هل تستطيع إسرائيل التعايش مع إيران بصفتها دولة على "حافة النووي"؟
2021-08-03
كتابات عبرية
كتابات عبرية

تتلخص سياسة إسرائيل فيما يتعلق بسعي إيران للوصول إلى قدرة نووية عسكرية، بمقولة واحدة تقول كل شيء، ولا تقول أي شيء: “لن تسمح إسرائيل لإيران بالوصول إلى قدرة نووية عسكرية”. أحياناً تسمع مقولة أخرى مشابهة، ” لا يمكن لإسرائيل التعايش مع إيران نووية”. تحولت هذه الأقوال إلى جوهر سياسة إسرائيل القائمة منذ ثلاثين سنة، وهي التي ستقف في مركز اللقاء المرتقب لرئيس الحكومة نفتالي بينيت، مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي سيناقشان فيه المفاوضات التي تجري بين إيران والدول العظمى، وحول بلورة اتفاق نووي جديد. ولكن ماذا يعني ذلك بالضبط؟

لنبدأ من النهاية: عملياً، إيران الآن هي نوع من دولة نووية. وحسب تعريفات معينة، قد تعتبر دولة حافة نووية. ولكن لا توجد لإيران قدرة نووية عسكرية. وهنا يكمن الفرق الكبير وتشويش المفاهيم. عندما تعلن جهات إسرائيلية عدم موافقتها على سيناريو “نووية إيران”، فإنهم يعبرون عن مصلحة حقيقية، جدية وسياسة واضحة. وعندما يعلن بايدن أن “إيران لن تكون دولة نووية أثناء ولايته” فهو يقصد ما يقول. ولكن في الحالتين التصريحات لا تناقض الوضع القائم بالضرورة، بل قد تتفق مع أن إيران، الآن، هي حسب تعريفات معينة، دولة حافة نووية. مع ذلك، يتبين أن إسرائيل والولايات المتحدة تعرفان التعايش. ليس بسلام، بل التعايش مع أو بدون اتفاق نووي جديد.

ثمة تصريحات أخرى تأتي بأسلوب مختلف. “محظور على إسرائيل الموافقة على اندماج مدمر لنظام إسلامي متطرف يهدد بـ “محو اسرائيل” بالسلاح نووي”. هذا أحد التصريحات. وثمة تهديدات عامة مثل “جميع الخيارات على الطاولة”، وكلمات سحرية مثل “ردع”. وهناك نقاشات علنية منسقة في الوقت والموضوع حول “احتمالية هجوم إسرائيلي” ونافذة الفرص أو “إلى أي مدى تستطيع إسرائيل تعويق تقدم إيران”.

منذ بداية التسعينيات، والسياسة الرسمية العلنية والنشاطات العسكرية والاستخبارية السرية ضد إيران ومبعوثوها في الشرق الأوسط والنشاطات الدبلوماسية والعامة، جميعها تشتق من أمر استراتيجي أعلى يقول إن “إيران لن تكون دولة نووية”. ولكن تحت الصياغة الواضحة مصطلحات غير دقيقة ومضللة أحياناً، لا سيما عند استخدام مصطلحات مختلفة ومتغيرة مثل الدولة النووية، والقدرة العسكرية النووية، والحافة النووية، وأجهزة الطرد المركزي الجديدة، واليورانيوم المخصب والبلوتونيوم، وزمن الاندفاع، وصاروخ مع رأس نووي، والقدرة على الإطلاق أو الإلقاء، والنقل الجوي أو الاتفاق النووي. وهناك أيضاً أحياناً ارتباك في “مجتمع الرقابة على السلاح”، لا سيما عندما يصدر العسكريون والسياسيون تصريحات دراماتيكية وحاسمة.

الخيار الياباني

المصطلح ذو الصلة بخلفية المحادثات النووية هو دولة حافة نووية، التي تسمى أيضاً دولة نووية نائمة، أو “دولة لف برغي/ مفتاح”. يصف المصطلح وضعاً تمتلك الدولة فيه رزمة كاملة مثل التكنولوجيا، والمعرفة، والمركبات والوسائل، التي تمكن من إنتاج سلاح نووي أو إقامة منشأة نووية واحدة خلال أسابيع أو بضعة أشهر، لكنها تمتنع عن فعل ذلك لاعتبارات مختلفة (يمكن تشبيه ذلك بأربعة كراجات قرب بعضها، في أحدها الهيكل الرئيسي، وفي الثاني المحرك، وفي الثالث الإطارات، ويضم الرابع نظام التوجيه والكهرباء). معرفة تجميع السيارة موجودة. والمطلوب قرار ووقود.

وللتحول إلى “دولة حافة”، تحتاج إيران إلى أن يكون لديها كمية كافية من اليورانيوم المخصب (هناك مسار بلوتونيوم لإنتاج القدرة النووية الذي ليست له أي صلة بحالتنا هذه، لأن إيران اختارت مسار تخصيب اليورانيوم). ولإنتاج قنبلة نووية واحدة، تحتاج الدولة إلى 220 كغم من اليورانيوم المخصب بمستوى 20 في المئة، وإلى قدرة تخصيب تصل إلى 93 في المئة. عملياً، دولة الحافة هي دولة خصبت اليورانيوم في السابق إلى مستوى الـ 93 في المئة، لكنها اختارت عدم اجتياز الحافة وإنتاج قنبلة من المواد. من ناحية تخطيط أمن قومي استراتيجي فإن دولة الحافة يمكن أن تعتبر أيضاً دولة لديها كمية كافية بمستوى تخصيب 20 في المئة وقدرة تخصيب إضافية بدون أن تفعل ذلك، خصوصاً حين يدور الحديث عن تهديد حقيقي أو شبه تهديد أمني.

البعد الزمني بين القدرة وإنتاج القنبلة، بين زمن إلقائها من طائرة مثل قصف هيروشيما وناغازاكي في 1945 وبين أن تكون مركبة كرأس متفجر على صاروخ بالستي بعيد المدى، هو زمن الاندفاع. الخلاف حول تعريف دولة الحافة يوضح أيضاً الخلاف الاستخباري في تقدير زمن الاندفاع، إلى جانب عدم الدقة الكامن في أي تقدير استخباري من هذا النوع.

في الأدبيات المهنية وفي الواقع السياسي، تعتبر دولة الحافة أيضاً “خياراً يابانياً”. أي التعامل مع دولة تملك معلومات وقدرة تكنولوجية وقدرة وصول سريعة إلى المركبات، والتي قررت عدم تطوير قدرة عسكرية. يمكن أن ينبع هذا القرار من رغبة في الامتناع عن خرق ميثاق عدم انتشار السلاح النووي، أو لاعتبارات سياسية وإقليمية للامتناع عن الاستفزاز ومن إيجاد سباق تسلح. بناء على ذلك، تعتبر اليابان دولة شبه نووية، وهي ليست الدولة الوحيدة. فأستراليا وألمانيا وكندا وجنوب إفريقيا، التي تنازلت عن السلاح النووي في 1989، هي دول كهذه. لا توجد دولة تطور منها برنامج صواريخ بالستية، ولا يوجد أي منها تهدد دولة أخرى بصورة صريحة مثلما تفعل إيران، لكنها جميعاً تعتبر دولاً حافة.

المشكلة الأساسية في دول الحافة ليست الفترة الزمنية المطلوبة لتجاوز هذه الحافة وتقرير فعل ذلك، بل حقيقة أن إيران في ظل رعايتها واستخدامها كتهديد، تعتقد أنه يمكنها العمل بحرية ومن خلال القدرة على المناورة، أي مواصلة تطوير صواريخ دقيقة وتقويض أنظمة وتوفير رعاية للإرهاب وإلحاق الضرر بالسفن التجارية وإجراءات أخرى نسبت لإيران مؤخراً.

ما زالت إسرائيل ملتزمة بمبدأ “لن نسمح بإيران نووية”. ولكنها عملياً، تعترف بأن إيران دولة حافة في كل شيء، وتفترض أن أبعاداً معينة تخلق ردعاً كافياً. الولايات المتحدة بالتأكيد وافقت في السابق على واقع تكون فيه إيران دولة حافة. والسؤال الكبير هو: هل سيقيد الاتفاق النووي الآخذ في التبلور قدراتها التطويرية وبصورة دراماتيكية مثلما فعل الاتفاق السابق، وما إذا كان سيعوض عن ذلك تقدم إيران منذ العام 2019 عندما خرقت القيود رداً على انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب منه في أيار 2018؟ حسب تقدير المخابرات في أمريكا وإسرائيل، لا تعمل إيران في مجال تطوير سلاح نووي عسكري، لكن ما الذي سيضع الرادع لخرق الاتفاق؟ وإذا لم يتم التوقيع على الاتفاق، وهو السيناريو المحتمل، فما الذي سيردع إيران عن اجتياز الحافة إذا قررت فعل ذلك؟

التهديد الآن هو الحاجة إلى أن نبلور مع الولايات المتحدة سياسة تهديد مندمجة، مبنية على معايير واضحة كرد على السيناريوهين. هذا ما يحاول رئيس الحكومة، بينيت، إجماله مع الرئيس بايدن. في هذه المرحلة، وهو أمر حيوي حتى أكثر من المعركة ضد شركة “بن آند غريس”.

 

بقلم: ألون بنكاس

هآرتس 3/8/2021



مقالات أخرى للكاتب

  • لغانتس "الساذج" وآيزنكوت "المغبون": ساعر حجر نتنياهو الأخير لـ "الإخفاق المطلق"  
  • شلهوب وديمقراطية إسرائيل".. ما معنى أن يعبر "غير اليهودي" عن رأيه في مؤسسة أكاديمية؟    
  • الاستخبارات الإسرائيلية تسائل نفسها: هل قتلنا مروان عيسى؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي