العنف الرقمي: الوجه الحديث لاضطهاد المرأة

العرب
2021-11-19

في عصر توسعت فيه البيئة الرقمية وتزايد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف التطبيقات الإلكترونية بين مختلف الفئات العمرية من كلا الجنسين، برزت العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية كظاهرة العنف الإلكتروني ضد المرأة. حيث تتعرض المرأة المستخدمة لشبكات التواصل الاجتماعي يوميا للعنف الرقمي بكل أشكاله، فهنالك التعليقات السيئة والمحقرة والمهينة وهناك أيضا من تتعرض لرسائل تحمل شتما أو تهديدا صريحا أو صورا خادشة للحياء، ويمتد الأمر إلى اختراق الحسابات الشخصية وانتحال الهوية الإلكترونية للحصول على معلومات أو صور محرجة بغرض نشرها أو ابتزاز صاحباتها.

كما أصبح التنمر الإلكتروني بسبب المظهر الخارجي للنساء نوعا من العنف الرقمي المنتشر ضد النساء ووجها حديثا لاضطهاد المرأة.

ولأن المجتمع يرى في النساء الحلقة الأضعف، كان لا بد من أن يصيبهن الكيل الأكبر من الأذى وينصب على كل ما يطال شرفهن وصيتهن وحتى مظهرهن. وهذه الظاهرة تأخذ في لبنان والعالم العربي وجها أكثر حدة وتتحول إلى نوع جديد من العنف ضد المرأة، وفق الصحافية اللبنانية زمرد الطويل إسطفان.

وانحرفت وسائل التواصل الاجتماعي عن أهدافها الحقيقية وأصبحت سلاحا خفيا يستخدمه البعض لممارسة عقدهم ومكبوتاتهم وإيذاء النساء وإذلالهن وإحراجهن من خلف قناع مجهول الهوية.

وفي دراسة نشرتها إحدى شركات التجميل العالمية تحت عنوان “أنا لن ألغى” وشملت 11000 امرأة تتراوح أعمارهن بين 16 و25، تبين أن واحدة من بين كل أربع نساء في العالم تعرضت للتنمر الإلكتروني بشأن شكلها الخارجي وأن 115 مليون صورة يتم حذفها كل عام لهذا السبب. في حين اعترفت 33 في المئة من النساء في بريطانيا بأن مظهرهن الخارجي تسبب بتعرضهن لمضايقات إلكترونية، وأفادت 51 في المئة منهن بأن التنمر منعهن من التنويع في أسلوبهن ومظهرهن، وقد أعربت 65 في المئة عن تأثير ذلك على ثقتهن بأنفسهن.

وفي الغرب يرتبط التنمر بشكل مباشر بالصورة المثالية التي رسمتها وسائل الإعلام للمرأة حتى باتت كل صورة مغايرة، سواء من حيث الوزن أو الشكل أو اللون، تثير السخرية وتعرّض صاحباتها للتنمر والضغوط للبقاء خارج دائرة الضوء. أما في البلدان العربية فالتنمر لا يقتصر فقط على الابتعاد عن الصورة “المثالية”، بل هو يطال مظهر المرأة الخارجي بشكل عام وكأنها عورة يجب ألا تظهر للعلن. فالصبية والأم والكهلة والعجوز قد تجد من يسخر من صورها كمدخل لتحقير المرأة والتجريح بكرامتها وإذلالها. فالمتنمر يسمح لنفسه بتوجيه كل الإهانات لامرأة لم يعجبه شكل أنفها أو طول ثوبها أو فتحة صدرها.

وقالت إسطفان “كم شهدنا على حملات إلكترونية شعواء تشن على هذه المرأة أو تلك وتطال كرامتها وخصوصياتها وأخلاقياتها لا لسبب إلا لأنها ظهرت في صورة بلباس البحر مثلا أو بوضعية تعتبر جريئة”. ومن تداعيات هذا التنمر تأثيره بشكل مباشر على تقدير المرأة لذاتها وثقتها بنفسها ما يضطرها في كثير من الأحيان إلى حذف صورها أو حتى الابتعاد عن مواقع التواصل بما يعني أنه يلغي هويتها الرقمية ويحد من حقها بالتواجد الإلكتروني.

وأشار بدر الشمري صحافي إماراتي وناصح اجتماعي ومدرب معتمد في تطوير الذات، إلى أن الاهتمام الواسع بمكافحة ظاهرة التنمُّر خلال السنوات الأخيرة لم يكن وليد اللحظة أو مجرد موضة، وإنما انطلقت مواجهته بناء على مجموعة كبيرة من الدراسات والأبحاث التي أثبتت الآثار الكارثية للتنمُّر بأشكاله المختلفة وعلى الأمد القريب والبعيد.

وقال إن التنمّر هو كل قول أو فعل متكرر أو قابل للتكرار يسبب الإساءة والأذى أو التهديد لشخص أو جماعة وينم عن سوء استعمال السلطة والقوة، ويعتبر التنمر على المظهر والشكل الخارجي من أكثر أنواع التنمر شيوعا.

ويشمل التنمّر على الشكل مجموعة من السلوكيات أبرزها انتقاد الشكل العام كالنحافة والبدانة أو الطول والقصر، انتقادا متكررا أو قابلا للتكرار هدفه الإحراج والإساءة.

وانتقاد عيب موجود بالشكل كانتقاد أصحاب الهمم وذوي الاحتياجات أو من يعانون من مشاكل صحية وخَلقية. وانتقاد شكل أعضاء الجسم مثل حجم الأنف أو شكل العيون أو الأسنان. أو انتقاد المظهر الخارجي مثل الثياب أو طريقة تصفيف الشعر أو الزي الشعبي أو الديني؛ انتقادا متكررا أو قابلا للتكرار بقصد الإساءة والإحراج.

ولا يشترط أن يكون هناك عيب حقيقي بل إنّه لا يحقّ لأحد احتكار معايير الجمال وتعميمها، حتى أن أجمل الجميلات تتعرض للتنمر.

وكذلك التنمّر الجنسي على الشكل الخارجي والذي يتضمن انتقاد شكل الجسد انتقادا جنسيا أو انتقاد أعضاء معينة كالصدر أو الوركين؛ انتقادا جنسيا متكررا أو قابلا للتكرار بهدف الإساءة والإحراج، وهو يعتبر من أشكال التحرش الجنسي أيضا. هذا إضافة إلى إطلاق الألقاب والأوصاف التي تهدف لإحراج الضحية وتسخر من شكلها.

وعلى الرغم من انتشار الوعي بشكل متسارع ومتنام بأضرار التنمر الإلكتروني، إلّا أن أكثر من نصف مستخدمي الإنترنت يتعرضون له وهو يطال شكلهم بالدرجة الأولى، إضافة إلى التنمر في المدارس والتنمر في العمل وغيرها من أنواع وأماكن التنمر.

ونصحت الخبيرة النفسية سراء الأنصاري فتاة تعرضت للتنمّر في صغرها على ثيابها وشكلها، حيث سخر الآخرون من النمش على خدودها ومن أزيائها، وعلى الرغم من مرور الزمن لكنها تميل إلى العزلة والوحدة بسبب هذه التجربة السيئة في الطفولة، قائلة: هذه بعض التوابل في الحياة أن تلتقي بأناس يصعب التعامل معهم، الأمر الرئيسي عدم الاستسلام لهم ومواجهتهم ولكن بأدب، ثم المواصلة في حياتك وكأنهم غير موجودين.

وتتعرض المرأة لعنف رقمي من نوع آخر، عنف يتخذ شكل التحرش الإلكتروني وهو شبيه بالتحرش الواقعي لكنه أشد أذى منه، إذ على خلاف المتحرش العادي الذي يمكن رؤيته ومواجهته أو حتى تلافيه، فإن المتحرش الإلكتروني يخترق جدران المنزل ويقتحم خصوصية المرأة بحيث لا تجد ملجأ تحتمي فيه. إضافة إلى ذلك يبقى المتحرش الإلكتروني في كثير من الأحيان مجهول الهوية يتلطى خلف قناع الأسماء المستعارة والهويات المنتحلة وهذا ما يحرره من القيود الاجتماعية والمعايير الأخلاقية ويجعله أكثر جرأة أو تهورا في ملاحقة المرأة التي يصادف أن رأى صورتها على مواقع التواصل ونادرا ما يكون على معرفة شخصية بها وقد يصل به الأمر إلى حد المطاردة الإلكترونية. وفي حين لم يُقر قانون التحرش بعد في بعض البلدان العربية، فإن التحرش الإلكتروني أو المطاردة الإلكترونية يمكن أن تحال إلى مكتب مكافحة الجرائم الإلكترونية ليصار إلى تقصي مصدر المطاردة واتخاذ الإجراءات بحق المطارد. هذا إذا ما أقدمت المرأة التي وقعت ضحية هذا التحرش على التبليغ وهي حالات تعدّ قليلة جدا.

وتتداخل في ظاهرة العنف ضد المرأة بالفضاء الرقمي مجموعة من العوامل الموضوعية والبنيوية التي تساهم في تفاقمها منها تراجع منظومة القيم الاجتماعية الراسخة في أعماق المجتمع العربي وظهور منظومة قيمية جديدة أفرزها التغير الاجتماعي السريع في المجتمع، حيث تراجعت مقومات العيش المشترك، إضافة إلى توغل فوبيا المساواة بين الجنسين في المجتمع.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي