لهذا.. أجمع قضاة العليا الإسرائيلية على قبول حراسة القط لقطعة الجبن
2020-05-10
كتابات عبرية
كتابات عبرية

يجب الاعتراف بأن قرار المحكمة العليا رفض الالتماسات ضد الاتفاق الائتلافي بين الليكود و”أزرق وأبيض” وضد تشكيل حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو لا يوجد فيه ما يدعو للمفاجأة، حيث إنه ومنذ بداية البرنامج الواقعي الفريد “المحكمة العليا لنتنياهو” الذي بُث مباشرة الأسبوع الماضي من صرح المحكمة العليا، فإن النجمة الرئيسية –رئيسة المحكمة العليا استر حايوت– وزعت بالمناسبة إشارات واضحة لجمهور مؤيدي نتنياهو بأن الحصن الوحيد الذي لن يسقط نتيجة القرار هو الحصن الموجود في شارع بلفور.

ما زال هناك أمر واحد في قرار المحكمة العليا يثير التساؤلات الكبيرة: لماذا تم اتخاذ القرار بالإجماع من قبل الـ 11 قاضياً بالتشكيلة الواسعة؟ وهل يمكن أن يكون رأي كل القضاة المشاركين في القرار يشبه رأي ممثلي جمهور سارقي الأراضي الفلسطينية في المحكمة العليا –القضاة المستوطنين دافيد مينتس ونوعم سولبرغ – ورأي جمهور يتحمس زعماؤه والمتحدثون بلسانه لتمكين استمرار ولاية المتهم، رغم كل ثمن جماهيري، وليشرعن السطو والسلب الاستيطاني عن طريق الضم الموعود؟

أسئلة تزداد حدة لأن حقيقة القضايا التي كان على المحكمة البت فيها (إمكانية أن يتولى متهم بقضايا جنائية منصب رئيس الحكومة والاتفاق الائتلافي الذي استهدف تأمين تطبيقه) تثير خلافاً شديداً ولا نقول تقطر قذارة شديدة في كل ما يتعلق بطهارة المعايير العامة. أجل، القضاة أنفسهم يعترفون بتبريرات حكمهم بأن الاتفاق الائتلافي بين الليكود و”أزرق أبيض” يثير “صعوبات غير قليلة” وأن هناك صعوبة “تنبع من تولي متهم بمخالفات جنائية منصب رئيس الحكومة”. كيف يمكن لا يوجد، إزاء هذه الصعوبات والتساؤلات، أي قاض أو قاضية يمثل رأي الأقلية؟

يبدو أن تشويش المعايير وإفساد المعايير العامة التي احتج عليها الملتمسون وصل صراخها في هذه الحالة إلى عنان السماء. انظر: من أجل شرعنة تعيين القط في منصب الحارس على الجبنة – هذا هو المعنى البسيط والواضح للجميع في تضارب المصالح الذي سيكون فيه نتنياهو بعد توليه منصب رئيس الجهاز هو الحاكم الذي يدير المحاكمة ضده (الذي أشار إليه النائب العام السابق موشيه لادور) – أي من أجل تصديق ومحاولة إقناع الجمهور بأن الحقيقة الواضحة بحد ذاتها ليست حقيقة، فمن المهم جداً أن يقف كل القضاة المعنيين مثل سد منيع خلف تشويه القانون. بكلمات أخرى، إذا كانت التشكيلة الموسعة للخبراء البارزين في تفسير القانون من المحكمة العليا تقول بالإجماع إن الجبنة لا يهددها خطر القط، فربما تكون هذه هي الحقيقة الجديدة والغضة التي يجب على العقل السليم أن يتبناها.

هذا المنطق الأعوج لإقصاء حقائق الفطرة السليمة وكنس الشكوك ووضعها تحت البساط الإجماعي، هو الذي وقف خلف الظاهرة المعروفة سيئة الصيت “قرارات الإجماع” في المؤسسات العامة لدول الكتلة الشيوعية والاتحاد السوفييتي. إن القرارات في كل المنتديات، سواء كان ذلك مؤتمر للحزب أو تشكيلة المحكمة أو جلسة لهيئة المسرح، كانت تتخذ بتأييد كل المشاركين. هذا الإجماع كان ضرورياً جداً للنظام إزاء الطابع غير المعقول والأورويلي للواقع، الذي طلب من هذه المنتديات المختلفة المصادقة على وجوده ومباركته.

لهذا، يطرح السؤال لماذا يتبنى قضاة المحكمة العليا في إسرائيل، التي هي ليست ديكتاتورية شيوعية، النموذج البلشفي لقرارات الإجماع إزاء هذه الظواهر التي يجب أن تثير طبيعتها غير السليمة عدم اتفاق أو على الأقل اشمئزازاً لدى البعض؟ الإجابة بسيطة جداً: قضاة المحكمة العليا وقفوا وقفة رجل واحد خلف قرار الحكم لنفس السبب الذي من أجله لم يعارض أحدٌ قرارات “الأغلبية” في الأنظمة الشيوعية – خوفاً من الموت، حرفياً. في الاتحاد السوفييتي –وفي روسيا البوتينية اليوم– كان من شأن المعارضة لسياسة أورويل، للسيد، أن تكلف المعارضين حريتهم الشخصية أو حياتهم. حتى اليوم في إسرائيل، إزاء تردد إذا ما كنا نسمح للمتهم بمخالفات جنائية أن يقف على رأس هرم السلطة أثناء محاكمته، كان بعض قضاة المحكمة العليا يتملكهم الخوف. هذا على خلفية التحريض الجامح ضد “سلطة المحكمة العليا” الذي نشره خصيانه الذين يشكلون أبواق الحاكم من بلفور. الشتائم التي لا تتوقف والتي قذفت على المحكمة العليا والشبكات الاجتماعية البيبية، وتهديداته الرمزية للمتهم نفسه بأنه “حذر” من أنه إذا تم قبول الالتماس ضده فإن إسرائيل ستنجر إلى “فوضى شاملة على شكل انتخابات رابعة”.

يجب رؤية الأمور كما هي. نتنياهو كان أول ورئيس المحرضين ضد إسحق رابين عشية اغتياله. ويقف خلفه اليوم رعاع متعصب ومحرض، يتكون من ممثلي عدد متنوع من طوائف إسرائيل. معظم هذا الرعاع يؤيد نتنياهو ليس بسبب معتقداته الأيديولوجية، بل لأنه يرى فيه نموذجاً يحتذى به من ناحية اجتماعية – ثقافية.. الشخص غير المغبون الإسرائيلي النهائي، الذي وصل إلى إنجازات مثيرة في حياته من خلال انتقاده ظاهرياً للدولة ومؤسساتها. من يضمن أنه إذا ما تحدى أحد القضاة ذلك البطل الفاسد بألا يدفع أي أحداً من مؤيديه للقيام بعمل شيء متطرف؟ لا بد لهذا التفكير المخيف أن خطر ببال كثير من قضاة المحكمة العليا، حيث إنهم في النهاية أناس من لحم ودم، أصحاب عائلات، ويعيشون داخل شعبهم.

في المقابل، عندما قرروا بالإجماع شرعنة ولاية بطل الشعب غير المغبون، تحول قضاة المحكمة العليا تلقائياً من “أعداء الشعب” إلى “أحبائه”. أجل، على ضوء ما وصف في موقع “غلوباس” كـ “قنبلة للمشاهدة” (مليون مشاهد في بث مداولات المحكمة العليا الإثنين الماضي) لن يكون بعيداً ذاك اليوم الذي ستقدم فيه رئيسة المحكمة العليا المتقاعدة، استر حايوت، برنامجاً واقعياً جديداً بعنوان “الحصن”، والذي سيتناول تقريب القلوب بين الشعب والنخب، وهكذا، كبير المحرضين في إسرائيل سيقدم عن طريق مؤرخي البلاط البيبي بكونهم تسببوا بمصالحة بين أجزاء الشعب بعد سنوات من الانقسام والقطبية التي زرعتها هنا مباي التاريخية.

 

بقلم: دمتري شومسكي

هآرتس 10/5/2020



مقالات أخرى للكاتب

  • هل سيكون حزيران المقبل شهر استقالات قادة الأجهزة الأمنية؟  
  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   
  • هل حققت إسرائيل هدفها بضربها راداراً للدفاع الجوي في أصفهان؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي