القتال بين إيران وإسرائيل لن يتوقف لكن حربا موسعة جرى تفاديها
2024-04-25
ماري ديجيفسكي
ماري ديجيفسكي

منذ الساعات الأولى من صباح الجمعة الماضي تحدثت عاصفة من التقارير الصحافية عن هجوم تعرضت له قاعدة جوية قرب أصفهان في وسط إيران. وهو هجوم كان منتظراً إلى حد كبير. وعلى رغم من كافة المناشدات من قبل الولايات المتحدة، ومن المملكة المتحدة، وآخرين كثر، فإن إسرائيل لم تترك أدنى شك بأنها ستقوم بالرد عسكرياً على الهجوم الإيراني الفاشل عليها، الذي جرى الأسبوع الماضي.

ما بدا كأنها غارة موجهة بدقة كبيرة على مجمع يعتقد أنه كان على علاقة بالهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل – وهي غارة جرى شنها في اليوم الذي يصادف تاريخ ميلاد المرشد الأعلى الإيراني – يمكن أن يكون فعلاً ذلك الرد.

باستثناء وحيد، هو أن إيران قامت بنفي أن يكون مثل هذا الهجوم قد وقع من أساسه، بصورة واضحة وصريحة وعلنية للغاية.

وكون إسرائيل من جانبها لم تعلن شيئاً ليس أمراً غير مألوف. فهي مثلاً، لم تعترف أساساً بالمسؤولية عن الهجوم على مبنى القنصلية الإيرانية لدى دمشق، في الأول من أبريل (نيسان)، والذي أدى إلى هجوم إيران المباشر غير المسبوق على إسرائيل. ولدى الأخيرة قاعدة معتمدة بأن تترك للآخرين حرية التوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة. تل أبيب تنتهج الصمت نفسه فيما يتعلق ببرنامجها النووي - إنه مثال آخر على ما يعرف بنهج "الغموض الاستراتيجي" الذي تنتهجه.

هذا النوع من الصمت لا يعكس عموماً طريقة عمل الجانب الإيراني. ولا بد أن الأمر كان غريباً للغاية، إذ إن السؤال الرئيس الذي بقي عالقاً في صبيحة اليوم التالي، لم يكن يتعلق بماذا استهدف الهجوم، ولا ما إذا كانت هناك من إصابات قد وقعت، أو أي أضرار مادية قد لحقت جرائه، أو لو كانت هناك من أضرار مادية، ولكن إذا ما كان الهجوم قد وقع في الأساس.

لنتفق – ولا مجال إلا أن نتفق – بحصول هجوم منفرد أو أكثر على الأراضي الإيرانية في الليلة بين يومي الـ18 والـ19 من أبريل، فالتقارير ووفق القاعدة العامة، لا تصدر من فراغ، وتلك التقارير جاءت وبشكل أولي من الولايات المتحدة. كما أن وسائل الإعلام الإيرانية كانت قد نشرت أخباراً عن أضواء ووميض انفجارات شوهدت قرب منشآت عسكرية معروفة، وهي أيضاً مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.

هل يمكن أن تكون تلك الانفجارات نتيجة حادثة؟ أو أنها محاولات لتحويل الانتباه بصورة متعمدة من قبل إيران، كذريعة ربما للقيام برد عسكري جديد؟ نكرر، هذا يبقى احتمالاً فقط. لكن نظراً إلى المعارضة الأميركية الرسمية لأي هجوم [إسرائيلي]، والصدفة الإضافية بأن الهجوم كان في نفس تاريخ عيد ميلاد المرشد الإيراني علي خامنئي، يبدو مستبعداً ألا تكون الضربة قد وقعت، أو ألا يكون، وبغض النظر عما جرى، قد قامت به أياد خبيثة.

ولهذا السبب يمكن اعتبار إنكار إيران - حتى الآن في الأقل - علامة أمل تشير إلى نهاية التصعيد المتبادل مع إسرائيل. لأنه إذا لم يكن هناك هجوم إسرائيلي في نظر إيران، فلن تكون هناك حاجة إلى رد عسكري. والمواجهات المباشرة - التي بدأت بالغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية لدى دمشق - من الممكن أن تتوقف هنا. هذا ليس مستحيلاً. حتى طهران نفسها كانت تأمل في أن يكون هجومها الجوي على إسرائيل الأسبوع الماضي هو الكلمة الأخيرة، حتى بعد فشله الواضح.

وفي تلك الحالة، يمكن للنزاع بين إسرائيل وإيران أن يعود إلى حالته السابقة، أي تخوضه في الأساس القوى التي تشكل وكلاء إيران - في جنوب لبنان، وفي سوريا، وجماعة الحوثي في اليمن - وكلها جماعات تعمل بمستويات توجيه مختلفة وبقدرات محدودة.

وقد يوفر هذا أيضاً، وبصورة مدهشة، امتداداً للمناخ الحميد الذي تمكنت إسرائيل في ظله من شن حربها في غزة. وعلى رغم كل الإدانات القادمة من الحلفاء والخصوم على حد سواء، لم يكن هناك حماسة كبيرة في المنطقة نفسها لمواجهة إسرائيل عسكرياً. إذ لم تقم أي من الدول المجاورة في استغلال الثغرات التي ظهرت في الأمن الإسرائيلي والتي فضحتها حركة "حماس" بصورة سيئة للغاية في يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ولم تقم أي انتفاضة في الضفة الغربية المحتلة، على رغم من تزايد هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين. أما هجمات "حزب الله" من جنوب لبنان، فهي بقيت بدورها على نفس مستويات التصعيد السابقة. هذا وكان قد سجل وقوع هجمات صغيرة - قامت بها إيران - ضد جماعات انفصالية قرب حدودها، ومنها ما وقع في باكستان، بصورة تعكس المصالح المحلية الإيرانية، ولكن حتى وقوع الهجوم على القنصلية الإيرانية لدى دمشق، فإن طهران لم تشن أي هجوم مباشر على إسرائيل، وإنما صرحت ومنذ البداية بأنه ليس لديها أي نية للقيام بذلك.

إن التردد في إثارة أي صراع أوسع أو التورط فيه لم يقتصر على إيران. وظلت الدول الإقليمية الكبرى – مصر وتركيا والسعودية – على الهامش، فيما أفادت التقارير أن الأردن ساعد في إسقاط مسيرات إيرانية في طريقها إلى إسرائيل. وتحاول الدول الصغيرة، وخاصة قطر، التوسط لوقف إطلاق النار من شأنه أن يجنب سكان غزة مزيداً من المعاناة ويؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المتبقين الذين تحتجزهم "حماس". ولم تسفر تلك الجهود حتى الآن عن النتائج المنشودة، لكنها لم تنهر تماماً أيضاً، ولم يؤد فشلها الدوري إلى أي زيادة ملحوظة في التوترات.

وقد يكون أحد التفسيرات عدم اتساع نطاق الحرب بين إسرائيل وغزة قبل الأول من أبريل، هو ضعف كل دولة تقريباً في المنطقة، وحقيقة أن القوى الكبرى الأخرى - روسيا والصين - منشغلة بأمور أخرى، إضافة إلى الضغوط المحلية التي تعانيها الإدارة الأميركية في هذا العام الانتخابي. وبالفعل فإن أحد الجوانب الأكثر بروزاً في الأشهر الأخيرة كان تطور موقف الولايات المتحدة فيما يتصل بالحرب في غزة، من الدعم الشامل لإسرائيل إلى الانضمام إلى الدعوة لوقف فوري لإطلاق النار.

كل هذه العوامل تعمل لحسن الحظ ضد توسع الصراع، لكن على أي حد عدم التخلي عن حذره لسببين مهمين. الأول هو أن الحوادث تقع، وأن الغارة الإسرائيلية غير المدروسة على البعثة الدبلوماسية الإيرانية في سوريا كانت عملاً تحريضياً لم يترك لإيران خياراً سوى الرد.

وقد تكون [الضربة] في نظر إسرائيل جزءاً من كفاحها من أجل البقاء، ولكن هذا لا يغير من حقيقة أنها بالنسبة لإيران، كما هي الحال بالنسبة لمعظم البلدان الأخرى، انتهاكاً لقاعدة دبلوماسية أساسية تحمل معها عواقب على الجميع إذا تركت دون رد. وكلما كثرت مثل هذه الحوادث، زاد خطر سوء الفهم، والمبالغة في رد الفعل، والاشتباكات المباشرة التي قد تؤدي إلى حرب شاملة. والسبب الثاني هو أن المواجهات العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران – على رغم أنها محدودة حتى الآن - تذكرنا بالشعور العميق بانعدام الأمن الذي يثيره كل طرف بالطرف الآخر، إلى درجة يصعب معها أن نرى حتى المنطقة الأوسع كبيرة بما يكفي لكليهما. ولا تزال إسرائيل تعتقد أن إيران تريد محوها من الخريطة، في حين ترى إيران أن إسرائيل هي السبب الرئيس الذي يجعلها في حاجة إلى أن تصبح قوة نووية.

إن الأيديولوجيا والعوامل النفسية والجغرافيا هي عوامل من شأنها التسبب بالنزاعات التي تنتهي بالتحول إلى مواجهات عسكرية، مع إمكانية أن يلعب الحلفاء والوكلاء الموجودون إلى جانب الطرفين، مع إمكاناتهم الإضافية في التسبب بوقوع مثل تلك الحوادث. ولهذا السبب، فحتى لو جرى تجنب حرب شاملة في الوقت الحالي - سواء بسبب الضغوط الأميركية، أو اعتراف إيران الضمني بضعفهم، أو انشغال قوى أخرى بأماكن أخرى - فإن كل تلك العوامل قد لا تتوافر في حال تكرر الحادثة في المرة المقبلة.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • 3 أسئلة ملحة قاد إليها الهجوم الإيراني على إسرائيل
  • إيران تعلم أن العالم في ترقب فما خطوتها التالية؟
  • مفاجآت قد تكون بانتظار بوتين في الانتخابات الروسية      






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي