منظمة التحرير الفلسطينية بين الترميم ونفاد الوقت.. والقدوة في "التكنوقراط": حماس باقية  
2024-02-24
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

“لماذا نحن بحاجة إلى مشروع فلسطيني وطني جديد”، تساءل الدكتور مصطفى البرغوثي في مقال لاذع نشره في هذا الأسبوع في موقع “العربي الجديد”. “السبب أن م.ت.ف، الممثل الرسمي للفلسطينيين، تخلت في الثمانينيات عن مشروع الدولة الفلسطينية الواحدة وتبنت حل الدولتين، أي إقامة دولة على حدود العام 1967 مع حل متفق عليه لمشكلة اللاجئين. هذا الهدف يستند إلى وهمين، إمكانية التوصل إلى تسوية مع الحركة الصهيونية، وأن الولايات المتحدة تكون وسيطة وضمان هذا الحل”.

البرغوثي (70 سنة) هو عضو في المجلس المركزي في م.ت.ف وهو الذي أقام في 2002 حزب المبادرة الوطنية الفلسطينية. وهو من الأصوات الفلسطينية البارزة، إلى جانب مهنته الرسمية كطبيب، يعتبر المثقف العام الذي لا يوفر أي انتقاد لاذع لقيادة م.ت.ف ورئيسها محمود عباس. كتب في مقاله الأخير عن فشل المشروع السياسي لـ م.ت.ف (مشروع أوسلو).

أسباب الفشل حسب البرغوثي، كثيرة: “استمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، وإفشال جهود المصالحة، وغياب ديمقراطية داخلية في مؤسسات م.ت.ف والفشل في بلورة أدوات لشراكة ديمقراطية في قيادة النضال الوطني والعملية السياسية، وإدارة السلطة الفلسطينية والإصلاحات في م.ت.ف”. النتيجة حسب قوله هي “فجوة عميقة بين القيادة الرسمية لـ م.ت.ف ومعظم الفصائل الأعضاء فيها وبين الجمهور، لا سيما الجيل الشاب الذي يشعر بأنه مقصى ومبعد، بالتحديد في الوقت الذي تتزايد فيه المؤامرات على تصفية الحق الفلسطيني”.

ما الحل؟ “توحيد مكونات الشعب الفلسطيني والحفاظ على وحدة الأرض والأمة، وهي أهداف لن تتحقق إلا بتشكيل قيادة وطنية موحدة، تشمل كل قوى النضال في إطار م.ت.ف، وبناء نظام ديمقراطي داخلي على أساس شراكة ديمقراطية، ورفض الخيار الوحيد والهيمنة (لمجموعة واحدة، القصد هو حركة فتح) وإجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية تضم الفلسطينيين في المناطق وفي الخارج”.

أفكار البرغوثي وطلباته غير جديدة، ولكنها تكتسب أهمية بالتحديد في الفترة الأخيرة، التي تجري فيها محادثات مكثفة حول إعادة ترميم المنظمة وتوسيع صفوفها لتشمل حماس و”الجهاد الإسلامي” ومنظمات أخرى لم تنضم لـ م.ت.ف حتى الآن. حتى الحرب في غزة استخدم مفهوم “إعادة ترميم م.ت.ف” أو “إحياء البيت الفلسطيني” كتعبير مرادف لمسألة الوراثة التي ستأتي بعد ذهاب محمود عباس (88 سنة). الحرب وطلب الولايات المتحدة إجراء إصلاحات هيكلية في السلطة كشرط لتولي المسؤولية عن إدارة غزة بعد الحرب جعلت قضية “إعادة البناء” لا تنتظر حتى “الوراثة الطبيعية” التي ستأتي تخلف غياب عباس، أو لا يرغب في مواصلة قيادة م.ت.ف. بل تقتضي حلاً قريباً وحتى فورياً.

إذا تم التوصل إلى وقف طويل لإطلاق النار كجزء من اتفاق لإطلاق سراح المخطوفين والسجناء الفلسطينيين فإن الإدارة الأمريكية تتطلع إلى طرح آلية فلسطينية متفق عليها ثلاثة أسابيع – شهر وربما أكثر، تبدأ في إدارة القطاع، من الشمال ثم جنوب القطاع كي يمكن البدء في إعادة بناء حياة حوالي 2.3 مليون من سكانه.

البنية التي تتبلور والمقبولة كما يبدو أيضاً على مصر والسعودية والأردن، التي ناقشت ذلك مع شخصيات رفيعة في الإدارة الأمريكية، هي حكومة خبراء مؤقتة، فوق حزبية، كما يبدو ليست حكومة لفتح وبالطبع ليس لحماس، التي ستعمل بتمويل أمريكي وسعودي وربما أيضاً بتمويل الإمارات، وإلى جانبها قوة شرطة تقوم بتأهيلها الولايات المتحدة ومصر.

حكومة تكنوقراط كهذه تشكلت في 2017 عقب اتفاق القاهرة الذي تم التوقيع عليه بين فتح وحماس. وقد تم حلها خلال سنة عقب خلافات شديدة حول تقسيم الصلاحيات والميزانيات، التي وصلت إلى الذروة مع محاولة اغتيال رئيس الحكومة رامي الحمد الله عندما قام بزيارة عمل في غزة. كان يمكن أن تكون ذراعاً تنفيذياً لـ م.ت.ف كمنظمة تعتبر الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

بشكل تقني ودستوري، فإن محمود عباس مخول بتعيين حكومة كهذه ويضع على رأسها رئيس حكومة، ولكن يحتج على هذه الصلاحية شخصيات كبيرة في م.ت.ف بذريعة مبررة، وهي أنه لم يعد زعيماً شرعياً بعد انتهاء ولايته القانونية في 2010، رغم انتخابه في المجلس المركزي في م.ت.ف لفترة غير محدودة في 2009. وبخصوص طلب أمريكا تعيين نائب له مع صلاحيات واسعة، أوضح عباس بأن الدستور الفلسطيني لا يشمل مثل هذا البند، وأن أي تغيير في الدستور يحتاج إلى قرار من المجلس الوطني الفلسطيني (الجسم النظري الذي لم يتم عقده من سنوات وعملياً هو على الورق فقط)، أو من المجلس التشريعي الفلسطيني الذي قام هو نفسه بحله في 2018.

ترى م.ت.ف في المبادرة الأمريكية التي ما زال يصعب اعتبارها خطة عمل واقعية، فرصة لتمهيد الأرض للبدء في إجراء عملية استبدال للأشخاص في القيادة، وبالأساس فرصة لتقليص قوة عباس. ناصر القدوة، ابن شقيقة ياسر عرفات، الذي شغل أيضاً منصب وزير خارجية السلطة في الأعوام 2003 – 2005 هو من بين الأصوات العلنية البارزة التي تدعو لعزل عباس. هذا الأسبوع في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية، قال إنه “يجب إجراء “طلاق طوعي” من عباس من أجل أن يبقى رئيس شرف، حتى يتمكن رئيس حكومة فلسطينية جديد من إدارة الضفة والقطاع.

القدوة (70 سنة)، وهو طبيب أسنان، تم طرده من صفوف حركة فتح في العام 2021 بعد أن شكل قائمة مستقلة للانتخابات التي تم التخطيط لها في أيار من نفس العام، والتي ألغاها عباس. في نفس المقابلة، أضاف أنه “لا إمكانية لتصفية حماس مثلما تطمح إسرائيل، لكن حماس ستضعف ولن تحكم غزة بعد الحرب، بل ستكون حماس مختلفة”. لم يوضح طبيعة التغيير، لكنه أضاف بأنه تحدث مع أعضاء حماس، وحسب قوله هم يدركون أن مكانة المنظمة قد تغيرت. القدوة نوع من “الشريك الائتلافي” لمحمد دحلان، الذي له حساب طويل مع عباس، والذي يطمح الآن لتولي دور في القيادة رغم نفيه.

أمام دحلان والقدوة، يقوم بالتسخين حسين الشيخ سكرتير اللجنة التنفيذية والشخص الذي سماه ضباط إسرائيليون “رجل إسرائيل في الضفة”، والوريث الذي أعده عباس وعينه لهذا المنصب. محمود العالول (74 سنة)، نائب محمود عباس، وهو رجل “فتح” المخضرم الذي ترك، بصحبة عرفات، لبنان إلى تونس وعاد إلى الضفة بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، هو أيضاً أحد الأشخاص الذين يمكنهم التنافس على وراثة عباس، لكن نيته غير واضحة. في المقابل، جبريل الرجوب، رئيس اللجنة الأولمبية الفلسطينية، لا يخفي نيته وقدرته على استبدال محمود عباس.

كل هؤلاء المرشحين، الحقيقيين أو النظريين، يشاركون الموقف الذي يفيد بأن على م.ت.ف “المتجددة” ضم حماس وتنظيمات أخرى كجزء من الإصلاح. ولكن حماس نفسها التي لم تتوقف عن التصريح عن نيتها الانضمام لـ م.ت.ف لا توضح إلى أي م.ت.ف تريد الانضمام، هل م.ت.ف التي وقعت على اتفاق أوسلو والتي تعترف بدولة إسرائيل وتلتزم بحل الدولتين، أم م.ت.ف التي تتعهد بتغيير مبادئها وسياستها؟

أمس في تصريح آخر من التصريحات التي تمر بتعديل بعد فترة قصيرة على نشرها، قال موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي في حماس، إن حماس مستعدة لتبني فكرة حكومة التكنوقراط، التي لن تكون حماس شريكة فيها. في كانون الأول الماضي، في مقابلة مع موقع “مونيتور” أثار أبو مرزوق عاصفة عندما تحدث عن استعداد حماس للاعتراف بـ “الموقف الرسمي لـ م.ت.ف الذي يعني الاعتراف بدولة إسرائيل. نريد أن نكون جزءاً من م.ت.ف، ونحن نحترم التزامات هذه المنظمة”. بعد فترة قصيرة من ذلك، نشر بيان جاء فيه أنه لم يتم فهمه كما يجب، وأكد أن “حماس لا تعترف بشرعية الاحتلال الإسرائيلي، وهي غير مستعدة للتنازل عن حق من حقوق الشعب الفلسطيني”.

سؤال: هل حماس مستعدة للسماح بنشاطات حكومة تكنوقراط فلسطينية في غزة؟ هو سؤال ذو صلة، ليس بسبب موقف إسرائيل التي هي غير مستعدة حتى للسماع عن إمكانية عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. السؤال الجوهري الذي سيقف أمام قيادة م.ت.ف هو: كيف يمكن صياغة اتفاق تعاون مع إسرائيل، ليس فقط فيما يتعلق بقطاع غزة، بل أيضاً فيما يتعلق بالمناطق الأخرى، خاصة إزاء الموقف العلني لكل المرشحين لوراثة عباس، الذي يقول بوجوب أن تمر اتفاقات أوسلو بعملية جراحية عميقة، وأنه على حساب من تنضم. هذه أسئلة مهمة، لكن مشكوك فيه إذا كانت م.ت.ف ستنجح في الإجابة عليها في الفترة الزمنية التي ستحدد لوقف إطلاق النار إذا تم التوصل إليه.

 

تسفي برئيل

 هآرتس 23/2/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • هل سيكون حزيران المقبل شهر استقالات قادة الأجهزة الأمنية؟  
  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   
  • هل حققت إسرائيل هدفها بضربها راداراً للدفاع الجوي في أصفهان؟  






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي