شبكة الأمة برس | على لسان ٢٢ مايو ١٩٩٠...


على لسان ٢٢ مايو ١٩٩٠...

ثلاثون عاما منذ جئتكم بإنجازكم العظيم لاستعادة وحدة الوطن، أليست ثلاثة عقود مضت من عمركم أنتم -جيل الحاضر- كافية أن تستوعبوا عظمة هذا الإنجاز في العصر الحديث وتفاخرون به أمام أجيالكم من بعدكم...؟
هل تذكرون في مثل هذا اليوم الخالد من العام الماضي ٢٠١٩ ما قلته لكم في مناسبتكم الوطنية عن مكسبكم الكبير الذي تحقق لكم هدية من السماء، محبة لكم من الله العلي القدير، وقد عانيتم الكثير من ويلات الحروب وعذاب التشطير، بعد أن ناضلتم طويلا للخلاص من الاستعمار البريطاني في جنوبكم، ومن الاستبداد والكهنوت في شمالكم ...
واليوم في العام الجديد ٢٠٢٠ وقد عشتم مجددا ما عشتموه من المآسي والأحزان طوال ست سنوات عجاف.
نزيفا من الدماء الزكية في جبال وسهول وطنكم، من عروق صغار شبابكم من كل الأطراف اليمنيه.
تواجهون بعضكم البعض وكأنكم في حلبة صراع ثيران، يتفرج عليكم باستمتاع كل من حولكم من القريب أو البعيد.
تتحطم أرواح أطفالكم وينمو فيهم الخوف والرعب والكراهية والبغضاء ...يمتشقون سلاح النار والموت ويتركون سلاح العلم والحياه. ألا يكفي أن ست سنوات أعادتكم إلى الخلف في كل نواحي الحياه ، وتوقفت فيها عجلة النمو والازدهار في بلدكم .
تشاهدون وتستمتعون بتعدد المسميات والأوصاف لمن يدعي الوصاية عليكم أو أنه المعني بكم وبأحوالكم و المسئول عنكم ومتوليكم....
..وزير هنا ووزير هناك...وزير في جهة ثالثة ووزير رابع في الأفق.
مشاهد الاغتصاب لأرضكم ولشواطئكم ولجزركم ، تغطونها بمنسوج من ضعفكم وسكوتكم وتغاضيكم، وكأنكم غير معنيين بها والمحافظة عليها ...إخوتكم في سقطرى يستغيثون بكم، تتزاحم على أرض جزيرتهم دبابات ومدرعات وأسلحة وعتاد القادمين إليها، الذين يمثلون دورا مسرحيا هزيلا يؤكد هجمتهم على الفريسة...
المهرة هي الأخرى أصوات الشرفاء منها تناشد ضمائركم لحمايتها من المغتصب القادم من خلف الصحراء...حضرموت تنضج على نار هادئة لالتهامها ...عدن وقعت في وحل من الجهل والغباء ...اعتادت على القهر والظلم والفاقة...جوهرة اليمن تلمع في أيدي العابثين والطامعين بها...عروسة تبحث عن عريس تثق به وتطمئن إلى مستقبلها معه .
تعز تئن بجروحها الدامية ، تتقاسمها خطوط تماس لنفوذ طرف على آخر. معالم كل منها جثث الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال.
ألم يؤرقكم ما هي عليه تهامة غربا من المخاء وباب المندب إلى ميدي...؟ أمواج شواطئها وجزرها تتلاطم مع المحتشدين إليها ممن يدعون حمايتها، ومن خلفهم الطامع والغازي لبلادنا في وجه من يدعي الحق بوسائل الباطل...تتسابق الأطراف المتصارعة فيها بنار أسلحتها على أجساد صياديها ومزارعيها السمراء النحيلة التي جُبلت على العطاء والخير والمحبة ، ووجدت نفسها في مواجهة الموت أو النزوح إلى المدن والقرى... وشوارع صنعاء يتسابق القادم إليها من التحيتا أو الخوخة.. من الدريهمي أو حيس أو الحديده ، يصطادون ما يسد رمقهم من فضلات المترفين بدلا من اصطيادهم للسمك بسنانيرهم وبشباكهم وهم في البحر يهيمون بالحرية والأمان....
وتتوسع المآسي في أنحاء الوطن على النازحين من قراهم في نهم والجوف وما حولهما، وهم تحت خيمهم في مخيماتهم لتجرفهم السيول في مناطق النزوح ، ليجدوا أنفسهم بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم في العراء مستغيثين.
وطنكم يُجزأ ويُقسم كعكة دسمة في أفواه الطامعين وكأن الامر لا يعنيكم ، أو أنكم تنتظرون المجهول.
أعرف أن في بعض محطات الماضي من تاريخكم السياسي أنكم استنجدتم بالآخرين من خارج الوطن ،لكن استنجاد اليوم يختلف عن الأمس ولن يكون في إمكانك أن تستغني عن من استنجدت به بدون ثمن باهظ من سيادتك بل من كل ما تملكه في وطنك من أرض وشواطئ وجزر وسماء.
لماذا لا تعودون إلى رشدكم لاستعادة دوركم الوطني الغيور، للمحافظة على وطنكم وبناء دولتكم...؟ أين يقظتكم الوطنية السلمية ؟ لمَ لا تتحرك فيكم ضمائركم نحو بلدكم...؟
البيانات من هذه الفئة أو من تلك من شخصيات المجتمع أكانوا في داخل الوطن أو خارجه - مع كل التقدير لها- لكنها لا تكفي بدون أن تكون أنت الشعب حاملا لها بإيمان وصبر وتضحية .
إنكم اليوم تنتظرون الغوث من مبعوث أممي أو من تصريح لمسؤل خارجي إقليمي أو دولي ، ولن يكون الحل من خارج الوطن بل من داخله ، ولن يكون إيقاف الحرب وتحقيق السلام إلا بقرار من أبنائه ومن كل مكوناته وشرائحه، وهذا لن يتم إلا على قاعدة صلبة صادقة من التصالح والتسامح بين الأطراف والفرقاء دون إقصاء...الكل له حقه في كل حبة رمل من وطنه ،ليس من حق أي طرف أن يحاول انتزاع هذا الحق من الآخر مهما كانت المبررات لمثل هذا الإجرام والوهم.
إن ٢٢ مايو ١٩٩٠ سيبقى ما بقيت الحياة في اليمن الواحد، فهو المركب الواحد للنجاة من كل ظلم وظالم، ومن خرج عنه مصيره أن تبتلعه الأسماك والوحوش من حوله...
أحوال البلاد والعباد تتفاقم أكثر، ووباء (كورونا ) يحصد منا هو الآخر ولن يكون أرحم بنا من أنفسنا (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم..
وكل عام وأنتم بخير وانتصار
إن شاء الله....

 

*وزير شؤون الوحدة  اليمني الأسبق ووزير الثقافة الأسبق


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-723.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-04-18 07:04:19