيز قوتها ودورها في حماية الدولة، وضرورة إبعاد جهاز مكافحة الارهاب عن التدخل السياسي".

هذه الخطوات المتتابعة، تشير إلى أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، عاقدٌ النية بشكل جِدي على مواجهة "انفلات السلاح"، ومحاصرة المليشيات، ودفعهم إلى الإلتزام بالقانون، كما صدِ الأحزاب السياسية من أن يكون لها نفوذ داخل الأجهزة الأمنية، منعاً لـ"ازدواجية الولاء".

صحيحٌ أنه ليس مطلوباً من السيد الكاظمي أن يبدأ عهده بمعركة كسرِ عظمٍ وصراع مسلح واسع النطاق مع المليشيات التابعة لإيران، وإنما إقناعها أولا عبر الحوار والضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية، وإذا لم يستجيبوا، ملاحقتهم تالياً من خلال مذكرات التوقيف القضائية والمداهمات الأمنية الاستباقية وتجفيف منابع التمويل، لكي تفكك هذه التنظيمات شبكاتها، وتنخرط في القوى النظامية، وتقتدي بألوية من "الحشد الشعبي" استمعت لنداء مرجعية آية الله السيد علي السيستاني، وانضوت تحت إمرة القوات العراقية.

أما في حال تمردت بعض التشكيلات المسلحة، حينها تتخذ الحكومة العراقية القرار الذي تراه مناسبا، وفق مصلحتها الوطنية، وبما يحفظ أمنها، وهو ما قد يدفعُ نحو معركة لا يريدها الكاظمي، لكنه سيجد نفسه مضطرا لها، وإلا ستكون حكموته مسلوبة الإرادة!

إن المصاعب التي قد يواجهها الكاظمي من التنظيمات المسلحة، لن تأتي – على الأرجح - من قوى مثل "منظمة بدر"، التابعة للقيادي هادي العامري، وإن كانت ذات هوى سياسي إيراني، أو حتى "سرايا السلام" الموالية للسيد مقتدى الصدر، رغم عدم ارتباطه بعلاقات متينة مع الكاظمي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذين الفصيلين لن يكونا طيعين بيد الحكومة؛ إلا أنهما لن يحملا السلاح ضدها، أو يتمردا ضد قراراتها، وفق القراءة الأولية للوضع السياسي الحالي، إلا إذا حصل تغير سياسي أو أمني دراماتيكي!
العقبة الكداء، ستكون من التنظيمات الأكثر راديكالية، مثل: "عصائب أهل الحق"، و"كتائب حزب الله"، و"حركة النجباء"، وباقي المليشيات التي تتلقى تدريباتها ودعمها من الحرس الثوري الإيراني، والتي ليس من المستبعد أن تتخذ مواقف متصلبة، أو تواصل استهداف للقوات الإمريكية المتواجدة في العراق، وهو ما قد يُلجئ الحكومة للتعامل معها بـ"القوة"، حفظا للنظام العام.
في سياق متصلٍ ينبغي الحذر من احتمال قيام المليشيات "الولائية"، أو تنظيمات أخرى معادية للحكومة، مثل "داعش" و"القاعدة"، وأيضا بعض خلايا حزب "البعث" المنحل، بعمليات عنف أو تفجير أو اغتيالات، تربك الساحة الداخلية.

شبكة أمان إقليمية

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ورغم وجود دعم كبير له من المرجعية الدينية في النجف، وتحديدا مكتب آية الله السيد علي السيستاني، وعلاقته الجيدة مع آل الصدر، والصداقات المتينة مع التيار المدني، والتأييد من مجاميع واسعة من الشباب الذي خرج للتظاهر مطالباً بالإصلاح، يضاف لذلك الصلات الحسنة مع قيادات مؤثرة من مختلف المكونات المذهبية والعرقية. إلا أنه رغم كل عناصر القوة هذه، سيكون أمام اختبار صعب جداً داخيا، سيواجِههُ رفقة شريكه في الحكم، رئيس الجمهورية برهم صالح، الذي يشكلُ كلاهُما رأس الحربة في مشروع التغيير الحالي.

من هنا، سيتوجبُ على حكومة الكاظمي أن تقوي أواصرها بحاضنتها الشعبية والقوى الداعمة لها داخليا، وعليها أن توطد علاقاتها الخارجية مع دول الخليج، وتحديدا السعودية والإمارات، كي تستطيع أن تشكل لذاتها "شبكة أمان إقليمية"، تسندها سياسيا وأمنيا ولوجستيا.

لقد رحبت دولة الإمارات العربية المتحدة بتشكيل حكومة مصطفى الكاظمي، وأعرب وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد عن "أمنياته بالتوفيق والسداد للحكومة الجديدة، وأن يعزز ذلك استقرار العراق وازدهاره، ويحفظ سيادته الوطنية، ويحقق تطلعات الشعب العراقي"، مؤكدا "حرص دولة الإمارات وتطلعها إلى تعميق وتوسيع آفاق التعاون والعلاقات الأخوية المشتركة، ودفعها إلى الأمام في المجالات كافة". تبعه في 10 مايو الجاري، ثلاث برقيات تهنئة من: الشيخ خليفة بن زايد، والشيخ محمد بن راشد، والشيخ محمد بن زايد، وهو الموقف الذي على الساسة العراقيين الاستفادة منه لتعزيز العلاقات بين بغداد وأبو ظبي.
مما سبق نجد أن الكاظمي يحظى بترحيب من دولتين مؤثرتين عربيا وإسلاميا: السعودية والإمارات. كما نال دعما معنويا من الولايات المتحدة، التي اتصل به رئيسها دونالد ترامب، يوم الإثنين 11 مايو الجاري، حيث أكد للكاظمي "حرص الولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز العلاقات بين البلدين، واستعداد بلاده لتقديم المساعدات الاقتصادية الضرورية لدعم الاقتصاد العراقي".
دول وهيئات عدة، هي الأخرى أبدت ترحيبها بتشكيل الحكومة العراقية، ما يجعل بإمكان رئيس وزرائها أن يعمل على صناعة "شبكة الأمان الإقليمي" التي تسانده في مساعيه الإصلاحية. دون أن ننسى أن السيد الكاظمي تربطه علاقات احترام وتفاهم بقيادات سياسية إقليمية مؤثرة. ومن شأن هذه الصلات التي تكونت نتيجة زيارات الكاظمي لهذه الدول كرئيس لجهاز الاستخبارات، وأيضا مبعوثا من الرئيس حيدر العبادي للعلاقات مع دول الخليج، بإمكان هذه العلاقات أن تساهم في وضع لبنة لعمل مؤسسي مشترك، يكون في صالح الشرق الأوسط.

علاقات استراتيجية

موقع "المونتور" نشر في العام 2015 مقالا للسيد مصطفى الكاظمي، أعاد موقع "العربية.نت" نشر أجزاء مترجمة منه إلى العربية في 8 مايو الجاري، اعتبر فيه الكاظمي أن "التّقارب السعوديّ - العراقيّ ضرورة ملحّة لا تصبّ فقط في مصلحة البلدين، بل تساعد في خلق توازن في المنطقة من جهة، وتقوية مسار السلام والاستقرار من جهة أخرى. ومن مصلحة البلدين الارتقاء بعلاقاتهما، انطلاقاً من عقد إتفاقيّات أمنيّة وتعاون استراتيجيّ". ما يعني أن الخطوات التي ينتهجها الكاظمي تجاه دول الاعتدال العربي، ليست سياسة آنية مرتجلة، بل سلوك سياسي مبني على رؤية استراتيجية، من أجل العبور بالعراق والمنطقة نحو الاستقرار والتنمية.

لا ينبغي الإفراط في التفاؤل، ولا الغرق في التشاؤم، فالساحة العراقية شديدة التعقيد، إلا أن الشعب العراقي لديه فرصة لأن يتخفف من ثقل الفساد والفوضى والإرهاب، رغم أن المهام التي تنتظر الحكومة عسيرة جدا، إلا أنها ممكنة التحقق؛ ولكي يتم ذلك لا بد للقوى السياسية الفاعلة تتعاون معها بمهنية وصدق وشفافية، وأن تقدم المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والشخصية الضيقة، وأن يكون الولاء لكيان الدولة وحسب، وليس للعقائد والمال العابر للحدود. فتعاون المكونات العراقية في الداخل، هو ما سيشجعُ الخارج على الوقوف إلى جانب الحكومة ماليا وسياسيا واقتصاديا.

* نقلاً عن العربية نت



مقالات أخرى للكاتب

  • الرؤية السعودية.. أفكارٌ تتجاوز السائد
  • دور رجال الأعمال في تعزيز الصحة العامة
  • التصدي للخطابات العنصرية والمذهبية في السعودية!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي