ما الثمن الذي ستضطر إسرائيل لدفعه مقابل حمايتها في "لاهاي"؟
2021-03-05
كتابات عبرية
كتابات عبرية

إسرائيل محقة جداً ولكنها غير حكيمة دائماً في سلوكها الدولي حال مهاجمتها، وهذا يخالف صورتنا الذاتية. لذلك، كانت متوقعة وفارغة ردودها إزاء قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بشأن فتح تحقيق حول جرائم حرب ارتكبت في المناطق.

بعد ثلاثة أسابيع على اتخاذ “الجنايات الدولية” قرار صلاحية مناقشة ما يحدث في المناطق، أعلنت المدعية بنسودا، الأربعاء، بأنها تصادق على فتح تحقيق فيما يتعلق “بالوضع في فلسطين” بعد عملية “الجرف الصامد”. قرار فتح التحقيق مثير للغضب، وأساسه الشرعي مهزوز، وأساس افتراضات المحكمة خاضعة لتفسيرات تاريخية وقانونية. ولكن بعد مرور خمس سنوات على تجاهل تام من قبل إسرائيل بالنسبة لجوهر التحقيق ومحاولة تقويض صلاحية المحكمة، ما الذي كانوا ينتظرونه بالضبط؟

وبدأ على الفور قصف مدفعي من الرثاء والبر والمرارة والغضب المقدس وإلقاء اللوم على كل العالم. خلال بضع دقائق من إعلان المحكمة، بدأ وابل من الشعارات: الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم… دولة إسرائيل وجيش الدفاع الإسرائيلي يعرفون إجراء تحقيق ذاتي أفضل من أي جهة أخرى، ويفعلون ذلك بشكل دائم… سنقف من وراء الضباط والجنود؛ هذه لاسامية… إسرائيل تتعرض للهجوم… المدعية العامة تحركها كراهية إسرائيل… هذا قرار منافق ولا أساس قانونياً له… ليذهبوا ويفحصوا سوريا وإيران قبل ذلك.

جميع هذه الادعاءات محقة وجميلة ومعظمها صحيح، لكنها جميعاً غير حكيمة. لا يوجد أي منها مناسب للدفاع القانوني بالنسبة لإسرائيل. ولها، بصعوبة شديدة، أهمية إعلامية. هذه ليست أكثر من ادعاءات بافلوفية تجعلنا نشعر بالراحة مع أنفسنا، مغلفين بالغضب المقدس وغارقين في البر. لا يبنى دفاع بهذا. ومثلما لا يجب المبالغة بصورة هستيرية، فمحظور على إسرائيل أيضاً التقليل والاستخفاف بالمحكمة الدولية. من جهة، سيستغرق التحقيق زمناً غير قصير، وفي حزيران سيُستبدل بالمدعية بنسودا رجل القانون البريطاني كاريم خان. ليس واضحاً كم من الوقت والموارد سيخصصها خان لهذا التحقيق مقارنة مع تحقيقات أخرى، التي قد تكون ضمن سلم أولويات أعلى في مكتبه. وما زالت بعيدة صور التحقيقات البائسة أو أوامر الاعتقال ضد رؤساء الوزراء ووزراء الدفاع ورؤساء الأركان والجنرالات ورؤساء وأقسام في جهاز الأمن وجنود خدموا في غزة. ولإسرائيل حلفاء وادعاءات دفاع لا بأس بها.

من جهة أخرى، إذا واصلت إسرائيل ازدراء المحكمة، والاحتجاج على صلاحيتها والامتناع عن التعاون معها، مثلما فعل ب نتنياهو في السنوات الخمس الماضية، فلن الضرر المحتمل مقتصراً على قانوني تجاه هذا الجنرال أو ذاك الملازم أو ذاك العضو في الشاباك، بل سيكون ضرراً سياسياً. صحيح أن التحقيق يتركز على حزيران 2014، لكن نطاق القضاء يمكن توسيعه إلى جميع “المناطق الفلسطينية”. وهذا بالضبط ما يعتبر “تدويلا للنزاع” من خلال “لاهاي”، والطريق من هناك إلى الأمم المتحدة غير بعيدة.

لسياسة الدفاع الإسرائيلية ثلاثة جوانب: القضائي، والدبلوماسي الجماهيري، والسياسي.

قانونياً، بعد سنوات على تجاهل التحقيق، ستضطر إسرائيل إلى فحص بلورة استراتيجية وخط دفاع كرد على صلاحية المحكمة وميثاق روما، الذي تم التوقيع عليه في العام 1998. بقوة هذا الميثاق تم تشكيل محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. وقد دخل الميثاق إلى حيز التنفيذ في 2002 وفسر وظائف المحكمة وصلاحياتها وسريان ولايتها القضائية وتركيبتها. حدد الميثاق اربع “جرائم أساسية”: إبادة شعب، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، وجرائم عدوان. انضمت إسرائيل رسمياً إلى الميثاق في 31 كانون الأول 2000. ولكنها لم تصادق على هذا الانضمام. في رسالة انضمامها، أضافت إسرائيل تحذيراً وتحفظاً: هناك خوف من تسييس قرارات المحكمة، وخوف جوهري ومعقول من استخدام سياسي ومن دوافع سياسية واضحة ومرفوضة لدول بتقديمها دعاوى للمحكمة. وثمة خوف آخر، وهو أن تتحول المحكمة إلى ساحة صدامات سياسية وليس هيئة قضائية نقية وخالية من الاعتبارات الغريبة. يبدو أن كل التحذيرات الإسرائيلية هذه تم التعبير عنها في قرار فتح التحقيق.

الجانب الثاني هو الدبلوماسية الجماهيرية. اختارت إسرائيل حتى الآن طريق الهجوم ومحاولة الاحتجاج على صلاحية المحكمة. هذه سياسة شرعية، لكن ليس لها برنامج بديل إذا لم تنجح.

  قرأت “لاهاي” كيف يشهر الوزراء ويهددون المحكمة العليا بتقليص صلاحياتها، وتشريع استقوائي ضد أحكامها. إضافة إلى ذلك، بقي لإسرائيل المسار السياسي؛ فلإسرائيل حلفاء مهمون هم أعضاء في ميثاق روما ودول صديقة وتتعامل بود مع ادعاءاتها وانتقادها. ولكن الأساس في نهاية المطاف موجود في الولايات المتحدة. فهي ليست عضواً في ميثاق روما، لكن تأثيرها في منتديات ومؤسسات دولية تأثير حاسم. أمس، وقف وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، من وراء إسرائيل، واحتج على صلاحية المحكمة.

ولكن استمرار التحقيق سيحتاج إلى استمرار الدعم السياسي الأمريكي، وهذا مرهون ومتعلق بمواضيع أخرى تتطلع فيها الولايات المتحدة إلى تعاون إسرائيل في الاتفاق النووي مع إيران، وعلاقات الولايات المتحدة المتضعضعة مع السعودية، وفي المستقبل القريب- ضغط أمريكي على مسائل مختلفة داخل مثلث العلاقات إسرائيل – الصين – الولايات المتحدة. ومن أجل ضمان استمرار الدعم السياسي والعملي للولايات المتحدة في موضوع التحقيق، سيطلب من إسرائيل تأييد الولايات المتحدة في هذه المواضيع.

 

بقلم: ألون بنكاس

هآرتس 5/3/2021



مقالات أخرى للكاتب

  • لغانتس "الساذج" وآيزنكوت "المغبون": ساعر حجر نتنياهو الأخير لـ "الإخفاق المطلق"  
  • شلهوب وديمقراطية إسرائيل".. ما معنى أن يعبر "غير اليهودي" عن رأيه في مؤسسة أكاديمية؟    
  • الاستخبارات الإسرائيلية تسائل نفسها: هل قتلنا مروان عيسى؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي