كيف تنظر إسرائيل إلى الديمقراطيات الغربية عقب الحرب في أوكرانيا؟
2022-05-31
كتابات عبرية
كتابات عبرية

بينما ينظر الجمهور إلى الداخل – إلى الإرهاب الفلسطيني، إلى الأزمة السياسية وإلى السيطرة العربية في المدن المختلطة – يطرأ في الساحة الدولية تغيير ثوري سيؤثر على منطقتنا وعلى مساحة المناورة لإسرائيل. يدور الحديث عن موجات صدى وهزات فرعية للحرب في أوكرانيا التي تؤدي إلى إعادة انتشار في الديمقراطيات الغربية، في ضوء دروس العدوانية الروسية.

الحدث البارز الأخير في هذه الدراما هو قرار فنلندا والسويد الانضمام إلى الناتو. هذا يعكس تثبيت الاعتراف بأن الديمقراطيات ملزمة بالدفاع عن نفسها بطرق “اسبارطية”. لا جديد في الاعتراف بهشاشة المجتمع المفتوح: فاختيار الانفتاح يعبر عن الاستعداد لتفضيل الحصانة المرنة للتعددية الاجتماعية والسياسية على التصلب المتمترس. غير أنه تنكشف مؤخراً شدة الهجوم ووقاحة قوى الحكم المطلق التي تحاول تقويض هذه المجتمعات والاعتراف بأنه يجب أن تنصب في أطرافها المكشوفة حدود قوة للدفاع عن اللباب “الرقيق” لنمط الحياة الليبرالي. بمفهوم معين، يدور الحديث عن حراك مبارك عن النموذج الغربي – الأوروبي و”السويدي” نحو النموذج “الإسرائيلي” الذي يدمج الصلابة القاطعة تجاه الأعداء والانفتاح التسامحي في الداخل.

يذكر هذا الميل بـ “الديمقراطية المدافعة” في أعقاب درس سيطرة النازية على جمهورية فايمار. أساسها في استثناء محافل ترفض “قواعد اللعب” للنظام الديمقراطي عن المنظومة القانونية لمنع السيطرة المعادية من خلال تشويه هذه القواعد نفسها. استراتيجية الدفاع هذه تتحدى الميل في استبعاد نصب حدود في التعددية بدعوى أن جوهره هو غياب الحدود. وقد أثبتت التجربة المأساوية الحاجة لاستثناء النازيين لأجل وجود الديمقراطية الألمانية. ويكتشف الأوروبيون مؤخراً بأن عاملين يردان التعددية من أساسها – قوة عظمى ذات حكم مطلق، وثقافة أبوية وعدوانية – يهددان نمط الحياة الحر والمفتوح في القارة. القوة العظمى هي روسيا بوتين، والثقافة هي الثقافة المقبولة على قسم كبير جداً من المهاجرين العرب، والباكستانيين، والأفغان، وغيرهم ممن جاءوا بملايينهم واستقروا في أوروبا دون أن ينخرطوا بقيمها الجوهرية. هنا، أدرك الاتحاد، أن المطلوب “ديمقراطية مدافعة” ضد العناصر التي تأتي إلى الديمقراطية من الخارج.

تخوض روسيا منذ سنوات عديدة حرباً ضد المجتمعات المنفتحة في أفقين: في معركة في السايبر تستهدف ضعضعة الثقة في المجتمع التعددي وفي النظام الديمقراطي؛ وفي جهد منهاجي لجعل أوروبا متعلقة بإدمان الطاقة الروسية. الواقع الاستراتيجي واضح، لكن أغلبية القيادة السياسية والنخب اختارت خداع نفسها والتنكر لآثاره. المستشار الألماني الأسبق جيرهارد شرودر، خان شعبه والحضارة الغربية عندما شق الطريق إلى الغاز الروسي، وفور اعتزاله حظي بدفعات عظمى من بوتين كمسؤول عن الاستسلام المتواصل لأوروبا في هذا المجال. المستشارة التي جاءت في أعقابه وضللت ناخبيها بشخصيتها الحذرة والمسؤولة، فتحت بوابات أوروبا أمام أكثر من مليون مهاجر، يتمسك معظمهم بالثقافة التي تعرض نمط الحياة المفتوحة والتعددية للخطر، وأمام تعلق أعمق بالغاز الذي يمول لبوتين فساده وسيطرته وحروبه. أوروبا بحاجة إلى عشرات آلاف القتلى، لستة ملايين فروا من وطنهم ولثمانية ملايين لاجئ آخرين في بلادهم كي تدرك بأنها في حرب. هي الآن مستعدة للتنازل عن فضائل اقتصادية (غاز زهيد الثمن وموازنات سخيفة للأمن) وعن صورة إنسانية في الإعلام وفي أوساط نخب عديمة المسؤولية (الاستعداد لاستيعاب غير منضبط للمهاجرين). الآن تستوعب فنلندا بأن الدافع العدواني لروسيا يتأثر في الردع وليس بالبقاء في الظل، وتدرك السويد بأن لا مكان للحيادية، حتى المسلحة، وإن كان هذا أجداهم حيال النازيين. وكأن الأوروبيين وإدارة بايدن في كون موازٍ يواصل التنكر لخطورة التهديد الإيراني، ويبدون الاستعداد لتمويل عدوان إيران وسعيها إلى النووي والهيمنة الإقليمية بمئات المليارات (وبرفع العقوبات)، مقابل اتفاق عديم القيمة على نحو ظاهر. ينبغي الأمل في أن تكون الصحوة من الهذيانات الراديكالية للمصالحة ممكنة هذه المرة دون مشاهد حرب شاملة.

 

بقلم: دان شيفتن

إسرائيل اليوم 31/5/2022



مقالات أخرى للكاتب

  • هل سيكون حزيران المقبل شهر استقالات قادة الأجهزة الأمنية؟  
  • هكذا نقل نتنياهو اليهود من "الوصايا العشر" إلى ضربات قصمت ظهر الدولة   
  • هل حققت إسرائيل هدفها بضربها راداراً للدفاع الجوي في أصفهان؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي