كورونا والاستراتيجية الصحية الدفاعية
2021-04-16
أكمل عبد الحكيم
أكمل عبد الحكيم

في عام 1980، أعلنت منظمة الصحة العالمية نجاح جهود القضاء التام على فيروس الجدري، ليكون بذلك أول فيروس يتسبب في مرض بين أفراد الجنس البشري يتم بالفعل القضاء عليه نهائياً، والوحيد حتى الآن. هذه الحقيقة تسلط ضوءاً ساطعاً على قدرة الطب الحديث على التخلص من الكائنات المجهرية المسببة للأمراض المعدية. لكن رغم إطلاق برامج دولية هائلة للتخلص من فيروس شلل الأطفال، أو طفيلي الملاريا منذ عقود، وغيرهما، لم تحقق أياً من هذه البرامج هدفها النهائي بعد.
وهو ما يأخذنا للسؤال المتعلق بما إذا كان البشر سيستطيعون يوماً ما إلحاق فيروس كورونا بنفس مصير فيروس الجدري، بعد أن تسبب في وباء لم يشهد العالم مثله منذ أكثر من مئة عام، وفي خراب اقتصادي دولي غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، وفي وفاة قرابة 3 ملايين شخص، وهو الرقم المرشح للزيادة خلال الأسابيع والشهور القادمة؟
إجابة هذا السؤال لا بد أن ترتكز على المتاح حالياً ومستقبلاً من التطعيمات الطبية، وبالتحديد مدى فعالية هذه التطعيمات. فمما لا شك فيه أن التطعيمات هي السلاح الأقوى والأكثر فعالية المتاح لنا ضد فيروس كورونا، ورغم أن بعضها فعال وآمن بنسبة تزيد عن 90%، فإن أياً منها لا يتمتع بفعالية 100%، ولذا يظل احتمال العدوى بالفيروس ونقله للآخرين قائماً، حتى بعد تلقي التطعيم. مما يعني أنه من غير الممكن، أو على الأقل من المستبعد، تحقيق هدف القضاء التام على فيروس كورونا أو وقف انتشاره بالاعتماد على التطعيمات فقط، وهو ما يدفع بباقي الأسلحة المتاحة لنا حالياً إلى الخطوط الأمامية في هذه المواجهة المصيرية. هذه الأسلحة تشمل: الفحوصات المستمرة لاكتشاف حالات الإصابة وعزلها قبل نقل العدوى للآخرين، وتتبع وعزل الحالات المخالطة لحين تبيان إصابتها من عدمها، وارتداء الكمامات، وتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، مع تجنب الأماكن المزدحمة والاعتماد على التهوية الطبيعية قدر المستطاع.
جميع هذه الإجراءات، بما في ذلك التطعيمات، لا تتمتع بفعالية 100%، فجميعها بها قصور وعجز متوطن، يعيق كل منها بمفرده عن منع انتشار الفيروس، لكنها مجتمعةً يمكن أن تمنع بشكل مؤثر وهائل من انتقال الفيروس من شخص لآخر. ولذا، يجب أن تعتمد أي استراتيجية صحية في مواجهة فيروس كورونا على خطوط دفاع متوالية ومتضافرة، تعمل معاً في تناغم وتنسيق، لبلوغ الهدف النهائي المتمثل في تحقيق الوقاية شبه التامة.

المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع



مقالات أخرى للكاتب

  • تبعات ظاهرة العنف ضد النساء
  • مستقبل تكنولوجيا التطعيمات الطبية
  • ضحايا ساعات العمل الطويلة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي