لوموند: صعود قوي.. جماعة أنصار الله الحوثيين فرضت نفسها بفضل حرب إسرائيل على غزة

2024-01-22

لم يتوقع أحد هذا التهديد، فاليمن، البلد الذي يقوضه الفقر وأضعفته الصراعات الداخلية، لم يُعتبر قط لاعباً جيوسياسياً رئيسياً (ا ف ب)قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في تحقيق مطول لها، أن جماعة أنصار الله الحوثيين، التي تسيطر الآن على الجزء الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، فرضت نفسها في اللعبة الإقليمية بفضل الحرب بين إسرائيل وحماس. وقد كشفت الهجمات على السفن في البحر الأحمر، والتي تهدد هذا المحور التجاري العالمي وتتحدى الولايات المتحدة، عن قدرتها على إلحاق الضرر حيث استهدفت الهجمات التي شنتها ميليشيات الحوثي من الساحل اليمني البعيد في البداية ميناء إيلات الإسرائيلي على البحر الأحمر. وتوسيع نطاق ضرباتهم لتشمل سفن الشحن المتجهة إلى إسرائيل والرد العسكري الأمريكي والبريطاني في 11 و12 يناير/كانون الثاني الجاري يثير الآن شبح زعزعة استقرار التجارة العالمية بسبب الشلل المحتمل لطريق الشحن الرئيسي هذا.

ولم يتوقع أحد هذا التهديد، فاليمن، البلد الذي يقوضه الفقر وأضعفته الصراعات الداخلية، لم يُعتبر قط لاعباً جيوسياسياً رئيسياً. لقد أهمل الجميع صعود الحوثيين، الذين كان يُنظر إليهم حتى وقت قريب على أنهم متمردون ذوو طموحات وطنية، ونطاق ترسانتهم وقدرتهم على التسبب في الضرر محدودين. كما أن علاقاتهم مع إيران لم يتم تقييمها بشكل صحيح، والولايات المتحدة، التي تقف الآن على الخط الأمامي لهذا الانفجار الإقليمي الجديد، تدفع اليوم الثمن. والعديد من القوى الأخرى معها. ففي غضون أيام قليلة، أصبح الحوثيون أبطالاً أساسيين في الشرق الأوسط، ومما يزيد من تهديدهم أن تنظيمهم ما يزال مجهولاً إلى حد كبير، وفقا للصحيفة.

مسار مزدوج

بالإضافة إلى ترسيخ أنفسهم باعتبارهم أسياد العاصمة صنعاء بلا منازع، فإنهم يسيطرون الآن على الجزء الأكثر سكانًا في اليمن. وهذا النصر هو تتويج لآليتين. الأولى، تتعلق بالسياسة الداخلية، إذ اتخذت شكل تمرد بدأ عام 2004 ضد نظام علي عبد الله صالح. والثانية، على مستوى أكثر أيديولوجية، وهو الاعتراف، منذ البداية، بمناهضة شديدة للإمبريالية متمثلة في التنديد بدور الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل في الشرق الأوسط.

وبفضل هذا المسار المزدوج، يجد الحوثيون، الذين يطلقون على أنفسهم اسم “أنصار الله” ويعتبرون أنفسهم الممثلين الشرعيين الوحيدين للدولة اليمنية، أنفسهم عند مفترق طرق  في تاريخهم. هل سيكون التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة مجرد مظهر من مظاهر الغطرسة، التي من المحتمل أن تؤدي إلى سقوطها في هذا البلد الذي ظل لعبة للتأثيرات الخارجية على حساب تنمية متوطنة دون المستوى؟ تتساءل “لوموند”.

ويبرز عامل آخر من عوامل التوتر خلال “الحرب على الإرهاب” التي قادتها واشنطن في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، والتي ارتكبها تنظيم القاعدة الغامض، الذي ينحدر زعيمه أسامة بن لادن من عائلة يمنية أصلها من حضرموت. ومنذ ذلك الحين، لم يعد الغربيون ينظرون إلى البلاد إلا من خلال منظور الجماعات الجهادية الصغيرة التي تزدهر في المناطق التي تكافح فيها الدولة المركزية لفرض نفسها، تشير “لوموند”.

وأدت الحرب بين إسرائيل وحماس، إلى تعطيل المفاوضات الجارية، منذ اتفاق الهدنة المبرم في أبريل/نيسان 2022 تحت رعاية الأمم المتحدة، بين المتحاربين اليمنيين. وفي مواجهة أنصار الله، الكتلة المتماسكة على المستويين السياسي والديني، تقدم الحكومة “الرسمية” الوجه الهزيل لمجموعة غير متجانسة، تضم جهات فاعلة تحركها مصالح متنوعة، بل وحتى شخصية، داخل مجلس إدارة رئاسي. ويرأسها رشاد العليمي، وهو صديق مقرب للرئيس الراحل صالح، وتتكون من ثمانية أعضاء، بينهم جنوبيون وقادة فصائل دينية أو عسكرية.

وتنقل “لوموند” عن مراقب مقيم في اليمن، فضل عدم الكشف عن هويته للتعبير عن رأيه بحرية أكبر، إن “الحوثيين مقتنعون بأنهم في موقع قوة، في مواجهة أعضاء المجلس الذي يعتمد بقوة على الرياض ويواجهون السعوديين.. ويحللون أن التصعيد في البحر الأحمر يحظى بدعم شعبي في اليمن والعالم العربي، وأنه يتوافق تماما مع أيديولوجيتهم، وأنه لا يقوض المفاوضات الجارية حول مصير البلاد”.  ويضيف: “يمكننا أيضًا صياغة فرضية مفادها أنهم (الحوثيون) يعتزمون استخدام مكانتهم الجديدة للحصول على المزيد من الأموال”.

تغير في الرؤية الأمريكية

كما أن صعودهم على الساحة الإقليمية قد تسبب في تغيير جذري في الرؤية الأمريكية لليمن. فبعد مراقبتها من خلال عدسة الحرب ضد الجهاديين، تقوم الولايات المتحدة الآن بفحصها من زاوية الطموحات الإيرانية. وتستفيد هذه الرؤية أيضًا من مذكرتين نُشرتا في 9 يناير/كانون الثاني الجاري ، أي اليوم السابق لقصف البحرية الأمريكية على مواقع الحوثيين، والتي أصدرها معهد أمريكان إنتربرايز ومؤسسة التراث – وهما مؤسستان فكريتان محافظتان مقرهما واشنطن، تتابع “لوموند”.

بينما كانت السياسة الأمريكية فيما يتعلق باليمن تتماشى منذ فترة طويلة مع سياسة المملكة العربية السعودية، وفقًا لبروس ريدل، الخبير في معهد بروكينغز بعد ثلاثين عامًا من الخدمة داخل وكالة المخابرات المركزية، فإن واشنطن الآن على رأس الجسر لمواجهة نفوذ الحوثيين في البحر الأحمر. وعلى العكس من ذلك، تدعو الرياض الآن إلى وقف التصعيد، وتحافظ على مسافة بينها وبين التحالف الذي تحاول الولايات المتحدة تشكيله لتأمين هذا المحور التجاري الاستراتيجي، توضح “لوموند”.

دعت المذكرات الصادرة عن المركزين البحثيين، واشنطن إلى الانخراط عسكرياً إلى جانب الحكومة اليمنية “الرسمية” وإعادة الحوثيين إلى”الكيانات الإرهابية”. وظهرت الجماعة اليمنية على هذه القائمة السوداء في نهاية ولاية دونالد ترامب (2017-2021)، قبل أن تختفي مع بداية ولاية جو بايدن، رسميا لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية الأساسية إلى المناطق التي تسيطر عليها. وتم الإعلان عن إعادة إدراجها ضمن القائمة  في 17 يناير من قبل وزارة الدفاع الأمريكية، تشير “لوموند”.

واعتبرت “لوموند” أن الهجمات التي نفّذها الحوثيون في البحر الأحمر تُظهر استخدام أسلحة متطورة بشكل متزايد. وتنقل عن  فابيان هينز، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، قوله : “في غضون سنوات قليلة فقط، حصل المتمردون الحوثيون في اليمن على ترسانة متنوعة بشكل ملحوظ من الأسلحة المضادة للسفن، بما في ذلك صواريخ كروز والصواريخ الباليستية. وتثير هذه الترسانة الضخمة تساؤلات حول استراتيجية إيران الأوسع في المنطقة”.

وتابعت “لوموند” القول إنه على الرغم من أن الحوثيين ربطوا هجماتهم على سفن الشحن بالهجوم الإسرائيلي المستمر في قطاع غزة، إلا أن “الأسلحة تم توفيرها من قبل إيران قبل وقت طويل من اندلاع الصراع بين إسرائيل وحماس، في شهر أكتوبر الماضي . وهذا يشير إلى أن إيران مركزة بشكل كبير وواسع النطاق، على المدى الطويل، على تعزيز قدرات الحوثيين المضادة للسفن وقد يحاولون تصدير نموذجهم في الإكراه البحري (أي القدرة على إغلاق ممر ملاحي)، من الخليج العربي ومضيق هرمز إلى البحر الأحمر و مضيق المندب، والتي لها أهمية جيوسياسية كبيرة”. وما يحدث هو قبل كل شيء مزيج من التحليلات، لا سيما على المستوى الأيديولوجي، والمصالح التي تمكن كل من إيران والحوثيين من استغلالها طوال فترة الصراع. ويبقى من الضروري قراءة استراتيجية الحوثيين في السياق اليمني، خاصة مع تحديد مستقبل الحركة كقوة مهيمنة.

وأعادت التوترات العنيفة في البحر الأحمر الشرعية للحوثيين، في وقت كانت سلطتهم متنازع عليها في المناطق التي يسيطرون عليها في اليمن. ومنذ هدنة عام 2022 والوقف الفعلي للأعمال العدائية في البلاد، انخفضت شعبيتهم إلى النصف، في ظل انتقادات السكان لعدم  قدرتهم على تقديم الخدمات العامة على أساس يومي. حتى أن الجماعة كانت تنشر في شهر سبتمبر الماضي قواتها الأمنية بالقرب من بعض المساجد، خوفاً من خروج الناس للتظاهر في الشوارع بعد صلاة الجمعة، كما تنقل “لوموند” عن أحد المحامين في صنعاء.

إعادة إحياء الحركة

و منذ بداية الحرب في غزة، أصبح يوم الجمعة مرة أخرى يوم تعبئة، لكن الحشود التي تتجمع أصبحت الآن من المتعاطفين مع الحوثيين. في يوم 11 من الشّهر الجاري ، أي اليوم التالي للضربات الأمريكية البريطانية الأولى، شهدت العاصمة اليمنية تعبئة قياسية حيث خرج مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع للاحتجاج على العدوان الأجنبي ودعم فلسطين. فالحرب، كما في الماضي، أعادت تنشيط الحركة. ويشير المحامي إلى أن القمع يتزايد بحق منتقديها. وفي العاصمة، تجمع المحكمة الابتدائية بين الإدانات، بعضها بتهمة “التعاون مع العدو وقت الحرب”.

وبعد عقدين من ظهوره، أظهر هذا التمرد المركزي الآن مرونة استثنائية، والتي لم يصاحبها التغلب على هويته الطائفية القوية في الفسيفساء الثقافية والدينية التي تميز اليمن.. فقد شكّل النزاع المسلح الحركة، وطبيعتها المشبوهة، وبنيتها العسكرية. فهي لم تتوقف عن القتال أبدًا منذ نحو عشرين عاما.. وكل نجاحاتها السياسية كانت مشروطة بالانتصارات العسكرية،  لدرجة أن عملية السلام اليوم ستشكل التحدي الأكبر الذي يمكن أن يواجهه الحوثيون منذ ظهورهم في المرتفعات اليمنية.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي