شبكة الأمة برس | سدنة الديمغرافيا المناطقية والتجاور الطائفي


سدنة الديمغرافيا المناطقية والتجاور الطائفي

 

الحديث عن التغيرات الديمغرافية ومروجو الهلع مما يسمونه بالاستيطان داخل بنية اليمن الطبيعية التي لطالما ظلت تموج بحركة وامتزاج لجغرافيتها وأناسها بحركة لا تتوقف، وتداول للجهات بحسب ظروف الحرب والسلام ،ولأن اليمن كغيرها من الدول التي صهرتها الحروب الداخلية في مسيرة الوصول إلى تجانسها تاريخيا ،وإيمانا بأن الوطنية اليمنية هي نتاج طريق من الشتات المفضي إلى نتيجة حتمية للحياة وفق مبدأ وحدة الأرض والإنسان خروجا من حالة التيه الما قبل وطنية بكل قيعانها وضيق أفقها إن كان لها من أفق!- مروجوا هذه الأوهام سواء ما نشره النائب علي المعمري أو غيره لم يكن ترويجا اعتباطيا، إنه من مستلزمات واستحقاقات الحرب وفقا لاستراتيجية إقليمية في اليمن، تتولى مشيخات الخليج دعمها ورعايتها وتمويلها سواء على أسنة الرماح أو ألسنة السياسيين!

فمن حيث الإطار العام استطاعت السعودية وقطر والإمارات أن تحقق أهداف وبنود هذه الاستراتيجية في غياب أو إزاحة للاستراتيجية الوطنية الجامعة.

لقد سبق أن قلت في منشور لي في صفحتي بالفيس بوك بتاريخ4 ابريل 2016: "السعودية حققت أهدافها: نسفت البنية التحتية ،وضربت الجيش والآلة العسكرية ،وجعلت اليمن مقسمة واقعيا إلى جهات وطوائف ومذاهب وأساطير عدة لا يجمع عقدها سوى الكيان السعودي أو بمعنى أصح امريكا، وفكرة الثورة سحقت لعقود عديدة لأنها لو انفجرت في ممر مائي عالمي لشكل ذلك خطرا على الغرب! واستطاعت السعودية أن تقضي على القوميين باستخدامهم كأبواق لها واليساريين كانتهازيين باليومية".

الهيمنة تعيد انتاج نفسها ،لكنها في اليمن تستعاد بذات الأفراد والتحالفات ،طالما أنهم قادرون على الإنجاز.!

ولأن المرحلة تقتضي ملء الاطارات والفراغات التي صنعتها استراتيجية الحرب في اليمن فيصبح توطين الخرافة والأساطير وتحويلها إلى ثقافة انتماء، فإن فيما كتبه عدنان العديني الناطق باسم التجمع اليمني للإصلاح في صفحته بالأمس 5 ابريل 2020 بخصوص "التجاور السياسي" الذي يستدعي ويبنى على أرضية" التجاور الاجتماعي" استنادا إلى ما نسبه عدنان العديني لأستاذه محمد قحطان، وفي استدعائه لرمزية قحطان وظيفة ودلالة تصب في خدمة التجاور الطائفي، الذي يتشكل بأوجه متعددة لفظا متفقة في جوهرها الدلالي: تجاور سياسي، تجاور اجتماعي، تجاور طائفي!

عدنان العديني هو مجرد صورة وصدى للدور الوظيفي المرحلي للتجمع اليمني للإصلاح ، فعدنان كشخص غير مؤثر ولا يصنع وجهة للبوصلة لكنه يعبر عنها!

فمنشوره يحمل اكثر من قول: قحطان انتهى كشخص وعلينا ان نسير على نهجه.

ثانيا: مسألة التجاور السياسي قياسا على التجاور الاجتماعي ،أي ميثاق شرف بين الجزر المتحاربة والإقرار بالتعايش بينها هنا تسقط الدولة الجامعة ويبقى تعايش الجزر ...

قد لا يكون محمد قحطان في حياته السياسية ذلك الشخص المؤثر قاعديا داخل بنية الاخوان التنظيمية لكن اعادة تخليقه وترميزه لوظيفة( التجاور السياسي) يفسر لنا هذا الاستدعاء الترميزي، أي مخاطبة العواطف كرأسمال تراكم منتصرا للمخفي قسرا.

منشور عدنان العديني صدى لخارطة طريق ترسم تفاصيل قادمة مبنية على ما استعاره؛ أي مصطلح "التجاور السياسي" لجزر مفككة... التجاور السياسي نبه العديني الى انه يماثل التجاور الاجتماعي وهذا مفهوم ما قبل الدولة الوطنية ولا يتحدث عن دولة وطنية جامعة وصاهرة لمواطنين ووطن وإنما عن تجاور.. وترميز قحطان والترميز دوما يكون للموتى وتحويلهم إلى رأسمال لتشريع التفاصيل القادمة.

وكذلك أزعم أن منشور احمد الشلفي في صفحته بالفيس بوك اليوم 6-4-2020 بعنوان واضح الدلالة والاتساق مع منشور المعمري والعديني (تعز من مستوطن.. إلى ساكن أصلي!) ولأن وظيفة المقال هو استثارة الكنتونات المغلقة، كما عبر عنه العنوان ،فقد كان نصا ميتا غريبا عن المدينة، يسيح بعينه الزجاجية فلا يرى إلاَّ ما يراه من يشاهدها من على شاشة تلفاز.. المدينة ليست جهات إنها وجوه وأمكنة ومشروع وطني ظل غائبا عن النص أو أن صاحب النص غريب عنه.

مع حديث الساعة عن "المستوطن" بما يشبه حديث (الديمغرافيا)حق علي المعمري.. وبعض اخطاء معلوماتية فتعز ليست ريف عدن. إنها مدينة جامعة، من مجموع اللهجات اليمنية توافق أهلها على محكية هي انعكاس لهذا الامتزاج الوطني، ولأن ريف عدن بحسب ما اطلقه عليها ابو بكر السقاف هي الحجرية، فالمدينة ليست ريفا لمدينة أخرى إنها بوتقة الانصهار الوطني المغاير للنزعات الريفية؛ التي يظل الغريب على تخومها ليس أصيلا ولا متنا في سكنه وشراكته المجتمعية!

وجبل القاهرة لم يكن نواة تعز فهو موجود في الدول السابقة للرسوليين واسمه قلعة تعز ومنه أُطلق على عُدَينة اسم تعز لِيُنسى مع الوقت اسمها الاول عُدينة.

النص لا هو بالسرد المتخلق بحكاياته ولا بالشعر المحلق بخياله، لكنه المتناسل من التطييف الذي نعيشه ومعزز له!

المدينة وجوه وأمكنة وأحداث وجماليات، أمكنة عبقها بما نحتناه بين جوانحها وجنباتها من بملاعبها ومدارسها وسينمائها وانديتها وحواريِّيها حافاتها ومعارك الطفولة ،ينابيع المدينة ومساجدها وأسواقها وتمازج محكاياتها ولهجاتها، المدينة تعز، كما عبر عنها المرحوم محمد بن محمد المجاهد (غصن نظير في دوحة التاريخ العربي) دوحة وطنية وعروبية، عاشت حيوات ثورة 26 سبتمبر و14 اكتوبر، وشموخ التحرر العربي وجلجلة صوت جمال عبد الناصر طاردا للاستعمار وعصاه من عدن والجنوب اليمني، الخ ...

باختصار ظل أحمد الشلفي يحاول الحديث عن مدينة كنتونية، لا مدينة باتساع وطنيتها وعروبتها، ولهذا ظلت تنأى عنه.

تتماثل منشورات المعمري وعدنان العديني وأحمد الشلفي، في دندنة حول توطين الأوهام، (الغيرة) السياسية على النقاء الديموغرافي، والخوف على انطماس ملامحها المناطقية، والدعوة إلى "التجاور السياسي" المبني على "التجاور الاجتماعي"، في شرعنة لحالة التذرر واستدامة الجزر المفككة، من خلال الدعوة إلى ميثاق طائفي يُؤمِّن هذا التجاور ويحوله من سلطة أمر واقع بتعبيراتها الطائفية بأشكالها المختلفة، من مذهبية وعرقية ومناطقية وجهوية إلى تجاور ميثاقي ودستوري!

هل سيكتب لهذه الهويات الطاردة المستقوية بماكينة الحرب التجذر والبقاء أم أنها في مآلاتها الأخيرة تعبير عن حالة انتحارية تفكيكية، فالثقافات الطائفية وهي تسيج كانتوناتها على مقاس أيديولوجياتها ورص الناس خلف عرق أو مذهب أو منطقة أو جهة إلى آخر الهويات القاتلة، التي تبحث عن نسب وهمي لإزاحة الانتماء الحقيقي للوطن والأمة.

لن تستطيع الايديولوجيات الطائفية بمختلف دعاويها أن تصنع أكثر من وهم جماعي بدائي تتناسل منه الحروب وتُستثار فيه الغرائز الأشد توحشا وفتكا، لتكون الرابطة الوطنية الجامعة هي الفريضة الغائبة والضحية الدائمة.


شبكة الأمة برس
https://thenationpress.net

رابط المقال
https://thenationpress.net/articles-576.html


تمت طباعة المقال بتاريخ 2024-04-26 04:04:17