ما حكاية عودة "داعش"؟
2022-01-27
عماد الدين الجبوري
عماد الدين الجبوري

كما ظهر تنظيم " داعش" على حين غرة في منتصف عام 2014، وأخذ بالانتشار السريع ليبسط سيطرته على رقعة جغرافية شاسعة الأطراف، تضم ثلث مساحة العراق في الجهات الشمالية والغربية، وكذلك على نصف مساحة سوريا في الجهات الشمالية والشرقية، وهي مناطق تحوي على ثروات معدنية من النفط والغاز، وعلى أراضي زراعية خصبة، ونسبة كبيرة من سكان العرب السنة.

ومثل هذه القوة المحلية المحدودة ليس بمقدورها أن تتحول إلى هذا المستوى الإقليمي من دون دعم دولي لها بالمال والسلاح، وتُعدّ إيران في مقدمة تلك الدول، ولا يسَع المجال في تناول بعض التفاصيل المتعلقة بتلك الفترة، إلا أن "داعش" أشبه بتمدد حركة "طالبان" التي اكتسحت 95 في المئة من أفغانستان في غضون 11 شهراً بين عامي 1995-1996، وكانت مدعومة بالاستخبارات الباكستانية والسلاح الأميركي والمال الخليجي.

عموماً، في 21 من الشهر الحالي، نفّد تنظيم "داعش" هجوماً في محافظة ديالى، وقتل ضابطاً برتبة ملازم و10 جنود عراقيين، وديالى بالقدر الذي تُعدّ من المحافظات الشرقية على الحدود العراقية الإيرانية، إلا أنها تبعد عن العاصمة بغداد أقل من 60 كيلومتراً، فلا غرو إن قامت إيران عبر ميليشياتها الولائية بالقتل والاعتقال والخطف والتهجير بحق الغالبية فيها من العرب السنة، وارتكاب أبشع المجازر من جامع سارية في 17 مايو (أيار) 2013، وصولاً إلى قرية نهر الإمام في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2021.

ويتفق معظم العراقيين على أن عودة إرهاب "داعش" مقترنة بخسارة "الإطار التنسيقي" في الانتخابات التشريعية، واصطفاف الكتل الرئيسة الصدرية والسنية والكردية بمعزل عن الإطار الموالي لإيران، الذي يرفض هزيمته السياسية، ويصر على تشكيل حكومة توافقية وليست غالبية وطنية كما يريدها قادة تلك الكتل. لذلك، حرّكت إيران عناصر "داعش" لقتل العراقيين، الذين يتوقعون أيضاً أعمالاً إرهابية ستطال مناطق الغالبية الشيعية، لتعود صور سيل الدماء النازفة بنعرة طائفية مشينة.

وكما جرى تهريب 500 سجين من عناصر تنظيم "القاعدة" من سجنَي أبو غريب في غرب بغداد، والتاجي شمال بغداد في 22 يوليو (تموز) 2013، واتجهوا نحو سوريا مباشرة، ثم دخلوا لاحقاً إلى محافظة نينوى شمال العراق باسم "داعش"، فالخميس الماضي، تم تهريب سجناء من التنظيم من سجن "غويران" في محافظة الحسكة شرق سوريا، والاتجاه بهم نحو العراق، وجرى تسليحهم على الحدود من قبل الاستخبارات الإيرانية وحزب العمال الكردستاني الآتي من تركيا، والمخطط هو القيام بعمليات إرهابية واتهام العرب السنة باحتضان ودعم الإرهاب في مناطقهم، وإظهار القوات الأمنية الحكومية بالضعف والهوان تجاه عمليات الإرهابيين، ما يستدعي الميليشيات الولائية المتمثلة في "الحشد الشعبي" بالتحرك الميداني ضدهم والدفاع عن البلاد.

والهدف الآخر من هذا المخطط هو الضغط على السياسيين السنة بالتراجع عن تحالفاتهم مع التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني في تشكيل الحكومة الجديدة، وجعل مناطقهم عرضة لهجمات دامية بذريعة محاربة الإرهابيين "الدواعش"، وفي الوقت ذاته، خلق اضطراب أمني يربك الأوضاع في المجتمع العراقي، كما جرى في الماضي القريب.

وكما انسحبت أربع فرق عسكرية بمنظوماتها الاستخبارية، وانهيار الأجهزة الأمنية والشرطية والإدارية في المحافظات ذات الغالبية السنية بفترة نوري المالكي، إذ تركت المعسكرات والثكنات والمواقع بأسلحتها ومعداتها وآلياتها إلى عناصر "داعش" الآتية من سوريا، يبدو أن هناك انسحابات لفصائل "الحشد الشعبي"، ودخول "الدواعش" إلى مناطق عدة من العُظيم في ديالى والحويجة في كركوك إلى سنجار في نينوى وغيرها، والأيام المقبلة ستكشف أكثر عن هذا المنعطف الخطير، خصوصاً في 23 من هذا الشهر، إذ أطلق الجيش عملية واسعة من أربعة محاور في ناحية العُظيم لملاحقة عناصر "داعش"، بمشاركة قوات خاصة من الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية، وبعض فصائل "الحشد الشعبي".

فهل يمكن التصدي لهذا المخطط وإفشاله؟ أو إنه مجرد جس نبض إيراني لتمتين القوى الموالية لها في "الإطار التنسيقي" لتفرض حكومة توافقية! وبذلك تستمر من خلالها في تقديم المصالح الإيرانية على حساب مصالح الشعب والوطن.

وعلى الرغم من كل ذلك، هل باستطاعة إيران أن تدير هذا المشهد الميداني الواسع بمفردها، لا سيما أن "داعش" تقف خلفه دول عدة من سوريا وتركيا إلى استخبارات دولية أخرى؟ إن تسلسل الأحداث بعد الانسحاب الرسمي للقوات الأميركية من العراق أواخر عام 2011، يدل على أن التنظيم حلقة مضافة إلى سلسلة ما يسمّونه بـ"مكافحة الإرهاب"، بعدما انكشفت أبعاد "الحرب على الإرهاب" التي قادتها الولايات المتحدة من دون تعريف محدد إلى معنى "الإرهاب"، منها نضال الشعب الفلسطيني ضد القمع الإسرائيلي المحتل، أو جهاد المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال الأميركي.

وعليه، فإن عودة تنظيم "داعش" ليمارس دوره الإرهابي بالقتل والتدمير والتخريب، لا جديد فيه سوى أنه يجري على وتيرته المرسومة داخل البلدان العربية عامة، وسوريا والعراق بخاصة. فخلال العام الماضي، شنّ "داعش" 257 هجوماً قتل فيها 387 مواطناً عراقياً، كما نشرت مجلة "الدواعش"، الخميس الماضي، تقارير عن تنفيذ ست عمليات داخل العراق ما بين 13 و19 من الشهر الحالي، وقتلت 17 شخصاً، في حين أن الموقفين الرسميين الأميركي والعراقي، ينصان على هزيمة "داعش" في كل المناطق التي سيطر عليها عام 2017.

فمن أين لـ "الدواعش" هذه الاستمرارية القتالية التي تتطلب المال والسلاح والاستخبارات الميدانية؟ وكيف حافظوا على هجمات "أضرب وأهرب" طيلة هذه السنين ولم يقع منهم أسير واحد أو جثة واحدة؟ الأسئلة كثيرة، والأجوبة عند واشنطن وطهران وغيرها.

في كل حال، إن ما تحضر له إيران من عودة "داعش" لا يمكن أن يكتمل من دون توافق مع الدول المعنية بديمومة التنظيم في المنطقة، ولكن هل ستحقق إيران هدفها السياسي تجاه "الإطار التنسيقي" الموالي لها؟ أو سينطبق عليها المثل القائل: "ليس في كل مرة تسلم الجرة".

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس

الاندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • أبعاد التحشيد العسكري الأميركي
  • كورونا كارثة طبيعية أَم مؤامرة؟
  • نحو تدويل انتفاضة العراق





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي