أين ترى إسرائيل نفسها بعد قمتي جدة وطهران والتحولات الاستراتيجية في الشرق الأوسط؟
2022-07-28
كتابات عبرية
كتابات عبرية

قمتا طهران وجدة تعبران عن استراتيجيات مختلفة لزعماء القوى العظمى لمواجهة الأزمة الأمنية والاقتصادية العالمية، لبث النفوذ وتحقيق مصالح تخرج الشرق الأوسطي عن سياقه الصرف. إلى جانب ذلك، فإن أهمية الشرق الأوسط لمصالح الأمن القومي للقوى العظمى تزداد كلما تعاظمت المواجهة بين الغرب وروسيا. الميزان الاستراتيجي لإسرائيل في ضوء تطورات الساحة العالمية وتأثيرها على آليات الشرق الأوسط يستوجب بلورة سياسية تأخذ المخاطر والفرص بالحسبان.

جاءت قمة جدة لترميم العلاقات المتوترة بين واشنطن ودول الخليج، وتثبيت القيادة الأمريكية وتنصيص التزامها بأمن حلفائها الإقليميين، ولكن أساساً لرفع إنتاج النفط الخليجي بشكل يقلص أسعاره في سوق الطاقة العالمية.

رحلة الرئيس بايدن التي بدأت في إسرائيل جسدت الحلف الاستراتيجي التاريخي بين الدولتين، والالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل كما وجد تعبيره بالتوقيع على “إعلان القدس”

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل نصف الكأس الفارغة للزيارة. فالرئيس بايدن أعلن عن رغبته في استنفاد القناة الدبلوماسية، والعودة إلى مسار الاتفاق النووي والامتناع عن الخيار العسكري ضد إيران قدر الإمكان. إن تعهد الرئيس الأمريكي لمنع السلاح النووي عن إيران لم يتطرق لقفزة ولو لدرجة في الأشهر الأخيرة في قدرات التخصيب والمعلومات التكنولوجية التي جمعتها إيران، والتي تقربها من حافة الانطلاق (التخصيب بـ 90 في المئة) وأساساً تجاهلت التغيير الذي طرأ على آلية المفاوضات. وبموجبه، فإن قرار الوصول إلى اتفاق أو اقتحام لتحقيق منشأة نووية هو بيد القيادة الإيرانية. وغياب تهديد عسكري ملموس يحذر القيادة الإيرانية من اتخاذ خطوات في النووي، يسمح لها بمواصلة خرق الاتفاق النووي بشكل منهاجي بلا عقوبات والتقدم في تطوير قدرات التخصيب، والبحث والتطوير النووي، وبالتوازي خوض مفاوضات مع القوى العظمى.

تحاول الاستراتيجية الإيرانية الإمساك بالحبل من طرفيه: السعي إلى تثبيت قدرات “حافة الانطلاق”، وبالتوازي العمل على تعزيز النفوذ والتموضع الإقليمي في ظل ردع دول الخليج من بلورة حلف دفاع عسكري مع إسرائيل والولايات المتحدة. الهدف الإيراني هو تشديد الضغط على إسرائيل وعزلها إقليمياً، ودحر الولايات المتحدة عن المنطقة، وإضعاف الكتلة المؤيدة لأمريكا، وإبعاد التهديدات العسكرية عن حدودها، وتحطيم “اتفاقات إبراهيم”.

أما المحاولة الأمريكية بالمقابل لتطوير حلف دفاع عسكري مناهض لإيران إقليمياً، فقد فشلت في ضوء ارتداع دول المنطقة من قوة الضرر الإيرانية. استمراراً لذلك، فإن دول الخليج ومصر والأردن، أعلنت عن أن ليس في نيتها بلورة حلف دفاع عسكري ضد إيران مع إسرائيل والولايات المتحدة. ومع ذلك، نجحت قمة جدة في الدفع قدماً بتعاونات أمنية إقليمية بقيادة أمريكية: إقامة طواقم مهمة بحرية لحماية مسارات الملاحة الدولية، والاستعداد لبيع قدرات دفاع جوي متطورة، وتسريع التعاون الأمني التكنولوجي مع السعودية وحلفائها الإقليميين.

كما أن التوقع الذي سبق القمة لقفزة درجة في العلاقات بين السعودية وإسرائيل، بحيث تفتح الطريق للتطبيع المستقبلي بين الدولتين، خاب. فضلاً عن ذلك، فإن وزير الخارجية السعودي أشار في اللقاء إلى أن قرار فتح سماء السعودية لشركات الطيران الإسرائيلية هو جزء من خطوة سعودية شاملة ولا يشهد على خطوات دبلوماسية أخرى تتطور مع إسرائيل.

تدير دول الخليج ومصر سياسة تنوع المساند، سواء على مستوى القوى العظمى أم على المستوى الإقليمي. فالتقرب من إسرائيل إلى جانب حفظ السند الأمريكي لا يتعارضان مع العلاقات الاستراتيجية الناشئة مع روسيا والصين، ولا مع تثبيت وتطوير العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إيران. على مستوى القوى العظمى، فإن السعودية ومصر والإمارات غير مستعدة للمس بعلاقاتها الاستراتيجية مع روسيا والصين، رغم الضغط الأمريكي. مشروع النووي المدني في مصر الذي يقام بتمويل وتوجيه روسي يشكل مثالاً بارزاً على ذلك. وثمة تعبير آخر نجده في حديث أجراه محمد بن سلمان مع الرئيس بوتين (22 تموز) تعهد فيه الرجلان بالحفاظ على التنسيق في سوق الطاقة. هذا الحديث يضع علامة استفهام على أحد إنجازات قمة جدة، الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة بشأن الموافقة السعودية على زيادة إنتاج النفط. في سياق آخر ولا يقل تفجراً من ناحية إسرائيل، فإن رحلة بايدن لم تؤد إلى اختراق في موضوع الخلاف على إنتاج الغاز مع لبنان. فعملياً، لم يطرأ أي تقدم في الاتصالات مع حكومة لبنان بشأن طوافة كاريش. وشدد نصر الله تهديداته ضد إسرائيل في الفترة الأخيرة في ظل التهديد بالحرب كسيناريو محتمل في وضع فشل الاتصالات. تهديد نصر الله يطرح معادلة جديدة حول إنتاج الغاز من كاريش قبل الاتفاق مع لبنان على خط الحدود البحرية، تشكل مبرراً للحرب.

16 سنة على حرب لبنان الثانية ويبدو أن نصر الله يهيئ التربة لمواجهة أخرى مع إسرائيل تحت عنوان “إما الحقوق أو الحرب”، وبالتأكيد فإن الأزمة الاقتصادية والسياسية الحادة في لبنان من شأنهما أن توفرا شرعية وريح إسناد بخطوة عسكرية تجاه إسرائيل حول مسألة الطاقة.

انتهت قمة طهران بميزان مختلط من ناحية المشاركين؛ من جهة، مجرد اللقاء مع الرئيس اردوغان ومع الزعيم الإيراني خامنئي والرئيس رئيسي شكل إنجازاً سياسياً مهماً للرئيس بوتين. إضافة إلى ذلك، في إطار اللقاء مع اردوغان، طرأ تقدم في تسوية استئناف تصدير الحبوب الأوكرانية من موانئ البحر الأسود والتي وقعت في اتفاق رسمي بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول. ونالت روسيا تأييدها علنياً كاملاً من جانب القيادة الإيرانية، وحسب تقارير مستشار الأمن القومي، فإن طهران ستزود روسيا بمسيرات هجومية.

بالمقابل، فإن عدم توافق عميق في نقاط مختلفة، والخصومة التاريخية والمنافسة بين اللاعبين على المقدرات وعلى النفوذ، تضع علامة استفهام في صورة الختام المبتسمة؛ فإيران وروسيا متنافستان في سوق الطاقة العالمية وتتنافسان على توزيع المقدرات في سوريا. الشك القائم بين الدولتين عميق وتاريخي. القمة تشكل إنجازاً للرئيس بوتين والقيادة الإيرانية، لكنها لا تبشر بتحالف مناهض لأمريكا جديد في المنطقة.

الخلاصة والتوصيات

المواجهة المتواصلة بين الولايات المتحدة وروسيا إلى جانب التطورات الإقليمية وعدم الاستقرار السياسي في إسرائيل تضع أمام إسرائيل سلسلة من التحديات على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي، تؤثر على وضعها الاستراتيجي. بشكل ملموس، قبيل أعياد “تشري” يتعين على إسرائيل أن تتصدى لتفجر متزايد سواء في الساحة الفلسطينية أم في الساحة اللبنانية، وبالتوازي الاستعداد للمصاف الأخير في خوض الانتخابات.

المسألة الفلسطينية دحرت إلى الهوامش في أثناء زيارة الرئيس الأمريكي، وأساساً عقب فهم بأنه لن يكون ممكناً تحريك مسيرة سياسية أو اتخاذ قرارات ذات مغزى في ضوء الوضع السياسي داخل إسرائيل. بالمقابل، شدد الزعماء العرب في قمة جدة على أهمية المسألة الفلسطينية كعنصر مركزي في الاستقرار الإقليمي. خطابات الزعماء في القمة جسدت حقيقة أنه لا يمكن تجاوز المسألة الفلسطينية التي تشكل مانعاً حقيقياً أمام التطبيع مع العالم العربي.

يتعين على الحكومة الجديدة في إسرائيل أن تضع استراتيجية شاملة في المسألة الفلسطينية، وأولاً وقبل كل شيء لاعتبارات أمنية وسياسية استراتيجية (منع تحقق فكرة “الدولة الواحدة”) وفي ضوء فهم بأن الطريق إلى الرياض تمر برام الله، وأن قدرة تقدم التطبيع مع العالم العربي مع كل المعاني الاستراتيجية التي ينطوي عليها ذلك، مشروطة بتنمية رد شامل للمسألة الفلسطينية.

يتعين على الحكومة وجهاز الأمن ان يعملا على تعطيل مداخل التفجر في الساحة الفلسطينية من خلال تعزيز التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، وعمل مركز ضد شبكات حماس في الضفة، ومساعدة اقتصادية لاستقرار الساحة الداخلية في ضوء خطر الاشتعال قبيل أعياد “تشري”.

إيران على شفا انطلاق إلى النووي (تخصيب 90 في المئة يسمح ببناء منشأة نووية) وقرار ذلك في يدها، في ضوء الاهتمام العالمي المتضائل عقب الأزمة في أوكرانيا وغياب خيار عسكري رادع.

إسرائيل مطالبة بالعمل بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة في ظل محاولة التأثير على تشديد صيغة الاتفاق النووي، وفي تنسيق استراتيجية العمل الشاملة تجاه إيران. والجيش الإسرائيلي مطالب بمواصلة الاستثمار في تطوير جواب عسكري ذاتي وتعميق التعاون الأمني الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في سياقات بناء القوة واستخدام القوة.

أوروبا قد تعاني من شتاء بارد هذه السنة جراء قرار روسيا تقليص أو حتى وقف توريد الغاز كأداة استراتيجية لشق الغرب وزعزعة تماسكه. الاستراتيجية الروسية تستهدف تحقيق أهدافها في أوكرانيا، في ظل إضعاف المقاومة الغربية من خلال سوق الطاقة والحبوب. من جهة أخرى، تحاول الولايات المتحدة الحفاظ على تماسك التحالف المناهض لروسيا من خلال زيادة إنتاج النفط العالمي وممارسة الضغط الاقتصادي على موسكو. هذا الوضع إلى جانب عدم قدرة كل واحد من الأطراف للوصول إلى حسم عسكري، يعزز إمكانية تحقيق حوار أولي بين الأطراف حول النزاع قبيل الشتاء.

في سياق المواجهة العالمية المحتدمة، إسرائيل مطالبة باتخاذ سياسة حذرة وألا “تكسر الأواني” مع روسيا في ضوء الأثمان المحتملة  على الأمن القومي الإسرائيلي، مثل إغلاق الوكالة اليهودية في روسيا، والتغير في الإدارة العملية تجاه الحرب الإسرائيلية ما بين الحروب وغيرها.

على إسرائيل العمل على تسوية الخلاف مع لبنان حول الغاز، وتمتنع قدر الإمكان عن احتكاك عسكري مع “حزب الله” وأن تستنفد المفاوضات حفاظاً على مصالح الدولتين. ومع ذلك، في حالة تشخيص “حزب الله” لضعف في الموقف الإسرائيلي، سيرفع مستوى المطالب للمس بقدرة الردع الإسرائيلي وتثبيت مكانته. لأول مرة بعد 16 سنة من الهدوء في الساحة الشمالية، يتعين على إسرائيل الاستعداد لسيناريو تصعيد حاد مع “حزب الله”.

 

بقلم: طاقم المعهد برئاسة اللواء احتياط عاموس جلعاج

 معهد السياسة والاستراتيجية IPS 28/7/2022



مقالات أخرى للكاتب

  • هل سيكون حزيران المقبل شهر استقالات قادة الأجهزة الأمنية؟  
  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   
  • هل حققت إسرائيل هدفها بضربها راداراً للدفاع الجوي في أصفهان؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي