شبكة الأمة برس | تحديات مصر من الشمال والجنوب


تحديات مصر من الشمال والجنوب

دور مصر القيادي العربي هو قدر وخيار معاً، قومياً وجيوسياسياً واستراتيجياً. وأي انكفاء في الدور، كما حدث بعد معاهدة كامب ديفيد لأسباب وحسابات داخلية وخارجية، يُضعف مصر بمقدار ما يضعف العالم العربي. وأي اضطرابات وأزمات وحروب في البلدان العربية، كما هي الحال في هذه الأيام، تشكّل خطراً على أمن مصر والأمن القومي العربي.

فالموقع يفرض الموقف. والتحدّيات الجديدة أمام مصر، إلى جانب التحدّيات القديمة، تفرض على العرب جميعاً مشاركة مصر في مواجهة التحديات. تحديات في الداخل ومن الخارج عبر الإرهاب الذي يمارسه الإخوان المسلمون. تحديات من الشمال، حيث الدور التركي العدائي لمصر والعرب يسهم في تمزيق سوريا في تنافس مع إيران، ويندفع إلى ليبيا في الجنوب لدعم الإخوان المسلمين في الهيمنة على البلد وتهديد مصر. وتحديات من الجنوب، حيث الخطر على حصة مصر من مياه النيل بسبب سدّ "النهضة" الإثيوبي. و"مصر هي هبة النيل"، بحسب التعبير الشائع عن المؤرخ الإغريقي هيرودوت.

ذلك أن المتغيرات لا تلغي العوامل الثابتة في الجيوبوليتيك المصري من أيام الفراعنة إلى اليوم. ويقول العالم المصري جمال حمدان في كتاب "شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان"، إن "مصر هي ضاحية للقاهرة". وهو يركّز على "البنية النهرية" التي ترتبط بنظام إداري محكم: "فرعون وبيروقراطية قوة وتوزيع المياه". ويرى أن مصر "كانت مجتمعاً مدنياً يحكمه العسكريون كأمر عادي. وظيفة الجيش هي الحكم أكثر من الحرب. وظيفة الشعب هي التبعية أكثر من الحكم. وكثيراً ما كان الحكم يواجه مشكلة الأخطار الخارجية والغزو بالحلّ السياسي وأخطار الحكم الداخلية بالحلّ العسكري".

والمعادلات التي يفرضها الجيوبوليتيك كانت ولا تزال ثابتة من أيام الفراعنة إلى أيام محمد علي باشا حتى أيام الرئيس جمال عبد الناصر، وصولاً إلى أيام الرئيس عبد الفتاح السيسي: لا حياة لمصر من دون النيل. لا استراتيجية مواجهة ناجحة للخطر من الشمال من دون دور لسوريا. لا استراتيجية مواجهة للأخطار من الجنوب من دون بيئة سياسية وعسكرية مساعدة لمصر في ليبيا والسودان وعلاقات جيدة مع بقية بلدان أفريقيا. وإذا كان السلام مع إسرائيل قد خفّف من الأعباء العسكرية على القاهرة، فإنه لم يبدّل شيئاً من الأخطار الآتية من الشمال. أخطار الاندفاع التركي في إضافة خطر الإخوان المسلمين مع مصر من حدودها مع ليبيا إلى خطر "داعش" في سيناء وخطر الإخوان داخل البلاد. فضلاً عن إفقاد مصر قوة سوريا. وأخطار المشروع الإيراني الإقليمي على العرب والأمن القومي وإثارة العصبيات المذهبية في المنطقة. وأخطار العناد الإثيوبي في ملء سدّ النهضة بوتيرة سريعة بما يحرم مصر والسودان من الحصول على الحصّة التاريخية لكل منهما، بالتالي يدفع الآلاف إلى فقدان الوظائف والقدرة على ضمان الحدّ المعقول من الأمن الغذائي.

والسؤال هو: كيف تردّ مصر على الأخطار؟ عملت على تقديم مبادرة لحلّ سياسي في ليبيا، ثم مهّدت في البرلمان المصري وجرى التمهيد في مجلس النواب الليبي ومع شيوخ القبائل لخيار عسكري، بعد الإعلان أن "سرت والجفرة خط أحمر". لم تترك باباً مغلقاً في التفاوض الثلاثي المصري – السوداني- الإثيوبي على اتفاق ينصف الجميع. لا مفاوضات ثلاثية، ولا مفاوضات بإشراف أميركي ثم روسي ثم من جانب الاتحاد الإفريقي. لا على مستوى الخبراء، ولا على مستوى الوزراء، ولا على مستوى الرؤساء. لكن المماطلة الإثيوبية مستمرة، فما العمل حين يصبح الحلّ الفني من خلال القانون الدولي المختص بالأنهار صعباً مثل الحلّ السياسي، ويكون الحلّ العسكري خطيراً؟ وما هي حدود التدخل العسكري في ليبيا، وإن كانت خطوط مصر قريبة وخطوط تركيا طويلة، واللعبة تُدار من قوى إقليمية ودولية تتزاحم على النفط وسواه في ليبيا؟

اللعبة بالغة التعقيد بمقدار ما هي بسيطة إذا كان الحق الوطني هو المعيار. والظاهر أن عوامل عدّة تسهم في الحفاظ على الستاتيكو الحالي كشراء وقت لترتيب حلّ سياسي.

 

*كاتب لبناني


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-992.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-03-29 04:03:50