ثورات الربيع العربي والقضية الفلسطينية    
2024-03-25
مصطغى الفقي
مصطغى الفقي

 

يثور الجدل من حين لآخر بين خبراء السياسة المعاصرة خصوصاً في دول الشرق الأوسط حول جدوى أحداث الربيع العربي من حيث الأسباب التي أدت إليها والملابسات التي ارتبطت بها والنتائج التي تمخضت عنها، ويبقي السؤال الكبير حول مجمل تلك الثورات موجزاً، وللإجابة عن السؤال الكبير هل كانت تلك الأحداث نعمة أم نقمة؟ خصوصاً أننا ننظر إليها الآن من بعيد بعد سنوات من وقوعها وتطورات جرت بعدها وانتكاسات لحقت بها على نحو أدى إلى انقسام الآراء بشكل حاد بين مؤيد وداعم لها وبين رافض ومعترض عليها، لذلك يحسن مناقشة تلك الأحداث الكاشفة والمنشأة في وقت واحد للتعرف إلى ملامح المستقبل في ضوء الماضي والحاضر معاً ويمكن التعرض لملامح تلك الأحداث من خلال الملاحظات التالية:

أولاً: كان العالم العربي هادئاً إلى حد الركود متعايشاً مع أوضاعه التي لم تكن في أفضل أحوالها حيث استقرت النظم في أقطارها على النحو التي هي عليه منذ سنوات، بن علي في تونس ومبارك في مصر والقذافي في ليبيا وبشار الأسد في سوريا وعلي عبدالله صالح في اليمن، وكل يغني على ليلاه في ظل تسريبات قوية عن مخططات أميركية لتغيير شكل المنطقة بسبب الأطروحات التي جاءت بها إدارة أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، حيث بدا واضحاً الانحياز الأميركي للمشروع الإسلامي الذي يقوم على استعادة مظاهر الدولة العثمانية في المنطقة العربية بالتركيز على تركيا ومصر، حيث تكون الأولى هي مركز الحكم والثانية هي مركز الشرعية المستمدة من تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، وواقع الأمر أن ذلك المشروع كان مستتراً وهو الذي تم إجهاضه بعد فترة حكم الإخوان عام 2013 والتحولات الجذرية التي تمت بعد ذلك.

ثانياً: عبر كثيرون عن ملاحظة واضحة وهي أن أحداث الربيع العربي تفجرت في أقطار ذات نظم غير وراثية ولو من حيث الشكل فقط، إنما النظم الملكية فقد ظلت بمنأى عن لهيب تلك الأحداث وانتشارها وظلت مستقرة نسبياً على رغم تنامي المد الإسلامي في بعضها ولكن بالطرق السلمية مثلما حدث في الكويت والمغرب، أي إن المنطقة العربية قد شهدت تطوراً نوعياً لم يكن مألوفاً من قبل بتفجر الاضطرابات الثورية والانتفاضات الشعبية في معظم العواصم العربية باستثناء الملكيات التي ظلت على استقرارها، بخاصة أن الأوضاع الاقتصادية فيها ساعدت على الابتعاد عن الانتفاضات المفاجئة أو الاضطرابات الشاملة.

ثالثاً: في تونس عندما أحرق (بوعزيزي) نفسه احتجاجاً على التفاوت في المعاملة وازدواجية المعايير والهوة الطبقية الواسعة، كانت هي الشرارة الأولى التي اندلعت لكي تنتشر بالعدوى المباشرة في الدول العربية الأخرى بدءاً بمصر مروراً بسوريا وليبيا وصولاً إلى اليمن على نحو أدى إلى هبوب رياح عاتية اجتاحت العالم العربي واقتلعت بعض نظمه التي جثمت على صدر السلطة لما يزيد على 30 عاماً، وعندما صاح القذافي صيحته الشهيرة من أنتم؟ كان صداها يتردد في كل العواصم العربية إنذاراً بالتحول الجذري في الأوضاع في دول المنطقة، وقد قفز الإخوان المسلمون إلى مقاعد السلطة في مصر ووصل أحدهم إلى سدة الرئاسة بانتخابات سريعة، حيث لم تكن القوى السياسية الأخرى ناضجة بالقدر الذي يؤهلها للمشاركة في الحكم وتسيير دفع الأمور إلى أن خرج ملايين المصريين رافضين استمرار حكم الإخوان ومطالبين بالتغيير حتى صدرت قرارات 3 يوليو (تموز) عام 2013 التي أنهت دولة المرشد في مصر وفتحت الباب لتغيرات كبيرة أسهمت فيها المؤسسة العسكرية بدور وطني حتى استقرت الأوضاع في الشارع المصري بشكل ملحوظ.

رابعاً: لا بد أن نعترف أن أحداث الربيع العربي كانت تنقصها حزمة ضخمة من البرامج الإصلاحية التي تحيل العنف إلى فعل ثوري ينحاز للجماهير ويدافع عن حقوق الطبقات الأكثر عدداً والأشد فقراً، ولكن ربما نقول الآن بأن الرياح لم تأت بما تشتهي السفن وظلت الأوضاع في معظمها تتأرجح بين التوتر والقلق وبين الهدوء والركود، على رغم كثير من الإنجازات التي نعترف بها في بعض تلك الأقطار العربية إلا أننا نلاحظ ديمومة بعض المشكلات المزمنة في المنطقة العربية وفي مقدمتها الصراع العربي- الإسرائيلي ثم الوضع في سوريا ثم الحال في اليمن، فالرواية لم تتم فصولها ولم ينزل الستار عليها كما ظن البعض.

 

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-الاندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • إسرائيل وتصدير القضية  
  • عوامل التغيير في العالم المعاصر
  • محنة النهر






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي